on
رضوان زيادة: (خرافة) إعادة إعمار سورية
رضوان زيادة: الحياة
تزداد التقارير الصحافية التي تتحدث عن وعود يقطعها نظام بشار الأسد لكل من روسيا والصين بأن شركات هذين البلدين ستكون لهما الأولوية في جهود إعادة الإعمار، وأن استثماراتهما ستكون ببلايين الدولارات مقابل استمرار جهودهما في دعم نظام الأسد سياسياً وعسكرياً حتى يتجاوز «أزمته». لا بد من القول إن هذا النوع من الوعود «المعسولة» لم تعد تنطلي على أحد، فلا القيادة الصينية ولا الروسية بالغباء الذي يمكن أن يقنعهم أن «إعادة الإعمار» في سورية ممكنة أو أنها ستكون قريبة، ولعل الموقف الروسي الأخير في اتفاق التهدئة في الجنوب يصب في نفس القناعة الأميركية التي تولدت في نهاية عام 2015 أنه لا إمكانية لإنهاء النزاع في سورية ولا بد من العمل على «تجميده» و «احتوائه» لمنع اشتعاله إقليمياً.
لكن، لماذا يستمر نظام الأسد في بيع هذا النوع من الأوهام التي اعتاد على بيعها لقاعدته «المؤيدة» في الساحل السوري؟ ينبع الجواب في شكل كبير من حقيقة أن الأسد لم يعد يمتلك أية أوراق كي يراهن عليها، أو يساوم عليها، فكل ما راهن عليه تبخر يوماً بعد يوم من «انتهاء الأزمة» في سنتها الأولى إلى عودة «الاستقرار» قريباً إلى تحسن الوضع الاقتصادي إلى دحر الإرهاب وأخيراً «خرافة» إعادة الإعمار وبيع الوهم أن ذلك ممكن في الوقت القريب.
التحدي الرئيس في ما يتعلق بإعادة الإعمار في سورية هو انتهاء الصراع العسكري وبداية تحقيق الاستقرار السياسي من أجل بدء ما يسمى إعادة الاستقرار والأمل. وهو وفق كل السيناريوات المطروحة اليوم يحتاج إلى سنوات عدة إن لم نقل ربما إلى عقد من الزمان لتحقيقه، أولاً بسبب تعدد الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة وتنازع وتضارب مصالحها واستحالة توافقها على الحد الأدنى هو وقف الحرب في سورية، فهناك أطراف وعلى رأسها إيران ترى مصلحة حقيقية في استمرار الحرب بدل خروجها نهائياً من المعادلة السياسية في سورية لأنه ليست لديها أية قاعدة اجتماعية يمكن لها أن تدافع عن مصالحها.
ثانياً بسبب تعدد الميليشيات الداخلية، فانتشار الميليشيات المسلحة من الطرفين سواء من قبل نظام الأسد الذي أعطى الضوء الأخضر للميليشيات العراقية والإيرانية واللبنانية للعمل على الأراضي السورية. وأيضاً من طرف المعارضة المسلحة من جهة تعدد الفصائل وتفرقها. بالتالي فإن جلب الاستقرار وإعادة الأمان تبدو مسألة معقّدة وتحتاج للكثير من الجهود الدولية والمحلية. فعدد الميليشيات التي تقاتل إلى جانب النظام أصبح يعادل عدد الكتائب المتناحرة التي تقاتل باسم المعارضة وهو ما يعقد سيناريو الاستقرار في شكل يجعله مستحيلاً في ظل انعدام أي أفق لاستقدام قوات حفظ سلام دولية أو بروز جيش وطني يضمن السلام متفق عليه ومدعوم اجتماعياً وشعبياً.
التحدي الثاني هو تأمين الأموال اللازمة لمشاريع إعادة الإعمار خصوصاً مع الدمار الكبير الذي جرى في سورية والذي كان من أهم أسبابه الاستخدام المكثف لسلاح الجو من قبل نظام الأسد، فنحن نتحدث عن عشرات البلايين من الدولارات. هذه الموازنات الضخمة من المستحيل اليوم تحقيقها لدولة صغيرة نسبياً ومحدودة الموارد كسورية وليست ذات أهمية كبرى على الخريطة الدولية. كما أنه لا بد من أن نتذكر دوماً أنه بالنسبة الى إعادة الإعمار ليس المهم هو الدمار البنياني لسورية، بل الأهم هو دمار النسيج الاجتماعي السوري والذي باستمراره وعدم معالجته سيمنع عودة الاستقرار والأمل وأيضاً سيمنع عودة الوحدة السياسية بين الأطراف المجتمعية من أجل الاتفاق على سورية المستقبل.
التحدي الآخر هو العدد الكبير من المهجرين الذين تركوا بيوتهم وأحياءهم حيث نتحدث اليوم عن أكثر من ٨ ملايين لاجئ و ١٠ ملايين نازح داخلياً، بالتالي فإن ثلثي سكان سورية تقريباً هم من المهجرين عن بيوتهم الأصلية وعودة هؤلاء جميعاً الى بيوتهم وأحيائهم ومدنهم الأصلية سيحتاج إلى ما يمكن وصفه بالمعجزة.
بالتأكيد هنالك تحديات أخرى إنما هي أقل أهمية مثل إدارة التوقعات العالية للمواطنين السوريين من عملية إعادة الإعمار ونتائجها خلال المراحل المقبلة.
فالتحدي الرئيسي اليوم هو إعادة اللحمة للنسيج الاجتماعي السوري. فنظام الأسد خلال السنوات الست الماضية عمل في شكل رئيسي على تفريق وتفتيت السوريين والتحريض طائفياً بين الطوائف المختلفة ليستفيد من ذلك تحت مبدأ فرق تسد وأنّ بقاءه في الحكم هو الضمان الوحيد لوحدة سورية الأمر الذي لم يعد صالحاً للتصدير أبداً بعد اليوم بعدما تدمر النسيج الاجتماعي السوري بفعل ممارسات منهجية على مدى السنوات السبع الماضية. لذلك وجب على النظام السياسي الجديد خلق سياسات موازية ترافق إعادة الإعمار من أجل التخلص من الوعي والسياسات الطائفية السابقة بهدف إعادة اللحمة الوطنية للمجتمع السوري.
فالعمل بمبدأ العدالة الانتقالية خلال الفترة الانتقالية من خلال عملية محاسبة رؤوس النظام الملطخة أيديهم بالدماء وأيضاً عملية بناء وتقوية مؤسسات الدولة المختلفة وكذلك القيام بالتعويضات الضرورية كل ذلك ضروري من أجل تحقيق السلام المستدام من أهم هذه القيم الجمعية هو إيمان السوريين بوحدتهم وأنّ ما حدث بينهم في هذه الحرب كان بسبب سياسات مدبرة من نظام الأسد. فإنْ استطاع السوريون وضع سياسات التفرقة خلفهم والانطلاق لما سيجمعهم لبناء سورية جديدة فسيكون أمر لم يتكرر عبر التاريخ إلا في حالات نادرة مثل اليابان وألمانيا.
إنّ عملية بناء الوعي الجمعي للمجتمعات هي عملية تراكمية ومستمرة ولا تحصل بين ليلة وضحاها ولكن بالحالة السورية سيكون من الصعب جداً بل نوع من الترف التركيز على عملية بناء الوعي الجمعي في ظل الصراع العسكري وعدم الاستقرار السياسي. لذلك الأمر الأهم الآن لبدء عملية الوعي الجمعي هو وقف الحرب والبدء بعملية التسوية السياسية.
ففي حالتي ألمانيا واليابان نجحت عملية إعادة الإعمار في شكل كبير بينما في حالة العراق فشلت في شكل مطلق وليس فقط بالإعمار وإنما أيضاً في إعادة بناء النظام السياسي على أسس ديموقراطية. ودليل هذا الفشل الذريع في العراق هو سيطرة «داعش» على كبريات المدن العراقية الموصل خلال فترة وجيزة جداً. الاحتلال ليس هو العامل الحاسم لفشل أو نجاح مشروع إعادة الإعمار، بل إنّ العامل الحاسم في حالة اليابان وألمانيا كان في وحدة النخب وفي إنتاج حكومة قادرة على توحيد السوريين على هدف واحد وهو إعادة الإعمار وإعادة بناء سورية.
للأسف الشديد لا نجد اليوم قيادات في سورية عليها إجماع مجتمعي، وأيضاً ليس هناك تصور قريب لطريقة وآلية إنهاء هذه الحرب ولذلك، يبدو المستقبل السوري غامضاً أكثر من حالة العراق عام ٢٠٠٣ حيث تم الحفاظ وقتها على الحكومة المركزية. الآن نحن في سورية أسوأ من هذا الوضع بكثير بسبب غياب فكرة الحكومة المركزية في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام وفي المقابل فإنّ المناطق الواقعة تحت سيطرة النظام تقع تحت حكم حكومة مركزية لكنها فاقدة للشرعية بسبب سياساتها الممنهجة لقتل وتعذيب السوريين.
سورية بالنسبة الى القانون الدولي لا تعتبر تحت الاحتلال في وضعها الحالي، فالأمم المتحدة ما زالت تصنف حكومة الأسد حكومة شرعية على رغم عدم شرعيتها بنظر غالبية السوريين، بالتالي فإن الوجود الروسي هو بطلب من الحكومة السورية. ولذلك أفضل حل بالنسبة الى سورية اليوم هو الدخول تحت الإدارة الانتقالية للأمم المتحدة كما جرى في حالة تيمور الشرقية، ففي الحالة السورية يمكن هذه الإدارة الأممية بالتعاون مع الإدارة السياسية الوطنية تهيئة الأجواء للانتخابات ومن ثم انتقال إدارة البلاد للقوى السورية المنتخبة. هذا الحل يعني بالطبع وجود قوات عسكرية أممية على الأراضي السورية (القبعات الزرق) لضمان حصول الانتخابات وتحقيق الأمن في الفترة الانتقالية. إنّما حتى هذا السيناريو يبدو غير متاح في الحالة السورية بسبب تعدد الفئات المتصارعة على الأراضي السورية، بالتالي لن تجد بلداناً ترغب بإرسال جنودها لهكذا مهمة في بلد تعد الأخطار فيه عالية جداً. وعلى رغم صعوبة حصول هذا الأمر يبدو بحسب المعطيات الراهنة أنّ هذا هو الحل الوحيد على الأرض بعد الاتفاق السياسي لإنهاء العنف والاقتتال، ومن دون هذا السيناريو لا يبدو أنّ الظروف مهيأة لإنهاء الحرب.