مترجم: على الإعلام الغربي أن يدرك أن في سوريا ما هو أكثر من بشار الأسد والجهاديين

The New Arab- ترجمة ريما قداد- السوري الجديد

يحتل خطر التطرف ومستقبل سوريا بعد القتال، بالنسبة للعديد ممن يتابعون الصراع السوري، الذي بلغ عامه السادس، أولى قوائم الاهتمام.

وبعد أعوام عدة من المذبحة بدأ بعض المعلقين والمحللين الأجانب بالعودة إلى موقفهم الداعم للحكومة السورية موضّحين ذلك بأن “البديل الوحيد لسياسة الأسد هو الفوضى الإسلامية”.

وبالنسبة لهؤلاء المراقبين، فالسوريون إما “إرهابيون تابعون للقاعدة” أو مؤيدون للأسد، ما ينفي وجود أولئك القابعين بين هذين الصنفين.

كما أن وجهة نظر الأشخاص الذين يحاربون في الوقت الراهن كلاً من الحكومة السورية وتنظيم القاعدة غالباً ما تكون غائبة في هذه المحادثات.

فكثيرون ممن تعرضوا لإطلاق الرصاص الحي عندما تظاهروا ضد وحشية النظام السوري، يواجهون اليوم القمع ذاته من الجماعات المتطرفة التي ظهرت في ظل حملته. 

ولكن خضوع هذه الأصوات للرقابة والتهديد لا يعني أنها ليست موجودة، بل على العكس، إنها موجودة لكنها مغيّبة في كثير من الأحيان، وحتى من قبل أولئك الذين يدّعون أنهم مناصرون للشعب السوري.  

دور التغطية الإعلامية

إن تسمية “بلال عبد الكريم” بالمثير للجدل سيكون تبخيساً بحقه، إلا أن هذا التشبيه هو ما يُستَخدم في الغالب في وسائل الإعلام لوصف الكوميدي السابق من نيويورك الذي أصبح داعية غير رسمي لبعض الفصائل الأكثر تطرفاً في الشمال السوري.

ومن خلال تقديم منصة حصرية تقريباً للجهاديين، بات عبد الكريم مثالاً متطرفاً على نحو خاص عن أولئك الذين يؤججون وجهات النظر الطائفية الثنائية للثورة السورية والحرب الأهلية.

ذلك أنه قام بإجراء مقابلات مع دعاة جبهة النصرة مثل “عبد الله المحيسني”، وقدّم بانتظام منصة لقادة النصرة المسؤولين شخصياً عن مقتل واختفاء عدد لا يحصى من النشطاء السوريين.

فضلاً عن ذلك، يمحو عبد الكريم وجود السوريين الشجعان الذين يقاومون حكم تنظيم القاعدة في محافظة إدلب، والذين ما زالوا حتى اليوم يتظاهرون لإدانة جبهة النصرة وتسمية أعضائها “بالشبيحة”، وهو مصطلح يُطلَق على سفاحي النظام.

وما لا يعيه بلال كذلك، أو ما لا يريد أن يخبر متابعيه به، هو أن الجماعات؛ من قبيل النصرة وجند الأقصى، لم يدّعوا مطلقاً أنهم من أنصار الثورة السورية.

فقد أوضحوا من البداية أنهم في سوريا لمتابعة أجنداتهم وتحقيق أهدافهم. كما لا ينبغي لموقف بلال ضد الأسد أن يخفي ما يقوم به للمساعدة في تبييض صفحة مثل هذه الجماعات. فبالنسبة للكثير من السوريين، يُعد نشاطه ضاراً للغاية في قضيتهم الديمقراطية.

وبالرغم من أن عبد الكريم كان في سوريا عدة أعوام، إلا أنه يبدو غير مدرك بأن علم الاستقلال السوري، الذي أصبح رمزاً للثورة، ممنوع من قبل الجماعات المتطرفة في أجزاء كبيرة من الشمال السوري.

بالإضافة إلى ذلك، واجه النشطاء الاعتقال لارتدائهم أساور تحمل ألوان علم الثورة؛ الأخضر والأسود والأحمر. وعلى العموم، فإن أي شخص لا يتفق مع الفكر المتطرف لهذه المجموعات فهو عرضة للاعتقال أو حتى الاغتيال.

كما لا يلقي المتطرفون  بالاً إذا ما كان النشطاء الذين يقمعونهم ينشطون ضد الحكومة السورية أم لا، بل ما يهمهم حقاً هو اتباعهم لحكمهم.

إذ بات تنظيم القاعدة والجماعات التابعة له، بعد منتصف العام 2015،  قوة مهيمنة في محافظة إدلب الشمالية السورية. ومنذ تأكيد سيطرتها، استخدمت تلك المجموعات الأساليب ذاتها التي استخدمتها الحكومة السورية ضد السكان في إدلب عام 2011.

وقد قام أعضاء هيئة تحرير الشام “HTS” وشركائها بإطلاق الرصاص الحي على  المتظاهرين، واعتقال أولئك الذين يبلّغون عن القضايا المهمة واغتيال كل من يرون فيه تهديداً لوجودهم. كما لجأ كل من جيش الشام وهيئة تحرير الشام باستمرار إلى اعتقال الناشطين الذين أمضوا وقتاً في السابق في سجون الأسد نظراً لمشاركتهم في الحراك الثوري عام 2011.

وقد دافع المؤيدون المتطرفون عن مثل هذه الاعتقالات من خلال اتهام النشطاء بأنهم جواسيس ممولون من الغرب؛ وهذه الاتهامات هي ذاتها التي تعرّض لها النشطاء من الحكومة السورية.

ففي الشهر الماضي، هاجمت جبهة النصرة مدينة معرة النعمان في محافظة إدلب، وقتل المتطرفون المدنيين وحاولوا الاستيلاء على قاعدة للجيش الحر واحتجاز أفرادها. إلا أن السكان تظاهروا لأيام عدة وقاوموهم بقوة، بل وتجرأوا على تهديد مقاتلي جبهة النصرة في مظاهراتهم.

ولم يغطِّ هذه الأخبار المهمة سوى عدد قليل من وسائل الإعلام

وبدلاً من تغطية هذا التحرّك، اختار “بلال عبد الكريم”، الذي كان على بعد بضعة أمتار من الحدث، أن يكرّس منصته الكبيرة لأحد أولئك الذين نفّذوا الهجوم على معرة النعمان. وأثناء مقابلات عبد الكريم، لم يأتِ أحد على ذكر هجوم النصرة على المدينة الثائرة على الإطلاق.

وهذا لا يعد بالنسبة لي وقوفاً إلى جانب الشعب السوري، بل انحيازاً إلى فكر القاعدة الذي يعارضه السوريون بأغلبية ساحقة.

أما بالنسبة للسوريين الذين تظاهروا ضد الأسد، فإن هذه الجماعات المتطرفة مناهضة للثورة؛ ذلك أنها ليست جزءاً من الصورة، كما أنه ليس من العدل وليس من الدقة في شيء أن نضع كل من لا يؤيد الأسد في المربع نفسه. فهذا الثنائي يفتقر إلى الفروق الدقيقة، ولا يحترم النشطاء الذين قضوا على أيدي الحكومة والفصائل المتطرفة.

ولم يكن “بلال عبد الكريم” الوحيد الذي غذّى هذا الثنائي، بل هناك الكثير من الصحفيين الغربيين يقومون بالشيء نفسه.

وهؤلاء الأشخاص يصوّرون الأسد على أنه البديل الوحيد لحكم المتطرفين، ويجادلون في ذلك بأنك إن لم تكن في صف الطاغية فأنت حكماً أحد أنصار القاعدة وداعم لحكم المتطرفين للبلاد.

ومثلما هو الحال مع بلال، فإن صوت السوريين المعارضين لكلا الطرفين مغيب كلياً عن تقاريرهم.

فقد تم تجاهل صراع الموت والحياة بين الثوريين والمتطرفين في كثير من الأحيان، أو إنكاره ببساطة من قبل المعلّقين الغربيين، البعيدين كل البعد عن فهم الأبعاد الخفية للوضع. كما تُعد الانتفاضة في معرة النعمان رمزاً للمقاومة في أوساط الثوريين السوريين، إلا أنه وبعد أن أودت إحدى قنابل النظام بحياة العشرات، وصف بعض المدافعين عن النظام هذه المدينة على أنها مرتع للمتعاطفين مع النصرة.

كما لم يكلّف الصحافيون الغربيون، الذين كانوا منهمكين في اختلاق أعذار لفظائع النظام، لم يكلّفوا أنفسهم البتة عناء التعبير عن تعاطفهم أو قلقهم إزاء المعتقلين الذين أسرتهم جبهة النصرة كرهائن. بالإضافة إلى ذلك، فإن جيش الإسلام ذا النفوذ، الذي يسيطر على مدينة الغوطة المحاصرة في ريف دمشق، لا يلقى أي احترام بسبب استبداده وقمعه لمن يتظاهرون ضده في الوقت الحالي.

وقد ظهر في الأشهر الأخيرة مقطع فيديو صادم لجنود جيش الإسلام يطلقون النار على المتظاهرين. أضف إلى ذلك أن جيش الإسلام، الذي يضطلع اليوم بدور كبير وغير عادل في وفد المعارضة إلى المفاوضات المتقطعة في أستانا، هو القوة الشريرة وراء اختطاف أحد أيقونات الثورة السورية وأكثرها لطفاً؛ المحامية التي تحوّلت إلى ناشطة “رزان زيتونة”.

وقد شاركت زيتونة في تأسيس المجالس المحلية، وهي المجالس التشريعية المنتَخَبة ديمقراطياً في المدينة والتي كانت في طليعة الثورة السورية. وكانت رزان أيضاً رمزاً للمقاومة والتحرر بالنسبة لشعب دوما، وهذا ما دفع جيش الإسلام إلى الشعور بالحاجة إلى القضاء على وجودها.  

علاوةً على ذلك، فإن المحللين الأجانب الذين يدينون الثورة السورية ككل، إنما يستخدمون المتطرفين للتمويه؛ ذلك أنهم لا يأتون على ذكر “رزان زيتونة” أو مجالس التنسيق المحلية، بل إن معظمهم في واقع الأمر لم يسمعوا بالدور الذي أدته تلك المجالس في الثورة.

أما بالنسبة لمن يقلّل من الشأن السوري ويحصره في إطار ثنائي؛ الجهاد مقابل دولة بوليسية، فإن رزان وضحايا المتطرفين، ممن يدّعون معارضتهم لهم، ليسوا موجودين.

والمسألة في جوهرها هي أن الثورة ليست خياراً ثنائياً بين فوضى متطرفة أو دولة بوليسية.

ودليل ذلك هو أن الثوريين الذين تظاهروا سلمياً عام 2011، ما يزالون هناك، نعم لقد مات الآلاف منهم، لكن الملايين ما زالوا على قيد الحياة؛ منتشرين في جميع أنحاء سوريا والعالم في مخيمات اللجوء.





Tags: الثورة السورية, سوريا, صحافة أجنبية, نظام بشار الأسد