Archived: فورين بوليسي: انتصار بشار الأسد بحجم ولاية (تكساس) الأمريكية

فورين بوليسي: ترجمة محمد غيث قعدوني- السوري الجديد

لماذا ستصعب هزيمة النظام في “سان أنتونيو”وكيف تصف دولة النجمة الوحيدة إستراتيجية الأسد العسكرية

لنتخيل أن حرباً مشتعلة في وسط ولاية “تكساس” وتمتد شرقاً بينما تتوضع “سان أنتونيو” في الجنوب الغربي لساحة الحرب الافتراضية، أما “أوستن” فتبعد 80 ميلاً باتجاه الشمال و تقع “دالاس” على بعد 200 ميل على ذات الطريق السريعة قرب الحدود الشمالية الغربية. و لا تشمل هذه الحرب “هيوستن” التي تقع خارج الحدود الجنوبية الشرقية، بينما تراقب “لويزيانا” و”الميسيسيبي” الطرف الشمالي الغربي للبلاد التي أنهكتها الحرب.

خلال هذا الصراع المدمر، خرجت العديد من المناطق عن سيطرة الحكومة، وسيطر الثوار على مساحات واسعة من الأراضي التي تمتد على أميال قليلة شرقي “دالاس” وتتقدم على طول الطريق إلى الحدود الشرقية لبلادنا.

أحكم الثوار سيطرتهم على عشرات البلدات مثل “غريينفايل” و” تكساس” التي يقطنها 25.557 نَسَمة،  وصولاً إلى عاصمتهم الفعلية في “شريفبورت”، وعلى لويزيانا التي يبلغ عدد سكانها 200.327 نسمة . ونظراً لحصار المقاتلين  للعديد من القرى إلى الغرب والجنوب من “دالاس” ، خسرت الحكومة  السيطرة على حوالي 75% من أراضي البلاد.  

و سيساعد الحدس لدى معظم الأمريكيين على فهمهم لكيفية كسب الحرب، حيث إن كلمة السر هي الاستيلاء على  المدن المنتشرة على طول العمود الفقري غربي البلاد.

 إن المناطق الحضرية مثل ” سان أنتونيو، أوستن, و دالاس، تؤوي ما يزيد عن 10 ملايين شخص مما أدى لتقزيم القرى شرق “نكساس”  والمناطق النائية في عمق الجنوب . فما عليك إلا السيطرة على هذه المدن الثلاثة إذا ما أردت جمع الموارد لدحر حركة تمرد ريفية أو الحفاظ على ما يكفي من النفوذ للتفاوض على وضع حدّ لهذا الصراع يكون ضمن شروط تضعها أنت.

فهم الرئيس بشار الأسد هذه الإستراتيجية، و هاهو يستخدمها حالياً بهدف التصدي لأولئك الساعين للإطاحة بحكمه. إن الميدان الافتراضي للصراع الذي رسمناه هو عبارة عن خريطة لسوريا تم تطعيمها بالمشهد الأمريكي.

تتوضع “سان أنتونيو”  تقريباً حيث العاصمة “دمشق” بينما تمثل “أوستن” مدينة “حمص” أما “دالاس” فهي “حلب” وهنّ أكبر ثلاث مدن سورية وأكثرهن ازدهاراً قبل الحرب.   دمرت الحرب كلاً من حمص وحلب بشكل خاص حيث فرّ الكثير من سكان المدينتين خارج البلاد أو إلى المناطق التي يسيطر عليها النظام في محيط العاصمة أو المناطق الساحلية، بيد أنه لا تزال هذه المناطق الحضرية تشكل مصدراً حيوياً لسوريا، وقد حقق الأسد تقدماً مهماً بتأمينها بينما يستمر خصومه في الشجار فيما بينهم على حكم هامش البلاد.

يركز الاهتمام الدولي على سوريا مع ضربات التحالف الغربي على سلسلة من المدن الصغيرة شمال شرق “حلب” . أعداء الأسد في هذه المنطقة هم تنظيم الدولة الإسلامية وقوات سوريا الديمقراطية المؤيدة للأكراد وفصائل الثوار التي تدعمها تركيا، لكنهم يتقاتلون فيما بينهم في ساحة حرب تمتد من مدينة “الباب” وحتى نهر الفرات.

وخلال هذه الموجة الجديدة من القتال، وصفت وكالات الأنباء الرئيسية مدينة “منبج” التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية، “بالإستراتيجية”. ويُذكر أن مدينة “منبج”  المشابهة لـ “لونغ فيو” في “تكساس” والتي كانت تفتخر باحتضانها 75 ألف نسمة قبل الحرب،لم توصف بالإستراتيجية أبداً  خلال السنوات الخمس من عمر الحرب السورية وفقاً لبحثه أجرته “Nexis “. قد يكون الصحفيين قد تنبهوا لأهمية المدينة أو ربما أنهم صنعوا  طبيعتها “الإستراتيجية” لإقناع القُراء بأهمية مقالاتهم.

إذا كنت أحد سكان “منبج” أو القرى المجاورة حينها ستكون المدينة إستراتيجية بالفعل. وتمثل المنطقة أهمية كبيرة لتنظيم الدولة الإسلامية بسبب قربها من الحدود التركية، أما بالنسبة للأكراد فهي ممراً لتوحيد المناطق التي تحت سيطرتهم.  وعلى أية حال، فمن حيث تحديد الجهة التي ستكسب الصراع الأطول للسيطرة على سوريا ستكون أهميته ثانوية. في ميداننا الأمريكي، تتوافق تقريباً مع المنطقة بين مدن “فارمزفيلي و كوبر” في “تكساس” وهي امتداد من الأراضي يبلغ طوله 45 ميلاً  ويخترق عدداً من القرى الصغيرة مشابهة جداً لنظيراتها في سوريا.

ولقد تخلى الأسد منذ زمن طويل عن السيطرة على كثير من المدن السورية من نظيرات “فارمزفيلي وكوبر” وبدل ذلك، ركز اهتمامه على تثبيت مواقعه في دمشق وحمص وحلب. إن امتداد الأراضي التي تربط بين هذه المدن الثلاثة والمناطق الساحلية ذات الغالبية العلوية التي تعتبر أقوى حاضنة لدعم الأسد ، تشكل ما أطلق عليها بعض المحللين اسم ” سوريا المفيدة”.

وليست هذه الأراضي هي مركز الثقل السكاني للبلاد فحسب، بل إنها العصب الاقتصادي. و يُقَدِرُ “فابريس بالانش” وهو زميل في “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” أن 10 ملايين من بين الـ16 مليون سوري ممن لا يزالون داخل البلاد، يعيشون في مناطق يسيطر عليها النظام ضمن “سوريا المفيدة”. وتقع معظم محطات الطاقة التي تزود البلاد بالكهرباء بين دمشق وحلب كما يشير المحلل ” دافيد بتر” أما المصافي التي تمد مناطق سيطرة النظام بالمحروقات فتقع في محيط حمص. إن من الصعب الحصول على مستوى بيانات جيد حول الاقتصاد السوري ولكن مكتب الإحصاء السوري لا يزال يحتفظ بإحصائيات لما قبل الحرب تقول أن غالبية المرافق الصناعية الخاصة في سوريا إنما تتواجد في نفس المنطقة.

لقد بدأت إستراتيجية الأسد هذه تثمر ، حيث كانت دمشق مسرحاً لنجاح ملحوظ حققه الموالين حيث شنت القوات الموالية للحكومة حملة قصف عنيفة بالبراميل المتفجرة  تزامناً مع حصار خانق لإخضاع فصائل الثوار في ضواحي العاصمة، وقبل أسبوعين استسلمت مدينة “داريا” التي يسيطر عليها الثوار، للنظام بعد أن عاقبها بفرض حصار دام أربع سنوات. وفي أيار الماضي، سيطرت القوات الموالية للحكومة على أراضٍ زراعية مهمة في الغوطة الشرقية مستغلة الاقتتال الداخلي بين فصائل الثوار هناك، مما يمهد الطريق أمام مجاعة أسوء بحلول الشتاء. وتبدوا الحكومة أنها قد نجحت باحتواء أي تهديد محتمل من مخيم اليرموك وهو مخيم للاجئين الفلسطينيين قرب العاصمة  والذي أنهكه تسلل مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية والحصار الخانق من قبل النظام.

ويبدو أن سكان المدن الرئيسية الأخرى في سوريا يميلون لجهة “الموالاة”. وهذا الأسبوع، استأنفت القوات الحكومية والتي كانت قد أجبرت فصائل الثوار على الاستسلام في حمص قبل أعوام ، عمليات قصفها لحي الوعر المحاصر في المدينة، حيث يفاوض ثوار الحي النظام على خروجهم من المنطقة، ويحكم النظام سيطرته على محافظتي اللاذقية و طرطوس الساحليتين بينما تعثرت مؤخراً هجمات الثوار في الجبهة الجنوبية من البلاد. كما أن أخبار “حلب” لا تَسرُ معارضي الأسد حيث تمكنت القوات الموالية من إعادة فرض الحصار على القسم الشرقي من المدينة الخاضع لسيطرة الثوار.

ولا يشير أي من هذه المعطيات إلى أن الأسد سوف يكون هانئاً لأنه لم يحقق هذه المكاسب إلا بتدخل إيراني –روسي كبير وكل شيء يدفعنا للإيمان بأن الأسد كان من الممكن أن يسقط لو قررت موسكو وطهران قط الدعم عنه. كما ويجازف الأسد بروسيا وإيران ويجعلهما تتخذان خطوات في سورية من شأنها أن تصب في المصالح الإستراتيجية للدولتين لكنها تضر بنظامه في الوقت ذاته، تماماً مثلما حدث عندما أهمل الرئيس فلاديمير بوتين استخدام دفاعاته الجوية في سوريا لاعتراض الطيران التركي في شمال سوريا.

كما وينبغي على الأسد أن يشعر بالقلق تجاه تراخي قبضته على القوات السورية التي تقاتل لصالحه.  في مقاله المقنع لصحيفة “War on the Rocks”،  يشرح الكاتب “توبياس شنايدر” بالتفصيل كيف تآكلت مؤسسات الدولة السورية بفعل الحرب الطويلة، حيث انهارت القوات المسلحة وجرى استبدالها بميليشيات محلية ارتكبت أعمالاً إجرامية وعمليات تهريب  واقتتال داخلي مدمر بمستوى أضعفَ موقف الحكومة وأصبحت غير قادرة على السيطرة على تلك المليشيات.  يقول “شنايدر” إن من يصمد  فعلاً في مناطق سيطرة النظام هم ”  هؤلاء اللصوص المسلحين” وليس الأسد نفسه.

يواجه الأسد تهديدات متزايدة لسلطته من قبل حلفاءه المحليين والدوليين حتى بالرغم من التقدم الذي تحققه القوات المؤيدة للأسد في صد الجماعات المسلحة. وإذا ترجمنا هذه المعطيات إلى ميداننا الافتراضي في “نكساس” فإنه يمكن أن نقول أن الأسد نجح بشكل ملحوظ بتأمين “سان أنتونيو، و أوستن و دالاس” وبتحويل الصراع إلى صراع على بلدات مُلحَقة مثل “غرينفايل و لونغ فيو”  ومن المحتمل أن يتمسك الأكراد أو فصائل الثوار التي تدعمهم تركيا، بهذه القرى والبلدات النائية رغم تحول قدرتهم على تهديد قبضة النظام على باقي البلاد، لتصبح وهمية لا أكثر. يمكن أن يخسر الرئيس الأسد هذه الحرب ولكنه يُصَعِبُ جداً في الوقت ذاته من إمكانية انتصار الثوار.

اقرا:

فورين بوليسي: كيف يمكن أن يجلب فشل الانقلاب في تركيا السلام إلى كل من سوريا واليمن؟