Archived: مانيا الخطيب: هل مصير السوريين بيد واشنطن؟

مانيا الخطيب: كلنا شركاء

بقي السوريون مخدرين بحقنة المقاومة والممانعة، والتصدي للعدو الصهيوني الغاشم، والتوازن الاستراتيجي مع الغرب ومع “اسرائيل” .. وركبت هذه الموجة قوى عديدة منها نظلم حكم الملالي في طهران ووليده القبيح في لبنان “حزب الله” وغيرهم الكثير ممن كثف كل مشاكل بلاد الشام وما حولها بتحويل جماجم البشر إلى تعبيد لطريق القدس التي أهلها أولى باسترجاعها من أي أحد آخر.

عندما أعلن السوريون ثورة الكرامة التي أخرجت كل ملفاتهم المتراكمة منذ عشرات السنين إلى العلن.. وبدأت رحلة الاستحقاق العسيرة، أربكت هذه الثورة مراكز صنع القرار العالمي والاقليمي ووضعتهم في مأزق حقيقي ..

فــ “التوازنات” التي صنعها حافظ الأسد قامت على تقاطع رهيب للمصالح في هذه البقعة الجغرافية والسكانية شديدة الحساسية.. حتى أن أحد الدبلوماسيين الغربيين في أحد المحافل سمعته بأم أذني حيث كنت موجودة في أحد مقرات منظمة تعمل في مجال التعاون الدولي والتنمية، قال بعيد اندلاع الثورة،

“صحيح أن النظام السوري لم يحترم حقوق الانسان لكنه نظام مفيد من أجل الاستقرار في منظقة صعبة” وقد علقت حينها، “أنتم تشجعون على الفاشية”

نأتي إلى الإدارة الأمريكية التي يعتقد عدد كبير من السوريين أن مصيرنا بأيديهم .. وهذا فيه بعض الصحة، والكثير من الخطأ

حيث أن الصحة التي فيه أن الإدارة الأمريكية، قد استعملت خبراتها الدولية في تحويل الملف السوري من حل الأزمة إلى ” إدارة الأزمة ” وهذا ما نتج العديد من الكوارث ومنها على سبيل المثال المولود القبيح المسمى “داعش” الذي استطاع أن يستثمر في كوارث السوريين المروعة، ويستقطب منهم من لم يعد لديه ليخسره.

النظام السوري كان على الدوام خادم مفيد جداً للإدارة الأمريكية بغض النظر عمن يجلس في البيت الأبيض .. فقد كنا نقرأ مثلا عن التعاون الاستخباراتي الواسع معه بعد أحداث 11 أيلول ومن ثم بعد سقوط بغداد عام 2003

استعملت أمريكا الكثير من الأساليب التي استغلت تارة سذاجة السوريين وقلة خبرتهم لأنهم عاشوا في دولة مخابراتية منعتهم من التنفس وتطوير مهاراتهم ومعارفهم وعلاقاتهم الداخلية والدولية وطوراً استعملت جشع البعض منهم وأنانيته ورغبتهم المسعورة في علاج ذواتهم المسحوقة بفعل الديكتاتورية الأخطبوطية الرهيبة التي لم تسمح لسوري أن يعبر عن نفسه خارج تدخلاتها بكل السبل المكنة وغير الممكنة.

إن كثر ممن ذهب من السوريين مدفوعاً بطيب نية ثورية بعيد محاولات السوريين الأولى في تشكيل كيان سياسي سوري يمثل ثورتهم في المحافل الدولية لم يكن يعرف الكثير من الدهاليز منها السورية، ومنها الدولية وعلى رأسها الإدارة الأمريكية .. أنه بعض مضي بضع شهور سيتحول هذا الجسم السياسي إلى وبال حقيقي على الثورة السورية في تحويلها إلى حرب إبادة شاملة وصلت اليوم إلى التدخل العسكري الروسي السافر، بعد أن أصبحت الساحة جاهزة بفعل تخريب سياسي ممنهج وقاتل في ملفات خطيرة وهي العسكرة، الأسلمة، والمطالبة الواضحة بالتدخل العسكري الخارجي بغض النظر عن امكانية حدوثه أم لا.

في هذه الأثناء التي كان يتم العمل فيها على أعلى المستويات على محاولات احتواء الثورة السورية وتفكيكها واجهاضها على الصعيد العسكري عبر محاولات اختراق الجيش الحر وعلى الصعيد السياسي عبر محاولات تقزيم وافشال المجلس الوطني السوري، انتشرت ايضاً خصوصاً في تركيا موضة انشاء مراكز التدريب على “المجتمع المدني” .. والتي عملت بشكل ممنهج على تفريغ سورية من أهم نشطائها المدنيين، مستغلة أهم خصائص الضعف البشري في الخلاص الفردي من آلة بطش مجنونة، سحقت أهم كوادر سورية بين شهيد ومعتقل ومعذب حتى الموت، وهارب في قوارب الموت .. فلا لوم على أي انسان سوري اضطر إلى أي حل لأنه جنس بشري وليس ملائكة، بل اللوم على هذا التكتيك الواسع وشديد الخبث لتدميرنا

هذا فيض من غيض مما تعرض له السوريون في كفاحهم الدامي لاستعادة انسانيتهم المسلوبة لكنه للأسف لم تكتمل رغم كل هذه المآسي حلقة الدم، لم يصل السوريون إلى لحظة الحقيقة القصوى بعد، لا يزال منهم من يقول أنه حتى لو نظمنا أنفسنا وبنينا أجندة سورية وطنية مشتركة وتعاونا مع بعضنا ورتبنا أمورنا، فإن أمريكا لا تريد بنا خيراً وهي ستعمل على افشالنا ويستعمل رغم كل هذا الثمن الفادح والدروس الخطيرة نفس الشماعة التي دمرتنا.

إن محاولة التبرؤ من أخطائنا، وعدم معرفتنا كيفية الاستفادة من هذه الدروس التي دفعنا ثمنها أنهاراً من الدماء، واستسهال القول أنه يمكننا فقط الانتظار كيف ستسير الأمور، وماذا ستقرر الدول بشأننا وماذا يمكن للمطبخ السياسي الدولي أن يعد لنا، وأن مصيرنا معلق بما تريده واشنطن لنا، هو دليل دامغ قاطع لا ريب فيه أن الثورة لا تزال في بدايتها وأن عملية تشكيل الانسان السوري الجديد الذي يخرج من الحلقة المفرغة التي أسسها حافظ الأسد عن طريق بناء “توازنات إقليمية ودولية” والتي كانت السبب في مكوثه هو وعائلته على أنفاسنا حتى لحظة كتابة هذه السطور.

إنه لمن الطبيعي أن تصطدم إدارة السوريين في التغيير الجذري بكل هذه الملفات المتشابكة، ولكن في النهاية، كل هذه الملفات المتشابكة لا يمكن أن تحل بتجاهل إرادتهم .. في النهاية يحتاج الجميع بما فيهم ألد أعدائنا وألد أصدقائنا إلى كيان سوري يعمل على مسافة متساوية من الجميع على أجندة وطنية خالصة .. قد يبدو هذا بعيد المنال .. خصوصاً في ظل هذه الحاضر المجفع، لكن شيئاً لا يمكن له أن ينجز بدون هذه الحقيقة الفيزيائية المتشكلة من واحدة من أعلى الضرائب البشرية المدفوعة من أجل استرجاع الكرامة السورية. 

اقرأ:

مانيا الخطيب: اللغز السوري