Archived: عمر قدور: بوتين منقذاً أوباما

عمر قدور: المدن

كأنه كان مدبّراً من قبل، أن تعقب التدخل الروسي في سوريا سريعاً اجتماعات روسية أميركية، وأخيراً أن تنعقد اجتماعات فيينا وتتوسع من حيث الدول المشاركة قريباً. لننسَ الجعجعة التي رافقت التدخل، ووصفته بالمفاجئ، لأن تدخلاً معداً على هذا النحو، وعلى بعد آلاف الأميال من روسيا، لا يصعب رصد مقدّماته. إنه ليس عملية استخباراتية محدودة على نمط تهريب بشار الأسد إلى موسكو وإعادته. ولننسَ أيضاً فرضية استغلال بوتين وصول أوباما إلى مشارف السنة الأخيرة من حكمه، ما يجعل رئيساً “ضعيفاً” مثله أكثر ضعفاً من ذي قبل، فإدارة أوباما بكل سلبيتها غير عاجزة على تلقين الروس درساً أفغانياً جديداً بأيد سورية، أي بالأيدي التي أوقعت خسائر فادحة بقوات النظام بمجرد امتلاكها القليل من صواريخ التاو.

على هامش اجتماعات فيينا ثمة ما ينبغي الانتباه إليه، وهو توقيع موسكو مع الأردن بروتوكولاً عسكرياً للتنسيق بينهما في سوريا، مع أن الأردن المشارك في التحالف الدولي ضد داعش يُفترض أن يكون مشمولاً بالمذكرة الروسية الأمريكية لتنسيق الطلعات الجوية. أهم من ذلك، فإن واشنطن، من خلال الأردن، تمسك بالجبهة الجنوبية تماماً، وهي من يقرر بصرامة مقدار الدعم المسموح دخوله إلى ثوار درعا، وهي من يقرر بحزم عدم اقترابهم من جبهة دمشق. لذا من المستبعد أن يبرم الأردن اتفاقاً مع موسكو ما لم يكن بمباركة أميركية.

إسرائيل كانت سباقة كما نعلم إلى إبرام بروتوكول تنسيق مع روسيا، ونتنياهو كان أول زوار الكرملين من المنطقة بعد بدء التدخل الروسي، ولا بد أن لديه من المعطيات ما يجعله يسارع إلى هناك. ولا شك أن إشهار التنسيق الروسي الإسرائيلي يرضي تل أبيب معنوياً أكثر من التنسيق مع الحليف التقليدي الأمريكي لأنه يؤذن بالتطبيع مع محور الممانعة. تفصيل آخر رافق التدخل الروسي، هو إيقاف الإدارة الأميركية مشروعها الهزيل لتدريب ما تصفه بالمعارضة المعتدلة، والإبقاء فقط على الدعم الاستخباراتي كصمام أمان تحسباً من الشطط الروسي. ومع أن مشروع التدريب أثبت فشله قبل التدخل الروسي إلا أن إيقافه بالتزامن معه يحمل لفتة معنوية لا يمكن عزوها إلى المصادفة فقط.

لدى أوباما حساسية خاصة إزاء تدخل أميركا المباشر، لأنه بنى حملته الانتخابية الأولى على نقد تدخل سلفه جورج بوش في العراق، ولا يستطيع المغامرة بصدقيته وصدقية حملة حزبه الديمقراطي آنذاك. الأقرب إلى المنطق أن بوتين أنقذ أوباما بصفقة الكيماوي قبل سنتين، وكما هو معلوم فعل أوباما حينها ما في وسعه للمماطلة بغية عدم معاقبة النظام، إلى أن أتت الوساطة الروسية لتنقذه من مأزقه المعنوي. كان مفهوماً يوم صفقة الكيماوي أن مقايضة قد حدثت، وأن تسليم أداة الجريمة يعني إعفاء المجرم من تبعات فعلته. وما كان مفهوماً أيضاً أن إدارة أوباما وافقت لقاء تسليم المخزون الكيماوي على عدم السماح بإسقاط بشار الأسد عسكرياً، بمعنى أن يصبح هذا بمثابة نهج لا يتزحزح، بل بمثابة تعهد تمنع به القوى الإقليمية من تغيير الموازين على الأرض.

إلا أن أوباما، الذي كانت انتقاداته لسلفه مبنية على فشل التدخل في العراق، يبدو غارقاً في مستنقع لامبالاته إزاء سوريا، وهو ما سيستغله الخصوم الجمهوريون في الحملة الرئاسية المقبلة، وما قد تستغله المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في حملتها، بناء على خلافها معه في الشأن السوري عندما كانت وزيرة خارجيته. باختصار، مع نهاية رئاسة أوباما، ستكون الأوبامية بمجملها في خطر، وأسهل ثغرة يمكن النفاذ منها هي الثغرة السورية. فالمثال السوري يتفوق على نظيره الأوكراني من حيث حساسية الناخب الأميركي إزاء الإرهاب الإسلامي، ويمكن بسهولة إثبات أن سلبية أوباما سمحت للمتطرفين بالسيطرة على مساحات شاسعة من سوريا والعراق. فضلاً عن ذلك، يسهل إثبات عدم جدية أوباما في حلفه الدولي ضد داعش، الحلف الذي لا يمتلك زخماً عسكرياً كافياً، ولا تلازمه محاولات احتواء الإرهاب بمعالجة أسبابه.

تدخّل بوتين ينقذ أوباما على مستويين، الأول هو تغطية تدخله بالحرب على الإرهاب، ما يخلي مسؤولية أوباما الحصرية عن هذا الملف من خلال الحلف الدولي. أيُّ فشل في هذا الملف ستسوّقه الإدارة منذ الآن بعدّه فشلاً جماعياً، وليس مستبعداً أن تلقي كل اللوم على الآخرين بمن فيهم الحلفاء. المستوى الثاني يتصل بمعالجة القضية السورية ككل، إذ أن بقاء الأمر على ما هو عليه وفق سياسة أوباما منذ اندلاع الثورة سيضع الملف في عهدة الإدارة المقبلة، وليس مضموناً ألا تتبنى الأخيرة سياسة مغايرة يقتضي تسويقها نبش أخطاء أوباما أمام الجمهور الأمريكي. على العكس من ذلك، ستسوّق إدارة أوباما أية تسوية، مهما كانت هزيلة أو مجحفة، بعدّها انتصاراً لها، وحتى اعتبارها مبرراً بأثر رجعي لنيل أوباما جائزة نوبل للسلام.

بالطبع، أن ينقذ بوتين أوباما فهذا لن يكون بلا ثمن، ومن المفهوم أن إدارة أوباما لن تدفع من حسابها الخاص. وهي منذ البداية سوّقت لانعدام القيمة الاستراتيجية لسوريا، عطفاً على ما تعلنه من تراجع القيمة الاستراتيجية للمنطقة ككل في الحسابات الأميركية. في اتفاق مصالح القوتين في سوريا ثمة نقطة تسترعي الانتباه، فالأوبامية قامت على أنقاض نهج إدارة بوش، والآن في أواخر أيامها يبدو أن لا أحد أفضل لإنقاذها سوى جورج بوش الروسي.

اقرأ:

عمر قدور: إذ تكذب روسيا وتجد من يصدّقها!