on
Archived: ريل كلير وورلد: زيارة بشار الأسد إلى موسكو تظهر أن روسيا تريد التوصل إلى اتفاق
ريل كلير وورلد: ترجمة مركز الشرق العربي
الأسبوع الماضي وبصورة غير متوقعة, ظهر الرئيس السوري بشار الأسد في موسكو. وهي المرة الأولى التي يخرج فيها الرجل خارج سوريا منذ أن اندلعت الاضطرابات في البلاد قبل 4 أعوام.
تشير هذه الزيارة إلى أمرين هامين.
الأول, هو أنه والفضل يعود في ذلك إلى الضربات الجوية الروسية, فإن الدولة السورية – الدولة السورية الحقيقة المعترف بها بالقانون الدولي- تلتقط أنفاسها مرة أخرى. بدا سابقا أن الأسد موجود في دمشق وهو ينتظر مصيرا مثل مصير القذافي. ولكنه بدا في الكرملين كرئيس دولة لها مقعد في الأمم المتحدة.
الأمر الآخر هو أن موسكو تريد حلا سياسيا للأزمة السورية. سارع الكثيرون إلى تفسير ظهور الأسد في موسكو على أنه استعراض روسي محسوب النتائج القصد منه التحدي. ولكن الرئيس الروسي استخدم كلمات قليلة أمام الصحفيين للتأكيد على التزام روسيا بالتسوية السياسية (تسوية طويلة الأمد تقوم على العملية السياسية التي تشمل جميع القوى, والجماعات العرقية والدينية), التي يأمل بوتين بأنه يمكن التوصل إليها عبر اتصالات وثيقة مع القوى العالمية ومع دول المنطقة, والأهم من ذلك كله, الولايات المتحدة وحلفاؤها في الشرق الأوسط, وأوروبا.
وهي تأكيد للرسالة التي أرادت موسكو إيصالها منذ أسابيع.
ليس هناك أي سبب وجيه يدعو لمعالجة هذا الأمر بأسلوب الدخان والمرايا. لا تريد روسيا حقيقة أن تملي حرفيا كيف يمكن وضع حد لهذه الفوضى وهي لا تملك المصادر اللازمة لذلك. ولكنها تريد ضمان أن نتيجة الحرب الأهلية في سوريا تحترم مبدأ الشرعية كقضية وطنية, وثانيا, حماية مصالح روسيا الأوسع في الشرق الأوسط.
هل تنخرط الولايات المتحدة مع روسيا؟
سوف يلتقي وزير الخارجية الأمريكي جون كيري مع وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في جنيف اليوم. وبالمثل, يبدو أن الولايات المتحدة سوف تتعاون بصورة مفتوحة مع روسيا في سوريا, وبالتأكيد ليس بالطريقة التي توحي بأن الولايات المتحدة تدعم الأسد.
ولكن روسيا لا تطلب من الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى بأن يحلقوا فوق سوريا (بصورة غير شرعية, كما تحب روسيا أن تصفه) للانضمام إليها في تحالفها الموسع ضد الإرهاب بصورة رئيسة. مثل هذا الطرح يقترب من أن يكون استعراضيا أكثر من أن يكون له مضمون في الدبلوماسية الدولية. بدلا من ذلك, يدعو بوتين الولايات المتحدة للتفاوض. موسكو تريد تسخير نفوذ الولايات المتحدة لخلق ظروف للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة, تحظى بدعم حلفاء واشنطن في المنطقة.
بالنسبة لروسيا, فإن أي اتفاق يجب أن يتضمن الدولة السورية الحالية (ربما جزء فقط من مساحتها الحالية وربما دون الأسد, على الرغم من أنه سوف يبقى بصورة رمزية لفترة من الزمن), وأمن القواعد الروسية في المتوسط.
هل يمكن لموسكو أن تقنع واشنطن أن هناك ما يكفي لتبرير التدخل الأمريكي؟
ذكرنا هنري كيسنجر مؤخرا بأن الولايات المتحدة هي من رتبت أمور الشرق الأوسط في مرحلة ما يعد 1973 من أجل إبقاء القوى الأخرى خارجا, وبعيدا عن الخليج الفارسي قدر الممكن. تدخل روسيا بالتنسيق مع إيران نيابة عن الأسد ينذر بفشل هذه الاستراتيجية. كيسنجر لم يذهب إلى هذا المدى, ولكن من الصعب تجاوز النتيجة التي مفادها بأن سياسات واشنطن هي التي ساعدت في زرع الفوضى التي دفعت روسيا إلى التدخل. منذ غزوها العراق عام 2003, كانت الولايات المتحدة هي القوة الثوري الحقيقية في المنطقة.
وبالتالي هناك طريقة واحدة للنظر إلى إغراء موسكو للوصول إلى اتفاق حول سوريا وهو النظر إليه بأنه فرصة لواشنطن لتهدئة الصراعات المزعزعة للاستقرار في المنطقة لفترة, ودعم قضية النظام بدلا من الثورة (لأن مصالحها أدت بها إلى أن تقوم بذلك في كل من مصر والبحرين) على أمل أن العودة إلى الاستقرار سوف تخلق نوعا من الظروف يمكن أن تتطور إلى خلق أنظمة أكثر ليبرالية مع الوقت. هذا الحل مستوحى من روح فيينا عام 1814 ومن الصعب تخيل أن كيسنجر لم يتخلص منه.
في الواقع, اعترف بأن تدخل موسكو يشكل مناورة كلاسيكية لتوازن القوة, حيث قال :” أنه تحد جيوسياسي وليس أيدلوجي. ويجب التعامل معه بهذا المستوى”. ولكن يضيف أنه بين روسيا والولايات المتحدة “هناك أهداف متوافقة”.
في إقناع الولايات المتحدة لرؤية الوضع على هذا النحو فرصة, حيث إن لتركيا أهمية خاصة هنا. إنها حليفة قديمة للولايات المتحدة ومعارضة للأسد, ولكنها في المقابل لا تستطيع التأقلم مع سياسيات واشنطن المؤيدة للأكراد, سواء في سوريا أو في العراق. كما أن تركيا كانت صديفة لروسيا فيما يتعلق بالعقوبات التي فرضت عليها فيما قضية أوكرانيا. إذا كان في وسع روسيا تأمين دعم أنقرة للوصول إلى حل سياسي (هناك إشاعات بأن أنقرة يمكن أن تتغاضى عن وجود الأسد لمدة ستة أشهر كجزء من خطة الحل), فإن واشنطن سوف تكون تحت ضغط كبير لإيجاد طريقة لخلق ظروف دبلوماسية. الأتراك مع السعوديين سوف يكون لهم دور في لقاء كيري مع لافروف اليوم.
من التقليدي التفكير في أن الحروب تخلق حقائق سياسية, ولكن الدبلوماسية الماهرة تدير هذه الحقائق حولها, وإلى غير صالح القوة الأقوى ظاهريا. ولكن على الرغم من أن موسكو أنقذت دولة الأسد الشرعية, إلا أنها لا يمكن أن تجعل من سوريا الجديدة شرعية أو النظام الإقليمي الوحده. إذا كانت الولايات المتحدة تريد رحيل الأسد, فإن الطريقة الأسرع لتحقيق ذلك هو جعل كلفة رحيل الأسد تتحقق من خلال العمل مع موسكو.
لا يتوجب على واشنطن أن تتوقع أن موسكو سوف تضحي بنواة الدولة السورية التي أنقذتها. ولكن يجب عليها أن تأخذ دعوات الحوار على محمل الجد. عندما تحلق الطائرات الروسية فوق الصحراء السورية فإنها سوف تثبت أمرا واحدا, وهو أنه حتى في الشرق الأوسط, فإن لحظة أحادية القطبية الأمريكية قد انتهت.
اقرأ:
ريل كلير وورلد: فهم تناقضات الصراع ضد تنظيم الدولة الإسلامية