Archived: نيويورك تايمز: اتفاق الهدنة في سوريا, يجعل من المساعدات أداة سياسية

نيويورك تايمز: ترجمة مركز الشرق العربي

طالب قادة منظمات الإغاثة الدولية خلال الأشهر القليلة الماضية, الأطراف المتنازعة في سوريا وداعميهم بعدم استخدام إمدادات الغذاء والدواء كورقة مساومة في مفاوضاتهم التي يجرونها حول الحرب والسلام.
ولكن قادة الدول الكبرى في العالم قاموا بذلك يوم الخميس مساء, عندما توصلوا إلى اتفاق حول وصول المساعدات خلال المفاوضات الدبلوماسية في ميونخ. نفس المجموعات التي كانت تتوسل لتخفيف الحصار عن البلدات المحاصرة رحبت الآن بوعد تخفيف الحصار ولكن بحذر شديد, واصفين ذلك بأنه نصف خطوة تسلط الضوء على كيفية أن  الحصول على الخبز والبطانيات وحتى لقاحات الأطفال أصبح أمرا مسيسا في سنوات الحرب الخمس في سوريا.
الحصول على المساعدات أمر مضمون بموجب القانون الدولي. ولكن في هذا الصراع, استخدمت المساعدات مرارا كرافعة على أرض المعركة وعلى طاولة المفاوضات. اتهمت الأمم المتحدة الحكومة السورية بصورة أساسية في ذلك, ولكن الدولة الإسلامية وبعض الجماعات المسلحة, مارست الحصار ومنعت وصول الطعام والدواء للمدنيين.
حذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون من أن أولئك الذين يستخدمون التجويع كسلاح يرتكبون جرائم حرب.
كما لو انه يشير إلى التجاهل الصارخ لجعل وصول المساعدات أمرا حياديا, وهو الأمر الذي فاخر به الروس في إعلان اتفاق ميونخ الذي ينص على استخدام طائراتها الحربية لإلقاء المساعدات الإنسانية من الجو.
قال ماثيو روكيتي, وهو عامل إغاثة في منظمة ميرسي كورب, التي تنتمي إلى المنظمات الدولية التي تعمل في كل من المناطق الحكومية ومناطق المعارضة :” في حين أننا نرحب بأي جهد لتحسين حياة السوريين الذين هم بأشد الحاجة إلى المساعدات الإنسانية, إلا أن الخلط ما بين القضايا الإنسانية والأجندات السياسية يفرض تهديدا حقيقيا للعمل الإنساني المحايد والنزيه”.
وأضاف السيد روكيتي بأن الأماكن والأشخاص الذين سوف يوصلوا المساعدات أمر لا يجب أن يقرر من قبل الدبلوماسيين في الغرف المغلقة واستخدام ذلك كأداة سياسية للقوى العالمية.
تقف ميرسي كورب وغيرها من المنظمات الإغاثية مكتوفة الأيدي مع تزايد حالات الحصار. وقد أدانوا استخدام وصول المساعدات كأداة سياسية, ولكنهم لا زالوا يطالبون القوى الدولية بالقيام بما في وسعهم لرفع حالات الحصار المتعددة والمعيقة.
لحد الآن, حصرت روسيا إلقاء المساعدات على البلدات التي يسيطر عليها حليفه بشار الأسد. وما إذا أكانت عمليات الإنزال الجوي سوف تشمل في المستقبل مناطق المعارضة – حيث تعمل العديد من منظمات الإغاثية المدعومة من الغرب هناك- سوف تبقى أمرا خاضعا للمراقبة.
اللجنة الدولية للصليب الأحمر, التي دعت مرارا كل الأطراف لاحترام القانون الدولي ورفع الحصار, أشادت بحذر باتفاق ميونخ, ولكن دون حماسة. 
قال روبرت مارديني, المدير الإقليمي للصليب الأحمر في منطقة الشرق الأوسط :” لقد حان الوقت لكي تقوم القوى العالمية والأطراف المتحاربة بوضع السوريين أولا ومصالحهم الخاصة ثانيا. أولئك الذين يحملون حاضر سوريا ومستقبلها في أيديهم عليهم أن يتوقفوا للحظة وأن يفكروا في المعاناة التي تجتاح سوريا وأن يجدوا أفضل الطرق للمساعدة في استعادة القليل من الأمل”.
الأسبوع الماضي فقط, وخلال مؤتمر المانحين, نشر مدير الصليب الأحمر الدولي بيتر ماورير على التويتر :” المساعدات الإنسانية أصبحت ورقة مساومة في المفاوضات السياسية. لا يمكننا أن نقبل بذلك”.
الاتفاق الذي تم التوصل إليه بخصوص المساعدات الإنسانية أعلن عنه مساء الخميس في ميونخ عبر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف, إلى جانب ما وصفوه بأنه وقف محدود للأعمال العدائية للسماح بوصول قوافل الإغاثة إلى الأشخاص الذين يعيشون تحت الحصار.
وقف القتال, الذي وصفه كيري بحذر من المقرر أن يبدأ خلال أسبوع. لكن وقف القتال لن يشمل داعش أو جبهة النصرة, الذين يعتبرهم مجلس الأمن الدولي جماعات إرهابية.
جاء في بيان صدر عن المدير التنفيذي لمنظمة ميرسي كورب نيل كيني غوير :” علينا أن نسأل: لماذا علينا أن ننتظر أسبوعا آخر قبل أن يتوقف القتال؟ لقد حان الوقت لوقف القتال. ووقف القصف. وحان وقت إنهاء الحرب الآن”.
قال دافيد ميليباند, رئيس الوزراء البريطاني السابق والرئيس الحالي للجنة الإنقاذ الدولية, بأن وقت اتفاق ميونخ مفتوح وهو يفتقر إلى التفاصيل. المراكز الطبية التي تدعمها منظمته من بين العديد من المراكز التي علقت عملياتها في سوريا في الأسابيع الأخيرة بسبب تسارع العمليات الجوية والقتال البري.
ذكر ميليباند في بيان صدر عنه أنه:” لا يمكن أن تنتظر أسبوعا لإجراء عمليات طارئة والناس في سوريا لا يجب أن ينتظروا أسبوعا من أجل تخفيف القصف عليهم. نحن ننتظر بشغف لنرى ما إذا كان الاتفاق سوف يشكل نقطة تحول أو أنه مجرد فجر كاذب”.
قال مسئول رفيع في وزارة الخارجية أنه ليس واقعيا توقع أن توقف روسيا ضرباتها الجوية على حلب, الأمر الذي أدى إلى تهجير الآلاف من المدنيين إلى الحدود التركية هربا من القصف. أصرت روسيا على أن الجماعات المتمردة الأخرى تقاتل إلى جانب النصرة بدلا من القتال ضدها.
قال ستافان دي مستورا المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا يوم الجمعة بأن الأمم المتحدة وشركاؤها الإنسانيون “سوف يكون في وسعهم الوصول إلى المدنيين خلال الأيام القادمة”, إذا حصلوا على موافقات الأطراف المتصارعة في هذه المناطق.
تقدر الأمم المتحدة بان حوالي نصف مليون إنسان تحت الحصار, معظمهم تحاصرهم الدولة الإسلامية والحكومة السورية, ولكن بعض جماعات المراقبة تقول بأن الرقم أعلى من ذلك بكثير.
ليست هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها الورقة الإنسانية للمساومة في السياسة الدولية.
إبان الغزو الأمريكي لأفغانستان, وصف كولن باول وزير الخارجية الأمريكي السابق وكالات الإغاثة الدولية بأنها قوة مضاعفة عظيمة. أثار هذا التصريح انتقادا واسعا من قبل جماعات الإغاثة مثل أطباء بلا حدود, التي أصرت على أنه من الضروري أن تقوم منظمات الإغاثة بالعمل بصورة حيادية.
ولكن الخبراء يقولون بأن الحرب في سوريا, وبعد أن ولدت أكبر أزمة إنسانية في العالم, أدت إلى قلب إبرة المؤشر إلى الخلف وبالتالي تسيس المساعدات.
رفضت حكومة الأسد مرارا السماح لوكالات الأمم المتحدة بالدخول إلى سوريا من أجل نقل المساعدات إلى المناطق التي تخضع للمعارضة. والأمم المتحدة بدورها, كانت ترفض السماح لقوافلها بالدخول إلى سوريا من الدول المجاورة دون تصريح من مجلس الأمن.
وهذا أدى إلى شهور من الجدل المرير بين القوى العالمية التي يتكون منها المجلس. روسيا دعمت موقف الأسد بأن جميع المساعدات يجب أن تمر من خلال الحكومة إلى أن أدت المناشدات المتكررة من قبل مسئولي الإغاثة في الأمم المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق في منتصف عام 2014. وافقت روسيا بموجب ذلك على قرار يسمح بموجبه مرور القوافل عبر الحدود لإيصال المساعدات الطارئة إلى المدنيين السوريين الذين يقيمون في مناطق المعارضة دون الحاجة إلى الحصول على موافقة السلطات في دمشق.
ولكن ذلك لم يكن كافيا لمساعدة اولئك العالقين خلف خطوط القتال, مثل الآلاف في مضايا وفي الزبداني, حيث مات العشرات من الأشخاص مؤخرا بسبب الجوع.

اقرأ:

نيويورك تايمز: البنتاغون يقرر إرسال جنود إلى سورية