on
Archived: باسل العودات: اللاخطة (ب) الاميركية
باسل العودات: المدن
منذ أن أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في 23 شباط/ فبراير الماضي عن إمكانية لجوء الولايات المتحدة لـ (الخطة ب) في حال فشل وقف إطلاق النار في سورية والذي دخل حيّز التنفيذ في 27 من الشهر نفسه، بدأت المعارضات السورية والنظام والدول الإقليمية تتوقع فحوى هذه الخطة السرية، وراح كل طرف يُفسرها وفق ما يناسبه، وحتى الروس ارتبكوا ورأوا أن أفضل ما يمكن أن يقوموا به لإبعاد شبحها هو إنكار وجودها أصلاً، وكتب المحللون والإعلاميون سيلاً من المعلومات والقراءات والتوقعات حول هذه الخطة.
انقسم أصحاب الشأن والمهتمون بالوضع السوري حول ماهية هذه الخطة، فاعتقد الأكثر تشاؤماً أن هذه الخطة هي (مخطط) لتقسيم سورية بالتفاهم بين الدولتين العظميين، فيما جزم البعض الآخر بأنها خطة عسكرية أمريكية تقضي بتوريد أسلحة فعّالة جوية وبرّية ودعم استخباراتي لكتائب المعارضة السورية المُسلحة الموثوقة والتي يُحب الغرب أن يُطلق عليها اسم (المعتدلة)، لتمكينها من صد سلاح الطيران السوري والروسي على حد سواء، وأضاف عليها آخرون أبعاداً عسكرية أوسع لتصبح برأيهم خطة لتشكيل ودعم مجلس عسكري مشترك بين ضباط من المعارضة وآخرون من النظام ممن لم تتلوث أيديهم بالدماء، يكون بمثابة المُسيطر والموجّه والوصي على مؤسسات النظام العسكرية ومؤسسات المعارضة المسلحة، وراح البعض يعتقد بأنها خطة ستفرض من خلالها الولايات المتحدة حظراً جوّياً فوق جزء كبير من سورية وتُقدّم غطاءً دولياً لدخول قوات عربية إلى سورية، فيما افترض البعض الأكثر سريالية بأنها ستكون خطة للتدخل الأمريكي المباشر في الأزمة السورية.
توثيق المعارضة السورية لخرق النظام السوري للهدنة أكثر من ألفي مرة خلال شهرين، وملامسة وقف إطلاق النار حافة الانهيار، وعدم اكتراث النظام السوري وحلفائه الروس والإيرانيين والمرتزقة على هوامشهم، لم يدفع الولايات المتحدة لتفعيل خطتها (ب) البديلة، فلم تظهر مثلاً أية مؤشرات على وجود أي تحوّل في توازنات الحرب في سورية، ولم يلمس السوريون وغيرهم أي تبدّل أو خرق أو حرف لأي مسار سياسي كان أم عسكري، ولم تُقسم سورية كما افترض البعض، ولم تصل الأسلحة للثوار كما جزم البعض الآخر، ولم يُعلن عن أي مجلس عسكري، كما لم يُعلن عن حظر طيران، وطبعاً لم تتدخل أمريكا عسكرياً بسورية، لا مباشرة ولا بالوكالة.
حتى الآن، لم يتدخل أحد لتعديل توازن القوى بين كفة المعارضة السورية والكفة الأخرى التي يجلس فيها النظام وكل حلفائه، ولم تتوقف روسيا عن قصف المعارضة (المعتدلة)، ومازالت الميليشيات الطائفية متعددة الجنسيات تعيث فساداً ودموية في سورية بطلب من النظام، والأهم، أن السوريين مازالوا يموتون كل يوم دون حساب، دون أن تتفعّل الخطة (ب). النفي الروسي لوجود هذه الخطة الأمريكية البديلة، وتحدي وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لنظيره الأمريكي بالقول إن هذه الخطة “لن تكون إطلاقاً”، لا يعني شيئاً بحد ذاته، وليس دلالة على عدم وجودها لسببين، الأول لأن روسيا ورغم قواعدها الجوية إلا أنها ليست من القوة والسطوة في سورية بمكان يؤهلها لمنع كل الخطط البديلة الأمريكية والأوربية، والثاني لأن الولايات المتحدة إن أراد بالحقيقة فعل شيء سيفعله دون أن تنتظر الإذن الروسي.
لكن، ما يدعو للشك بتصريح رأس الدبلوماسية الأمريكية حول الخطة البديلة هو المواقف والآليات والاستراتيجيات التي اتبعتها الولايات المتحدة في سورية والمنطقة العربية خلال السنوات الخمس الأخيرة، ومسايرتها لإيران وتطوير علاقات معها على حساب علاقاتها مع حلفائها العرب التقليديين وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، وتركها الساحة شاغرة للإيرانيين ليواصلوا نشر الفساد والطائفية والدمار في العراق وسورية، وفشلها في وضع حد لحزب الله اللبناني وغيره من أذرع إيران العابرة للحدود، وخذلانها لحليفتها تركيا أكثر من مرة خاصة فيما يخص الحالة الكردية التي تعتبرها أنقرة مسألة أمن قومي تركي عليا، بالإضافة لفشلها البيّن مع الليبيين والفلسطينيين وغيرها من قضايا المنطقة.
لم تستغل الولايات المتحدة أياً من الفرص العديدة التي كانت تستطيع من خلالها أن تضع حداً للأزمة السورية وتوقف سيل الدم، كما لم تحاول ولا مرّة واحدة أن تضغط على النظام السوري، أو على حلفائه، وحين سخِر النظام السوري من الخطوط الأمريكية الحمراء وخرقها، لم تُنفّذ واشنطن وعيدها بوضع حد له، وحين فاحت رائحة السلاح الكيميائي المُحرّم لم يكن همها وضع حد للنظام وحربه المُدمّرة، ولم تُرسل للمعارضة أسلحة بل أرسلت مساعدات (بلطج) النظام على جزء كبير منها، ولم تسمح لتركيا بتأمين شمال سورية كي لا (يهجّ) السوريون لدول الجوار، ثم صمتت مؤخراً على تحويل سورية لمستعمرة لروسيا وحقل تجارب لأسلحتها.
بدأ يتغير رأي أصحاب الشأن والمهتمين بالوضع السوري الذين اشبعوا الخطة (ب) دراسة، وصارت هناك قناعة على نطاق واسع بأن الخطة الأمريكية (ب) هي لا خطّة، أو خطة لتسليم سورية لروسيا لتستبيح مصير شعبها كما تشاء، أو ربما في الغالب هي خطة لسحب الولايات المتحدة يدها من الأزمة السورية نهائياً، وينتظرون أن يحدث هذا بين ليلة وضحاها، ووسط هذه النظرة المُستجدّة للخطة (ب) يبدوا أنه من الأفضل والأجدى والأنجع لأصحاب الثورة السورية أن يصنعوا الخطة (ب) بأيديهم، لا أن ينتظروها من بلد العم سام.