Archived: د. عاصم قبطان: بعد 64 عاماً على بزوغ شمس ثورة 23 يوليو (تموز ) 1952 ، الرؤية الناصرية المتطورة

د. عاصم قبطان: كلنا شركاء

المبررات التي أسست لقيام ثورة 23 يوليو تموز 1952 تجلت في نكبة العرب في فلسطين و أدت إلى ضياعها في عام 1948 حين فشلت جيوش سبع دول عربية في إيقاف المد الصهيوني المتعاظم و الذي انتهى بقيام دولة إسرائيل.

من أجل أجيالنا الجديدة التي لم تتعرف على الناصرية لا بد من إيجاز انجازات ثورة 23 تموز 1952 الوطنية التي تجلت بالثورة الوطنية و الاجتماعية التي قضت على الاقطاع و على مجتمع النصف بالمئة الذي يملك كل شيء ، و أممت قناة السويس ، و انتصرت على العدوان الثلاثي الغاشم في عام 1956 ، و أقامت الصناعات الثقيلة و مصانع الحديد و الصلب في حلوان ، و بنت السد العالي ، و الإنجازات أكثر من أن تحصى ، و من الناحية القومية و الاقليمية ففي عام 1957 انتصرت ثورة يوليو لسوريا في معركتها ضد الأحلاف التي ترعاها الولايات المتحدة الأمريكية و دول الاستعمار القديم ، و دون تخطيط مسبق وجدت ثورة يوليو نفسها ضمن محيطٍ واسع من المؤيدين و المريدين امتد من الخليج العربي إلى المحيط الأطلسي ، لقد كانت كاريزما عبد الناصر و مصداقيته هي التي فجرت طاقات الجماهير العربية في كل أصقاع الوطن العربي ، فقد رأت جماهير المقهورين و المحرومين في ذلك القائد معلماً و موجهاً لها في صراعها مع الفساد و الدكتاتورية و العمالة و الأحلاف الاستعمارية ، و في عام 1958 تجسدت إرادة الجماهير العربية في تحقيق أول وحدة عربية في التاريخ المعاصر ، لقد تحولت ثورة الثالث و العشرين من يوليو تموز 1952 من ثورة وطنية محلية إلى ثورةٍ عالمية تدعو لتحرير الانسان من دياجير الظلم و القهر و العبودية ، و كان الانفصال الذي فك عرى الوحدة ما بين مصر و سوريا في 28 أيلول 1961 هو الذي أطلق مصطلح الناصرية من عقالها لتشكل تياراً جماهيرياً كاسحاً يمتد من المحيط للخليج و يتجاوز الحدود و يخترق الاثنيات و الطوائف و القوميات و الدول .

لقد أصبح يقينياً أن انقلاب العسكر في مصر في 30 حزيران 2013 جاء ليحبط كل طموحات الجماهير العربية في مصر في الوصول إلى الحياة المدنية و المواطنة الحقيقية و التخلص من سيطرة الحذاء العسكري على رقاب العباد في مصر و إلى الأبد و ثبتَ بأن مصر لن تحكم إلا من خلال الحذاء العسكري ، و مما يدعو للسخرية أن ينبري البعض من أدعياء الناصرية في البلاد العربية لتصوير انقلاب 30 حزيران 2013 و كأنه امتداد لثورة 23 تموز 1952 و لإعطاء قائد الانقلاب لبوس القائد الناصري الشاب و المنقذ و المخلص .

أين انقلاب 30 حزيران 2013 من ثورة 23 تموز 1952 الذي أغلق المعابر من و إلى غزة و دمر الأنفاق شرايين الحياة للغزاويين و تعاون مع الإسرائيليين و ما زال في تشديد الحصار على غزة المناضلة و حاكم الداعمين للنضال الفلسطيني المقاوم بتهمة التخابر مع الخارج ( مع غزة ) ، أصبح من الواجب القومي و الوطني و الانساني إبراز هذه الحقائق للأجيال الجديدة التي لم تعش و لم تعاصر الحقبة الناصرية بعد أن عملت غالبية الانظمة العربية على مسح الذاكرة الناصرية و تشويهها و إفراغها من الرموز الحقيقية ، فالذين عاصروا تلك الحقبة كانوا أكثر وعياً و إدراكاً لما ستواجهه الأمة العربية في توالي الأيام من تمزيق و تخريب ، صحيح أن العسكر في مصر هم الذين صنعوا ثورة 23 تموز 1952 ، و لكنهم كانوا شباباً وطنيين يحملون هموم الأمة ، كان عبد الناصر يملك أمور عديدة لم تتوفر لآخرين ، و كانت قراءة عبد الناصر لآفاق المستقبل العربي هي التي جسدت البعث الحقيقي للأمة و لقيام الدوله العربية القوية ، من خلال الاعتماد على الدوائر الثلاث الدائرة العربية و الدائرة الاسلامية و الدائرة الإفريقية في ترسيخ مبدأ الدولة المحورية صاحبة القرار في هذه الرقعة من العالم ، و من خلال هذه الرؤية الثاقبة التفت الجماهير العربية و الاسلامية و الافريقية و شعوب العالم الثالث حول قيادة عبد الناصر نظيف الكف بكل المعاني ، في تلك الحقبة كانت العروبة هي القاسم المشترك الذي تلتف حوله طموحات و آمال و آلام الأمة العربية من المحيط إلى الخليج .

الناصريون الحقيقيون اليوم هم أكثر إيماناً و التزاماً بالنهج الناصري المتطور ، فالمرحلة الحاضرة تتطلب توسيع الرؤى و تطويرها ، و في الوقت الذي كانت قيادة عبد الناصر تمثل القاسم المشترك لآمال و أحلام الجماهير على الرقعة العربية و التي لم تكن قد ابتليت بلوثة الطائفية و المذهبية و العرقية ، لا بد للطموحات الناصرية اليوم أن تتجاوز المفهوم القومي العربي الشوفيني و ذلك بالعمل على ترسيخ مفاهيم إقامة الدولة القوية و المحورية صاحبة القرار و الموقف في هذه المنطقة من العالم ، و لا بد للناصرية من التأكيد على مبدأ المواطنة الحقيقية لكل المكونات المجتمعية لهذه الدولة سواءٌ كانت عرقيةً أو مذهبيةً أو طائفية او قومية ، و إننا نرى أن ترسيخ شعار االمواطنة للجميع بما يتضمن من الحقوق و الواجبات يجب أن يترسخ لدى الجميع ، و هذا ردنا على دعاة التفرقة و التقسيم و إقامة الكيانات المصطنعة و الهزيلة التي لن يكتب لها البقاء إلا إذا أصبحت عميلة للقوى الكبرى و القوى الإقليمية المحيطة بنا .

إن العامل الأساس في بناء الدول القوية يعتمد أولاً و قبل كل شيء على الإمتداد و المساحة الجغرافية إضافةً إلى باقي المقومات الأخرى البشرية و الإقتصادية و السياسية ، إن كل الجهود و من كل القوى الدولية الكبرى تتمحور حول تفتيت هذه المنطقة و تحويلها إلى دويلات و إمارات و كانتونات خدمة لأهداف الصهيونية العالمية و من يقف خلفها ، إن جميع القوى العالمية بدون استثناء و بعض القوى الاقليمية التي تلتقي مصالحها مع مصالح القوى الكبرى المهيمنة  ضالعة في مخطط التفتيت الذي تتعرض له المنطقة العربية في كلِ أقطارها من المحيط إلى الخليج  و ذلك من خلال استغلال التنوع الإثني و المذهبي و القومي لمكونات الأمة ، لمنع قيام الدولة القوية ، إن ما يحدث في سورية و العراق و اليمن و ليبيا و مصر و السودان و تونس ، و ما يخطط له في المستقبل القريب  لباقي الدول العربية  يستصرخ ضمائر الحكام  قبل الشعوب لاستعادة القراءة  و تغليب المصلحة الوطنية قبل أي شيء آخر .

إن الأجيال الحاضرة التي أُحبِطَت  مدعوةٌ لإعادة قراءة التاريخ القديم و الحديث ، و الوعي بتجرد للمشاركة في رسم  مستقبلهم و أمتهم و دولتهم القوية ، و لن يرحم التاريخ  المفرطين بمستقبل الأمة .

لقد سقطت كل الأهداف القومية و الوطنية المعلنة بعد أن أصبح واضحاً دون لبس العلاقات التي نسجت ما بين القوى الدولية بكلِ مكوناتها والمشارِكة في المشكلة السورية و ما بين إسرائيل ، و التي لا تقيم وزناً لمصالح الشعب في سورية .

إن كل المقومات التي تتميز بها الأمة التي تعيش في هذه المنطقة من العالم تؤكد على سلامة رؤيتنا في إقامة الدولة الكبيرة و القوية و المحورية ، فالجغرافية و التاريخ و القوى البشرية و الثروات الباطنية و الآمال و الأحلام و هذه البلاد من أقصاها إلى أقصاها كانت مهبط الأديان من ابراهيم عليه السلام إلى يعقوب و يوسف و نوح و يونس و شعيب و موسى و هارون و عيسى و محمد ، و من خلال تجسيد الحرية و الكرامة و المواطنة الحقيقية و نشر الثقافة و المعرفة و تشجيع التعليم بجميع المكونات اللغوية للمجتمع و تلقائياً و تبقى  اللغة العربية القاسم المشترك و لغة التواصل ما بين كل مكونات الأمة .

23/7/2016

[email protected]