on
Archived: الدفاع الوطني!! أين الدفاع ؟ … وأين الوطنية ؟
توصف ميليشيا “الدفاع الوطني” في المناطق المؤيدة للظام بـ”العصابة المرخصة” |
كرم الدالية: أوغاريت
تؤكد الدراسات والأبحاث على أن الهدف الاساسي من تشكيل قوات الدفاع الوطني في سوريا هو أن تتصدر مشهد العنف والتجاوزات ، وإعفاء القوات الحكومية النظامية من مسؤولياتها عن المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين . وهو الأمر الذي أكدته التقارير الصادرة عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة .
اُسِّسَت قوات الدفاع الوطني كقوّة مدنية في حمص، في أواخر العام 2012، للقتال إلى جانب الجيش والقوى الأمنية السورية ؛ وقد انتشرت هيكليتها لاحقاً في مختلف أنحاء سورية. لكن قبل ذلك ، لم تكن قوات الدفاع الوطني تؤدّي دوراً أمنياً. بل إن قواتها كانت في البداية بمثابة لجان شعبية غير نظامية تتمركز في القرى والأحياء ، وتهدف إلى حماية مناطقها. وكان هذا مهماً على وجه التحديد في الأيام الأولى للإنتفاضة : فعبر استقطاب الشباب في منطقة معيّنة ، كانت اللجان تصنّف أحياء محدّدة بأنها موالية للنظام ، وتُميّزها بذلك عن الأحياء حيث كان الشباب يشاركون في الإحتجاجات ولم يكونوا مؤيّدين للنظام.
مع تصاعد العنف في منتصف العام 2012، أصبحت اللجان المحلية أكثر انخراطاً في القتال. وبدأ نموّها على الأرض يشكّل خطراً محتملاً على النظام السوري ، الذي باشر العمل على مأسستها بهدف ضمان التزامها وولائها بصورة مستمرّة. وقد انتشرت الهيئات التابعة لقوات الدفاع الوطني في أوساط عدد كبير من الشرائح المختلفة في المجتمع السوري ، وذلك خلافاً للإعتقاد السائد خارج سورية بأن قوات الدفاع الوطني وسواها من الميليشيات تتألّف في شكل كامل أو بمعظمها من العلويين. واقع الحال هو أنّ هذه الهيئات ، باعتبارها محلية الطابع مئة في المئة ، استمدّت أعضاءها من المذهب نفسه أو القبيلة نفسها أو الحي نفسه حيث تتمركز. فقد تألّفت هذه اللجان مثلاً من غالبية ساحقة من الدروز في السويداء وجرمانا ، ومن العلويين في حمص واللاذقية ، ومن المسيحيين في وادي النصارى ، ومن السنّة (ولاسيما القبائل العربية) في حلب وجوارها. كما أنها باتت تعكس المجتمع المحلي كونها تعتمد على المدنيين والجنود المتقاعدين لا على العسكريين في الخدمة الفعلية. فعلى سبيل المثال كان ” صقر رستم ” قائد قوات الدفاع الوطني في حمص مهندساً مدنياً لا جندياً منخرطاً في السلك العسكري قبل اندلاع الإنتفاضة.
أحدث إنشاء قوات الدفاع الوطني تبدّلاً في مسار هذه المجموعات القتالية التي تكتّلت وتحوّلت إلى فرق نظامية مدعومة من الدولة وخاضعة إلى سيطرتها. بدأت هذه العملية في أواخر العام 2012 ، وتواصلت بصورة تدريجية على امتداد أشهر عدّة. وقد منحت الحكومة المجموعات القتالية شيئاً فشيئاً الدعم المادّي والإعتراف ، بحيث تحوّلت ، بحلول ربيع 2013 ، إلى مؤسّسة نظامية. وهكذا أصبحت لقوات الدفاع الوطني مبانٍ إدارية تشغلها قياداتها ، ومراكز تدريب ، وختم رسمي ، وبزّات موحّدة ، وشعار وعلم ، ورواتب شهرية. كما أنها تحصل على الأسلحة والرواتب والتوجيهات من دمشق.
وتمتلك ميليشيا “الدفاع الوطني” نفوذاً واسعاً يمكنها من التصرف بحرية في الأماكن التي تقطنها نسبة كبيرة من المواليين للنظام ، مثل حمص واللاذقية ، والذين عبروا عن استيائهم من تصرفات هذه الميليشيا وقائدها بعدما باتت تلحق الأضرار بهم بدلاً من الدفاع عنهم.
وتوصف ميليشيا “الدفاع الوطني” في المناطق المؤيدة للظام بـ”العصابة المرخصة”، بعد أن حولها متزعميها في المحافظات المتفلتة أمنيا إلى “شبكة فساد” يديرها أقاربهم وأصدقائهم ، وتمتلك صلاحيات تصل حد منح “بطاقات مهمة ” . ومن يمتلك البطاقة يتمكن من ابتزاز الناس وسرقة سياراتهم وتلفيق التهم لأناس يملكون وضعاً مادياً جيداً لإبتزازهم وإجبارهم فيما بعد على دفع مبالغ كبيرة أو التنازل عن سياراتهم لإخلاء سبيلهم ، وذلك بعدما يجري خطفهم باسم القانون من قبل عناصر يرتدون الزي العسكري.
وبات زعماء الدفاع الوطني اليوم يملكون أساطيل من الشقق والسيارات والفلل ، بعد أن كانوا عاطلين عن العمل. ومع شيوع الفساد تحول كثير من عناصر الدفاع الوطني إلى السرقة بعدما شعروا بأن مؤسسة الدفاع الوطني تعاني حتى في دفع رواتبهم ، وأن نجمها ربما بدأ يخبو .
وقد قال حسين همداني الجنرال في الحرس الثوري الإيراني في تصريحات صحفية إن “حزب الله السوري يعمل تحت يافطة القوات الشعبية المنضوية في قوات الدفاع الوطني”. فطهران هي من قامت بتأسيس ” حزب الله السوري ، و وبأن ميليشيا الحزب تقاتل مع قوات النظام تحت يافطة (قوات الدفاع الوطني) المعروفة بالشبيحة في سوريا ، وتتقاضى رواتبها الشهرية من حكومتها” . ومع ازدياد دور الميلشيات المدعومة من إيران ، وتعاظم التواجد الروسي في سوريا يوماً بعد يوم ، بدأت ميليشيات الدفاع الوطني بالبحث عن مصادر استرزاق جديدة ، على غرار “سوق السنة” في حمص ، بعد أفرغت منازل السكان الذين هجرتهم من كل شيء ، افتتحت الميليشيات النظامية “سوق الحرية” في طرطوس ، ومع مرور الأيام وقلة الموارد التشبيحية شيئاً فشيئا ، أصبح هذا السوق المستقر الأول والأخير لكل ما يمكن سرقته من منازل المؤيدين قبل المعارضين.علماً أن الكثير من المواطنين يقصدون السوق لشراء أشياء سبق وأن سرقت من منازلهم أو متاجرهم.
ومع مشارفة حقبة السرقات التقليدية على الإنتهاء ، وتراجع دورهم الميداني في ظل استقدام المئات من عناصر حزب الله وإيران وبقية الميليشيات الشيعية ، بدأ قادة وعناصر الدفاع الوطني بتقديم الخدمات التشبيحية المأجورة (خطف – تعذيب – تهديد – استرداد أموال – قتل ) وزادت هذه التصرفات من نقمة الشارع المؤيد.
وتتكشف خفايا جرائم “الدفاع الوطني” في حمص عبر تسريب وثيقة سرية كانت مرسلة للقصر الجمهوري ، نشرتها مجلة “سوريتنا” الإلكترونية تظهر عمليات التشبيح والسرقة والتسلط بقوة السلاح حتى على الموالين أنفسهم في أحياء الزهراء وعكرمة والنزهة ووادي الذهب وغيرها، ما جعل النظام ذاته يضج بها وبالذات بعد محاولة اغتيال محافظ حمص الحالي “طلال البرازي” من خلال استهداف قصره بقذائف الهاون وكذلك أعمال التفجير في وادي الذهب وسرقة أموال المؤيدين .
ترقى أفعال عناصر الدفاع الوطني إلى ما هو أسوأً من أفعال “الإرهابيين” كما جاء في الوثيقة التي تتحدث أيضاً عن تشكيل سرية مهام خاصة ، وهي متخصصة بأعمال القتل والخطف والإعتداء وتذكر كمثال على نشاطات هذه السرية التي يشرف عليها ” صقر رستم ” بشكل شخصي ، عمليات السطو على السيارات المحملة بالمواد التجارية على الطرقات العامة وتحديداً طريق حمص – طرطوس وسرقتها.
وتضع الوثيقة اللوم بشكل مباشر على الجيش النظامي وتحمله المسؤولية في تمادي سيطرة وممارسات ميليشيا جيش الدفاع الوطني، مضيفة “إن الجيش النظامي يقوم بتسليم مناطق كاملة للميليشيا بعد أن ينهي عملياته العسكرية فيها، وتقول الوثيقة إن سيناريو واحدا يتكرر في جميع المناطق التي خرجت عن سيطرة المعارضة ودخلت سيطرة النظام، إذ يطلب الجيش من الدفاع الوطني أن يقوم بعملية “تثبيت عسكري” في أحياء دخلها ثم ينسحب منها لصالح ميليشيا الدفاع، الميليشيا تقوم أولا بتطويق المنطقة ونصب الحواجز، وتمنع أياً كان من الدخول أو الخروج من المنطقة الهدف، تدخل سرية المهام الخاصة لتسرق المنطقة أو الحي بشكل كامل، ثم تفتح الحواجز لدخول الشاحنات وخروجها بعد أن حملت كل المسروقات الثمينة ومرتفعة الثمن، قبل أن تستمر عملية السرقة من سرايا أقل أهمية .
تساهم مأسسة النظام السوري للميليشيات المحلية في تعزيز ولائها للدولة، وتتيح للنظام إحكام قبضته على المجتمعات التي تنبثق منها هذه الميليشيات. من شأن هذه المجموعات أن تشكّل خطراً حقيقياً على النظام في حال خروجها عن سيطرته. فإذا اكتسبت قاعدة واسعة من الأتباع على الأرض وبنت روابط متينة مع المجتمع ، منحها ذلك القدرةَ على التفاوض مع النظام على السيطرة والنفوذ، والعمل مع القوى الدولية تحقيقاً لمصالحها الخاصة التي تتعارض على الأرجح مع مصالح النظام. ولذلك وضع النظام في رأس أولوياته ، خلال العام الماضي، احتواء هذه المجموعات عبر مأسستها وضمان ولائها ، باعتباره مكوّناً أساسياً في استراتيجية ناجحة تؤمّن بقاءه.
في حديث خاص مع أحد عناصر الدفاع الوطني والذي عرف عن نفسه باسم نزار ، يفرد فيه جعبته التي عبقتها رائحة طلقات الرصاص والقنابل ، ويقول : تطوعت في الجيش ، لانو الطريق الوحيد المتاح لابناء طائفتنا ولـحتى يكون عندي راتب أصرف منه على نفسي وأهلي ، ولأنو طريق الدراسة والتعليم أطول من أن تتحمله عائلتي . تحملت خدمتي في إحدى الفرق العسكرية قرب درعا ، وتزوجت وصار عندي ولدين .
ورغم هيك سرحت من الجيش بعد خمس سنين من الخدمة بعد شجار مع قائد كتيبتي ، اللي كان بيصب كل حرفية القوانيين العسكرية على أمثالي ، لتغطية تفييشه لعناصر يستفيد منها في تغطية نفقاته التي تزيد عن راتبه أضعاف مضاعفة . فعدت إلى بيت أهلي في حمص وتحملونا في بيتهم المؤلف من ثلاث غرف ، ثم عملت في مدجنة دجاج في ريف حمص وكنت أفضل رائحتها على رائحة المازوت المنبعث من السيارات العسكرية ، إلى أن اندلعت الأحداث في المدينة ورفعت الدعوات لحماية ” دجاجاتنا ” والدفاع عن مداجن حمص ، وضرورة الإلتحاق باللجان الشعبية .
لم أرغب بالأمر في البداية ، ولكن مع توسع العنف وتمدده إلى مصادر رزقنا في الريف وإغلاق مداجن المدينة الواحدة تلو الأخرى ، وارتفاع سعر الفروج وصحن البيض إلى ثلاث أضعاف سعره. كان خلاصي الوحيد من جديد العودة إلى الطريق الوحيد الذي ترك لنا ، والذي لم أختاره بل فرضه واقع فقرنا ، في الدعوات إلى الإلتحاق في الدفاع الوطني والدورات التدريبية في إيران ومعسكرات حزب الله في لبنان ، والرواتب التي سنحصل عليها المضاعفة على راتب أكبر موظف ، وصلاحيات التعفيش التي تزداد مع شدة اندفاعنا في الدفاع الوطني .
كل ذلك كان مبررا لنا نحن أبناء المدينة للدفاع عن مصالحنا الوطنية التي ربطت بقدرة قادر بمصالحنا المعيشية لعائلاتنا . وبالمبادرة بالهجوم على سكان الأحياء المعارضة التي تحولت للدفاع أمام موجات العنف غير المتوقعة والمدعومة بالدبابات والطائرات … يصمت نزار وكأن عيونه تتحجر على مشهد يتألم أنه يتابعه وحيدا ورغم ذلك لا يرغب أن يشاركه مشاهدته أحد بل يتمنى أن يكون كابوسا يعيشه وحده ولا يورثه لأولاده .
ويتابع : لم أعد متيقنا هل نحن في حالة دفاع أم هجوم ، وأنا أنفذ أوامر قائد المجموعة رغم أنه غير سوري ، عندما يأمرنا بتجميع جثث النساء والأطفال في الطابق الأرضي لبناء إحدى أحياء مدينتي ، ووضعها في غرفة ثم إشعال النيران فيها . ومن ثم مكافأته لعناصر المجموعة الوطنيين كما سماهم ، بمنحهم بضع دقائق لتمشيط الحي من المجوهرات والأشياء الثمينة .
يصعب على نزار وأمثاله ، الذين كبلت أيديهم وقذف بهم في بحيرة الدم ، أن يصلوا إلى بر السلام ، أو أن يتخيلوا منبع أنهار الدم التي تغمرهم . ولكن أكثرهم يدرك أن مفاهيم الكلمات استغلت في غير مجراها ، ولم يعد هناك لا دفاع ولا وطن ولا مواطن . بل صار الوطن بضع تلال طائفية وصارت المسألة ديك ودجاج .
اقرأ:
إحذروا الخطوط الجوية السورية …المدنية