on
موناليزا فريحة: استعراض مشبوه لسياسة (حسن الجوار) مع سوريا.. لماذا الآن؟
موناليزا فريحة: النهار
كان مفترضاً أن ترحب إسرائيل باتفاق الهدنة في سوريا، وخصوصاً أنه كما تمنت، يبعد نظرياً إيران و”حزب الله” والميليشيات الشيعية عن حدودها. ولكن ما حصل هو العكس، إذ لم توفر الدولة العبرية مناسبة إلا وانتقدت الاتفاق، بسبب ما عدّته تجاهلاً لمصالحها، أو ربما بسبب التشكيك الإسرائيلي الواسع في مستقبل الاتفاق وقدرته على الصمود.
وتناوب المسؤولون الإسرائيليون على انتقاد الاتفاق، قبل أن يتخذ الجيش الإسرائيلي خطوة هي الأولى من نوعها، بكشفه للمرة الأولى عن حجم المساعدات الإنسانية التي يقدمها في المنطقة الحدودية مع سوريا، والتي توسعت على نحو كبير العام الماضي لتشمل معالجة الأطفال المصابين بأمراض مزمنة في مستشفياته وبناء عيادات في سوريا ونقل مئات الأطنان من الموادّ الغذائية والأدوية والثياب إلى القرى التي دمّرتها الحرب عبر الحدود.
ويشمل الاتفاق الأميركي – الروسي إقامة “مناطق خفض التصعيد” على طول الحدود السورية مع إسرائيل والأردن.ولم تكن إسرائيل طرفاً مباشراً فيه، إلا أنها كانت طوال شهر حزيران محجة لمسؤولين أميركيين يعرضون لها تفاصيله، بينهم المبعوث الأميركي الخاصّ لتنسيق الحملة ضد “داعش” بريت ماكغورك، ومايكل راتني المبعوث الأميركي الخاصّ، اللذان زارا إسرائيل مرات عدّة.
وقالت صحيفة “هآرتس” إنه خلال المحادثات، قدمت إسرائيل لائحة مطالب أبدت فيها تحفظات عن الاتفاق قيد الإعداد. ومن جملة أمور، قالت إسرائيل إن “مناطق خفض التصعيد” يجب أن تبقي إيران و”حزب الله” والميليشيات الشيعية الأخرى بعيدة من الحدود الإسرائيلية والأردنية، وأن تمنع إيران من تعزيز وجودها في سوريا. وأبلغت إسرائيل الأميركيين أنها تعترض على نشر قوات روسية لتأمين وقف النار في المناطق الآمنة قرب حدودها.
قبل أيام من إعلان وقف النار في جنوب سوريا، تحدث رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو هاتفياً مع وزيري الخارجية الأميركي ريك تيلرسون والروسي فلاديمير بوتين، لإعادة تأكيد موقف إسرائيل حيال الاتفاق. وأوردت وسائل إعلام إسرائيلية أن نتنياهو أبلغ الوزراء في مستهل جلسة مجلس الوزراء في التاسع من تموز، أن تيلرسون ولافروف أكدا له أنهما يفهمان موقف إسرائيل، وأن طلباتها ستؤخذ في الاعتبار.
إلّا أنّ مسؤولين إسرائيليين أبلغوا “هآرتس” أنه عندما حصلت إسرائيل على نصّ الاتفاق، اكتشفت خلافاً لتوقعاتها، تجاهل الأميركيين والروس مواقف إسرائيل بالكامل تقريباً.
وقال مسؤول كبير إن “الاتفاق بشكله الحالي سيئ جداً… هو لا يأخذ أياً من المصالح الأمنية الأسرائيلية في الحسبان، ويخلق واقعاً مزعجاً جداً في جنوب سوريا. لا يتضمن الاتفاق كلمة صريحة واحدة عن إيران أو “حزب الله” أو أي ميليشيات شيعية أخرى”.
مهمة إنسانية
هذا الواقع دفع نتانياهو إلى رفع الصوت مراراً ضد الاتفاق. ولعل الواقع نفسه هو السبب وراء كشف إسرائيل، للمرة الأولى، توسيع انخراطها علناً في نزاع حاولت البقاء بعيدة منه طوال ست سنوات.
ففي ما عدا التقارير الإعلامية عن النشاط الإسرائيلي في المنطقة الحدودية مع سوريا، اكتفت إسرائيل منذ 2013 بإعلان نقل جرحى سوريين إلى مستشفيات ميدانية ومستشفيات عامة على أراضيها.
ولكن يوم الأربعاء، كشف الجيش أنه منذ حزيران 2016 كان يعمل بصمت على عملية “حسن الحوار”، وهي عملية إغاثة إنسانية متعددة الوجوه تهدف إلى “إبعاد شبح الجوع عن السوريين الذين يعيشون على طول الحدود، ويوفر علاجاً طبّياً لأولئك الذين لا يستطيعون الحصول عليه في سوريا بسبب الحرب”.
وفي الكشف الذي قدمه مسؤولون عسكريون إسرائيليون للإعلام، أنه منذ إطلاق العملية، دخل إسرائيل نحو 600 طفل برفقة أمهاتهم للعلاج، وأُرسل نحو مئات الأطنان من الموادّ الغذائية والمعدّات الطبّية والملابس عبر الحدود مع سوريا، وكانت كلها تحمل علامات عبرية لشركات إسرائيلية.
وقال اللفتنانت الإسرائيلي كولونيل تومر كولر إن الجيش الإسرائيلي سيشيد عيادتين ميدانيتين داخل سوريا وسيديرها سوريون وعمّال من منظمات غير حكومية.
وتهدف هاتان العيادتان إلى مساعدة 80 ألف سوري يعيشون في المنطقة قرب مدينة القنيطرة القريبة من الحدود، وداخل إسرائيل، وثمة عيادة أخرى قيد البناء في موقع عسكري يحمل الرقم 116.
وفي إطار العملية أيضاً، زاد الجيش الإسرائيلي المساعدة الإنسانية التي ينقلها إلى سوريا، عشرة أضعاف العام الماضي، من بضع عشرات الأطنان بين 2013 و2016 إلى 360 طناً عام 2016-2017.
ومع أن أكثر هذه المساعدات الإنسانية تقدمها منظمات غير حكومية بحسب الجيش الإسرائيلي، فإن الحكومة تتولى تقديم بعضها مباشرة.
بالتفصيل، شرح المسؤولون العسكريون نوع المساعدات وحجمها وطريقة نقل الأمهات والأولاد إلى المستشفيات والمعاملة الحسنة التي يلقونها.
ويقول عاموس هرئيل، المعلق الإسرائيلي في صحيفة “هآرتس” إن المساعدة التي يقدمها الجيش الإسرائيلي لسكان قرى الجولان ليست بدافع حب الآخر، وإنما في مسعى لإبرام صفقة مع سكان المنطقة. ففي مقابل ملء إسرائيل الفراغ الناشئ عن غياب الدولة السورية، تعمل الميليشيات المحلية على المحافظة على الهدوء على طول الحدود، وتبعد من السياج الحدودي التنظيمات الأكثر تطرفاً. وفي المدى البعيد، من المحتمل أن تسهم المساعدة المقدمة إلى السكان في تحسين صورة إسرائيل في نظر أشخاص اعتادوا أن يروا فيها عدواً شيطانياً.
ليس مجرد صدفة تزامن هذه العراضة الإسرائيلية “الإنسانية” مع سريان اتفاق الهدنة لجنوب سوريا، فالدولة العبرية الرافضة لاتفاق الهدنة بسبب هواجس أمنية، ترى بحسب الباحث البارز في مؤسسة سياسة الشعب اليهودي شومل روزنر، حلاً واحداً لهذه المعضلة، وهو أن تستعيد الولايات المتحدة دورها كقوّة عظمى، وتحديداً الانخراط أكثر في إنهاء الحرب السورية، لا الاكتفاء بإلحاق الهزيمة بـ”داعش”… وعرض إسرائيل حجم انخراطها في الحرب، قد يكون ضغطاً على واشنطن للقيام بذلك.