رامي زين الدين: أيها اللبنانيون.. اتركوا ذكرى طيبة!

رامي زين الدين: كلنا شركاء

لم يكن مفاجئاً مشهد الاعتداء على أحد السوريين في لبنان. المقطع المنتشر بقوّة على مواقع التواصل ليس الأول ولن يكون الأخير وفق المنحى السلوكي الظاهر في لبنان. فقد اعتدنا منذ سنوات على هكذا أفعال شنيعة تصدر من لبنانيين متعصّبين وحاقدين تجاه لاجئين وعمّال مساكين.

ذاكرة السوريين لم تعد تتسّع لحجم الانتهاكات التي تُمارس على مرأى من الحكومة اللبنانية والتيارات السياسية كافّة، بل بتواطئ وتشجيع وتحريض بعضها. في الأمس غير البعيد دعت الصحفية اللبنانية رحاب ضاهر إلى قتل السوريين على مبدأ “واثقفوهم أينما وجدتموهم”. واليوم تعلو أصوات كثير من اللبنانيين مطالبة بطرد اللاجئين. شخصيات عامة، سياسيون، مشاهير، منهم من كان يدّعي مناصرته للثورة السورية. يتحدّث هؤلاء بلغةٍ تصعيدية مقيتة، متجاهلين أنّ اللاجئين هربوا من موت تشارك بصناعته أطراف لبنانية، تتحمّل جزءاً ليس بالقليل من مأساة السوريين.

كم ستحصِي الذاكرة من صورٍ لعمليات التعذيب والإذلال التي يتركبها لبنانيون حاقدون. “اضربوا يا عبّاس اضربوا”.. هل تتذكرون؟. نحن لم ننسَ ولن ننسى. العامل السوري الذي ضُرب وشمٌ عنوةً على جبهته بعبارة “يا أبا عبد الله”. اللافتات التي تعلّق في الشوارع والطرقات تحذّر السوريين من التجول وتتهمهم بسرقة أرزاق اللبنانيين. ذلك الشاب الذي استغلّ إعلاميون في برنامج “هدّي قلبك” ضعفه وقلّة حيلته فتهمكّوا عليه وسخروا منه على الشاشات.. الفتيات السوريات اللاتي أُجبرن على البغاء تحت التهديد والوعيد. المرأة الحامل التي قضت هي وجنينها أمام أحد المشافي التي رفضت استقبالها. عمليات القمع في مخيمات اللاجئين في عرسال وغيرها. إجبار السوريين على التصويت لبشار الأسد في سفارة النظام ببيروت خلال الانتخابات الرئاسية المهزلة. مظاهر العنصرية في “مانشيتات” الصحف اللبنانية “السوريون سبب فساد الهواء في لبنان”. “السوريون يسلبون لقمة العيش من اللبنانيين”. مؤخراً مقتل سوريين تحت التعذيب على أيدي الجيش اللبناني المغوار على غرار قتل المعتقلين في سجون الأسد. ماذا وماذا ستحمل ذاكرة السوريين. الله الله أيها الجار.

في هذه الصورة خبرٌ نقلته صحيفة سوريّة محلّية عام 2006 عن شبكة (أن بي سي) الأميركية تشيد بالمواقف الإنسانية التي أبداها السوريون تجاه اللاجئين اللبنانين واصفةً اندفاعهم لتقديم المساعدة بالحالة الفريدة التي قلّ نظيرها في العالم.

لا داعِ لشرح حالة الظلم التي تعرّض لها لبنان عندما كان محتلاً من قوات نظام البعث لثلاثة عقود وما عاشه اللبنانيون من مظالم شارك فيها الكثير من أبناء جلدتهم، من حلفاء دمشق. زعماء يُباعون ويُشترون إلى اليوم. مسؤولون مرتزقة لا يزال بعضهم في صدارة المشهد اللبناني. لكن ما ذنب العامل السوري المسكين؟. ما ذنب المرأة الحامل؟. ما ذنب الأطفال؟.

منذ بدء الثورة السورية عام 2011 اتخذت الحكومة اللبنانية موقفاً ظاهرياً يزعم النأي بالنفس، بينما كل المعطيات والمؤشرات والوقائع تؤكد الانحياز اللبناني الرسمي لنظام الأسد الذي تسبّب بمقتل أكثر من نصف مليون وتهجير ونزوح 13 مليوناً وتدمير 4 ملايين منزل فضلاً عن آلاف المعتقلين والمفقودين.

تدخّل حزب الله السافر واحتلاله لمناطق شاسعة بعد قتل وتهجير أهلها تحت شعارات “الثأر للحسين” و”زينب لن تسبى مرتين”.. ليس سراً أو تجنياً. لطالما تفاخر الحزب على لسان قادته بتدخله في سوريا، بل واستعداد نصر الله نفسه للذهاب إن تطلّب الأمر، على حدّ قوله. لم ننسَ بعد مشهد عناصر الحزب وهم يرفعون راية “يا أبا عبد الله” على مئذنة مسجد عمر بن الخطاب في القصير بريف حمص بعد غزو البلدة وتهجير أهلها في بداية اعتداءات الحزب السافرة.

أيها اللبنانيون.. اتركوا ذكرى طيبة في قلوب السوريين. في الأمس غير البعيد نزحتم بالآلاف من بلادكم واحتضنكم الشعب السوري واستقبلكم كأخوة لا كلاجئين. أنا بنفسي استقبلت عائلةً لبنانية في منزلٍ كنت أستأجره ببلدة معربة بريف دمشق، كنت في الـ 19 من عمري آنذاك. كانت تربط العائلة صلة قرابة بجاري سمير حميشة وهو من اللاذقية. أعطيته مفتاح بيتي وانتقلت إلى سكن مشترك مع أصدقائي حتى أنهت العائلة علاج ابنتها التي أصيبت في الحرب.

أيها اللبنانيون.. أنتم ذوي باع وخبرة طويلة مع الحروب وعشتم موجات عديدة من النزوح واللجوء، ولديكم الملايين من اللاجئين في أوروبا وكندا والأمريكيتين ويفترض أنكم تدركون مآسي الحروب وآثارها التدميرية. أيها “الأشقّاء”.. إن كنتم غير قادرين أو غير راغبين بردّ الجميل إلى السوريين، فأسوأ الإيمان أن ترحموا عزيز قوم، فقد عشتم ما عاشه والزمن دوّار، لعلّكم تعرفون!.





Tags: محرر