علي سفر: وكالة فضاء ومعهد سينما ومكافحة فساد..

علي سفر: المكتب الإعلامي لقوى الثورة السورية

هل ثمة طور في الكوميديا أعلى من طورٍ يطلب فيه رأس النظام بشار الأسد من آمنة الشماط رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش المعينة حديثاً في منصبها؛ “التشدّد في مكافحة مظاهر الخلل كافة بما في ذلك الإهمال والتقصير وسوء الأداء والفساد، التي ساهمت الحرب في تفشيها” (…) وأيضاً “عدم السماح لأي جهة، إن كانت في موقع المسؤولية أو ممن تربطهم علاقات عمل مع مؤسسات الدولة، بالتدخل في عمل الهيئة بأي شكل من الأشكال”!

هنا لا نتحدث عن مقام كوميدي سابق من مثل إعلان حكومة النظام في نهاية الربع الأول من عام 2014 تأسيس وكالة الفضاء السورية!! أو إعلان وزير ثقافة النظام قبل فترة وجيزة عن إطلاق مشروع المعهد العالي للفنون السينمائية، وأيضاً مشروع المكتبة السينمائية الوطنية (سينماتك)!! بل إننا نوغل أكثر فأكثر في فحولة الكوميديا، بعد أن ارتفعت طبقاتها أعلى فأعلى، لتتجاوز عقلية الإنكار، والهبل الذي توحي به القرارات السابقة، التي يسعى النظام من خلالها الإيحاء بأن كل شيء بخير، وأن الحياة تسير بشكل طبيعي في مقلبه.

فالسوريون يعرفون أن النظام مشغول هذه الفترة بحصته من أعمال إعادة تعويمه، وأن كل ما يقوم به من محاولات لإظهار نفسه قادراً على إصلاح الأوضاع التي تسبب بها هو ذاته على الأرض السورية، يتوازى مع المساعي الروسية على الصعيد الدولي، التي تنافح عنه في المنابر الأممية، ولا تستنكف عن فعل الأمر ذاته حتى في المنابر الإعلامية، وإذا كانت الماكينة الروسية تحصد بعض النتائج، لا لذكاء العاملين فيها، بل لرغبة مضمرة من المجتمع الدولي في أن يصدقها، بعد أن باتت أغلب القوى الفاعلة فيه أسيرة لنزعة انهزامية ترى الشر مطلقاً في داعش والنصرة، ولا ترى ملامحه في نظام الأسد وحليفته إيران، فإنه من الصعب جداً توقع نجاح الأسد وزمرته الحكومية في إقناع أحد ما في سوريا بأنه يعمل حقاً من أجل مكافحة الفساد في مؤسسات الدولة التي تغتصبها أجهزته الأمنية، والتي يحاول الإيحاء في توجيهاته أنها ليست خارج دائرة المحاسبة!

كل من عاش في سوريا قبل عام 2011، وكذلك كل شخص مازال يعيش في المناطق التي يسيطر عليها النظام، يعرف المفاتيح التي تتكفل فتح الأبواب الموصدة في معاملات الدولة ومؤسساتها، والتي تغلق في وجه كل من لا يريد أن تتلوث يداه بالفساد، أو من يرفض الدفع لقطاع الطرق الذين كانوا يعيقون أي معاملة نظامية من أجل أن يجبروا الناس على الدفع!

وهذه المفاتيح تتوافر في يد الأجهزة الأمنية، التي كانت ومازالت الراعي الرسمي للفساد في سوريا، فهل تستطيع رئيس الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، مواجهتها؟ ولكن مهلاً؛ من قال أنها ستواجهها أصلاً؟! القصة لا تحتاج إلى الكثير من التفكير، كي يستطيع السوري أن يفهمها، فالدور الذي مارسته هذه المؤسسة لم يكن بعيداً عن الدور المرسوم للأجهزة الأمنية في حياة السوريين، فكل موظف في الدولة يتوقع أن يكون لديه ملف في أضابيرها، وقد احتوى تاريخها بعض الطرافة، إذ إنه حينما كانت الأجهزة تغضب على موظفٍ ما، فإنها كانت تفتح ملفه في الرقابة والتفتيش، وطالما كان الفساد هو النظام في مؤسسات الدولة، فهل يستطيع أحد أن يخمن ما هي التهمة التي تم توضيبها له؟!

يتذكر السوريون في آخر أيام الدكتاتور الأب حافظ الأسد، كيف تم فتح ملف رئيس الحكومة المنتحر محمود الزعبي وعدد من وزرائه، وكذلك كيف تم فتح ملف عبد الحليم خدام فجأة بعد إعلانه الانشقاق عن النظام في 2005، ويحاول السوريون أيضاً التنبؤ ضاحكين، بأسماء مسؤولي النظام وشبيحة مؤسساته، الذين ستتولى آمنة الشماط تحضير ملفاتهم، بينما يستعد الأسد للخروج إلى العالم بيدين نظيفتين، محملاً كل جرائمه لبعض السذج ممن اعتقدوا بأنهم خاصته، ورجاله..!