العميد الركن أحمد رحال: لأننا فقدنا البوصلة … نحن بحاجة لجيش وطني حر

العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء

عندما نفقد العاصمة الاقتصادية وعاصمة الشمال حلب, وعندما نخسر قبلها مدينة حمص وعاصمة الوسط السوري, وعندما نفقد معظم قرى وبلدات جبلي الأكراد والتركمان بما فيهم بلدتي “سلمى” و”ربيعة” في جبهة الساحل, وعندما نخرج من معظم ريف دمشق ووادي بردى وغوطتها الغربية, والأهم عندما نخسر استقلالية قرارنا العسكري ويٌسيطر عليه من قبل عابري الحدود والمهاجرين من تنظيمات مجهولة جعلت من الشعب السوري عبيداً ووقوداً لأجندات لم ولن تكون يوماً مطلباً سورياً, وعندما يتم إبعاد كتلة الضباط الأحرار, هؤلاء الذين ضحوا بأرواحهم وكل ما يملكون ليقفوا إلى جانب شعبهم لكن بدلاً من ذلك تم تخييرهم بين خيارات ثلاث (الخروج ما بعد الحدود أو المبايعة لأصحاب الشراويل أو الموت) … أمام كل تلك الكوارث التي حلت بالثورة نحن بالتأكيد بحاجة لإعادة توجيه البوصلة الوطنية, تلك البوصلة التي لا يتقن تصويبها إلا مؤسسة وطنية تتبع لأحرار الثورة من فرسان الجيش الحر.

في الربع الثالث من عام 2012 ومع الانتصارات التي حققها أبطال كتائب الجيش الحر, ووصلت نسبة المناطق المحررة لما يفوق الـ65% من الجغرافية السورية, ولم تكن حينها هناك تنظيمات ما يٌسمى جبهة النصرة أو تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” (أو كانت موجودة دون أي فاعلية) وكذلك لم تكم هناك كل تلك الرايات السوداء التي لم يعرف الشعب السوري لها منطلقاً ولا مستقراً, وأمام هذا الزخم من التقدم استطاع الجيش الحر محاصرة عصابة الأسد ودحره لداخل المدن, ووصل بالأمر بـ بشار الأسد للدعوة للتخلي عن سورية الكبرى ومحاولة الاحتفاظ بسورية المفيدة التي تضم دمشق مع أجزاء من حمص وحماه ومدينتي اللاذقية وطرطوس.

المجتمع الدولي اللاراغب بإسقاط نظام بشار الأسد وعصابته سارع على الفور لتغيير موازين القوى وكان القرار بوأد الجيش الحر وتصفيته بالتدريج عبر دعم تنظيمات غريبة عن فكر وقناعات وتوجهات الشعب السوري, وعبر هذا القرار استطاع الغرب من تفريغ بلدانه من كل من يصفهم بالجهاديين والمتطرفين وسهل لهم عبور الحدود وغض نظره عن تسللهم إلى داخل سورية عبر دول الجوار, وعلى الضفة الأخرى قام بالتضييق على كتائب الجيش الحر ومنع عنهم التسليح والتذخير بينما سهل وصول السلاح والذخائر وبكميات كبيرة للتنظيمات الأخرى وأصحاب الرايات السوداء حتى اشتد عودها وابتلعت الجيش الحر, ولكي “يكمل النقل بالزعرور كما يقال” ساهم بشار الأسد بتلك الخطة الخبيثة عندما قام بحجة إطلاق سراح المعتقلين السياسيين بإخراج كل ذوي التوجهات التنظيمية الجهادية من سجن “صيدنايا” لتستفيق المناطق المحررة على واقع جديد يجرد أهل الأرض من قرارهم العسكري ويضعف قرارهم السياسي بعد أن فقدت مؤسسات الائتلاف والأركان والحكومة المؤقتة سلطاتهم على الداخل السوري.

اليوم ومع اتفاقات غريبة ومستغربة لم يألفها السوريون ولم يشاركوا حتى بصياغتها كاتفاق المدن الأربعة الذي هجر السكان الأصليين واستعاض عنهم بالأفغان والإيرانيين وعصابة أبو الفضل عباس وحركة النجباء العراقية, ومع “مبازرات” على الأرض السورية من قبل الغرباء, ومع اتفاقات دولية لا تحترم الشعب السوري ولا يؤخذ رأيهم فيها كاتفاق المنطقة الجنوبية, ومع سيطرة الأغراب على القرار العسكري وبروز ظاهرة الاقتتال الداخلي بين أخوة المنهج التي أطاحت بما تبقى من شرعية للثورة , لابد من مؤسسة عسكرية يقودها ضباط الثورة وبالتعاون مع أخوانهم من القادة الثوريين أبناء الأرض السورية, مؤسسة تعيد تصحيح المسار وتعيد توجيه البوصلة نحو أهدافها المتمثلة بتطلعات الشعب صاحب الثورة الحقيقي, وليس الدعوة لأجندات وشعارات القاعدة أو لدولة البغدادي أو غيرها, أجندات جعلت من الشعب السوري وقوداً لمشاريع لا تخدم الثورة السورية ولا تطلعاتها ولا أهدافها.

الدعوة لعودة الجيش الحر هو مطلب شعبي وجماهيري, والضباط الذين تم رميهم خلف الحدود في دول الجوار بلا مصدر رزق (المضحك أن هناك من يسميهم سكان الفنادق) وتقطعت بهم الأسباب, هؤلاء هم أكثر من يطالب بعودتهم للداخل لتقديم خبراتهم ومعارفهم لإخوانهم وأبنائهم المقاتلين, هؤلاء الضباط بادروا منذ فترة وجيزة لإطلاق التجمع الوطني للضباط والذي يضم غالبية الضباط المنشقين وقاموا بتنظيم أنفسهم وتشكيل قواعد البيانات الخاصة بعملهم, وتزامنت تلك الخطوة مع دعوة المجلس العسكري بالغوطة الشرقية لتوحيد فصائل الغوطة ضمن جيش واحد كي تكون تلك الخطوة اللبنة الأولى ضمن مشروع يهدف لتشكيل جيش وطني على مستوى الثورة السورية كلها.

لو عدنا حتى للمفاوضات التي تجري في جنيف (دون الاعتراف بكل ما يٌسمى اجتماع “أستانا”) فإننا بحاجة لمؤسسة عسكرية جديدة تخرج من رحم الثورة ومن أبنائها السوريين الحقيقيين والشرفاء, مؤسسة تستطيع أن تكون الحاضنة لأبناء الشعب السوري كل الشعب السوري وبعيداً عن القتلة والمجرمين الذين أنتجهم نظام الأسد أو تسللوا لمفاصل الثورة, مؤسسة تكون الحامية والراعية والمدافعة عن حدود ودستور سورية المستقبل وتضم في حناياها كل شرفاء مكونات الشعب السوري, تلك المؤسسة سيكون من أولى مهامها طرد كل ميليشيات المرتزقة والإرهاب العابر للحدود وتصون الحريات بما فيها الحرية السياسية وحرية المعتقد والتفكير والرأي ومكانة المرأة ضمن المجتمع وبعيداً عن التسلط والديكتاتورية والقمع الذي مارسه نظام البعث الأسدي على مدار ما يزيد عن خمس عقود مارس خلالها سياسة الترويع والزج بالمعتقلات والتضييق على الحريات.

الشعب السوري يمر بلحظة مفصلية, هو شعب خسر كل ما يملك بدءاً بأرواح أبنائه ومصادر معيشته وأرزاقه, هذا الشعب لم يعد هناك ما يخشاه, فلا تجعلوا منه قنبلة قادرة على تفجير ليس سورية فحسب بل كل الجوار وما بعد بعد الجوار, وشعاره الآن إما أن تٌعاد مؤسسات الثورة وأولها مؤسسة الجيش الحر التي تم تدميرها مع سبق إصرار وترصد أو فليكن الطوفان الذي لن يرحم أحد.

العميد الركن أحمد رحال

محلل عسكري واستراتيجي





Tags: سلايد