د.سميرة مبيض: أي شرعية يمتلك بشار الأسد؟

د. سميرة مبيض: كلنا شركاء

على اعتبار أن شرعية اي حكم تستمد من أربع دعائم أساسية،
– الدعامة الاولى فيها هي الشرعية التي يمنحها الشعب ويعبر عنها بالانتخابات النزيهة.
– الدعامة الثانية هي اعتراف بقية الاحزاب السياسية المحلية بآلية وصول الحزب الحاكم ونشاطها  ضمن تيارات رقابة و تقويم للسلطة.
– الدعامة الثالثة هي شرعية المجتمع الدولي و التي تأتي بناء على كل ما سبق.
– و الدعامة الرابعة هي شرعية استمرارية أي حكومة، بناء على قدرتها على تسيير مؤسسات الدولة و ضبط الأمن و الحفاظ على القانون و أملاك المواطنين و تسيير شؤون البلد من خدمات و احتياجات المواطنين.

فأي شرعية امتلك كلا من الأسد الأب والابن طيلة السبعة والاربعين عاماً الماضية؟ 

منذ بداية استيلائه على السلطة كان وجود الاسد الاب قائما عل فاعلية آلته الأمنية و أداته الرئيسية هي  قمع الشعب و السيطرة على الشارع بقوة جهازه الاستخباراتي فقط و رغم بقائه في  السلطة ثلاثين عاما الا انه لم يجرؤ يوما على اقامة انتخابات حقيقية و لم يحصل يوما على الدعامة الأولى أي الشرعية الانتخابية القائمة على قناعة السوريين بانه قد يحقق لهم نهضة تنموية أو ازدهارا اقتصاديا أو أي تحسن في النواحي التعليمية على العكس ترافقت فترة حكمه بتقهقر على جميع الصعد و نشر الجهل في المجتمع السوري و تخريب ممنهج للبنى التحتية فلو وقع الأسد الأب في اي لحظة من حكمه تحت انتخابات شرعية لسقط بها دون تأخر. 

لم يسمح حافظ الأسد بنشوء اي تيارات سياسية في فترة حكمه و كل التيارات الموجودة بشكل سري كانت تسعى لتغيير الحكم و ترفض بشكل مطلق وجوده فلا وجود أساساً لمجتمع سياسي سوري كحامل للدعامة الثانية للشرعية فتسقط بغيابه هي أيضا.

أما عن تسيير شؤون البلد فقد كانت بالحد الأدنى من الخدمات والاحتياجات دون أي تطور يذكر على مدى عقود ودون قانون يضبط الاجرام ما دام مرتكبه من ذوي الحظوة والسلطة في دائرة الفساد الداعمة للأسد، فشرعية الشارع السوري كانت رهن أفرع المخابرات والسجون والمعتقلات فهي، ان وجدت، لا تتجاوز دهاليز الخوف من هذه الأقبية المظلمة.

مقابل غياب الدعائم المحلية لشرعيته اشترى الأسد الأب الشرعية الدولية عن طريق خدمة مصالح كل الدول على حساب مصلحة الشعب السوري وتسخير البلد بأشكال عديدة للخارج بالإضافة الى تلاعبه بالإرهاب في المنطقة وتصنيعه وتحريكه بما يضمن بقاءه محافظاً على موقعه فامتلكها على حساب خراب سوريا .

ورث الأسد الابن هذه الشرعية العرجاء عن والده و رغم محاولته السطحية لتغيير المعادلة حين فتح طرف الباب لبعض حرية التعبير وبعض الحراك المدني الإصلاحي، لكنه ما لبث أن أوصده بشدة بعد أن تبين له أن أي حراك ينشر الوعي سيكون كفيلاً بالإطاحة بحكمه للأبد فبقي مسلوبا من الشرعية الانتخابية والشرعية السياسية المحلية.

كما تكشفت مع بداية الثورة السورية تصدعات ادعاءات الأمن والأمان التي يمنُّ بها على السوريين فكانت الاولوية لحماية  النظام و ليس المدنيين فبات السلاح منتشراً بين ميليشياته دون رقابة يستخدم لحل أي نزاع بسيط أو لمجرد فرد السطوة و جمع الاتاوات، باتت نسبة الغرباء من عناصر الميليشيات الخارجية كبيرة و منفلتة دون قيد أو ضابط على أهل سوريا، باتت الحدود مفتوحة للمرتزقة من أنحاء الأرض و مع غياب شبه كامل لخدمات تناسب الحد الأدنى للإنسان في هذا العصر و فساد مخرب لبنية مؤسسات الدولة، ممتد و نابع عن فساد النظام نفسه فقدت  شرعية ادارة شؤون الدولة دون عودة.

أما في الشرعية الدولية فقد فكان بشار الاسد قاب قوسين أو أدنى من فقدانها  بعد أن اعترفت العديد من الدول بارتكابه جرائم حرب ووجهت له تهم واضحة باستخدام السلاح الكيماوي و انتهاك القوانين الدولية بعدة اوجه.  لكن الدعم الروسي له اكسبه نوعا من الوصاية الدولية عوضا عن الشرعية المفقودة، خصيصاً بعد توقيع عقد احتلال مدته تسعة وأربعون عاماً لسوريا فباتت روسيا بموقع تساوم فيه و تبيع و تشتري مصالحها بناء على ورقة الوصاية على سوريا  و التي و ان أطالت عمر الأسد لبضعة سنوات أخرى لكنها قابلة للتبدل لعدم تعلقها بحماية للنظام لما هو عليه بل حماية مصالح و توازنات دولية هشة قد تميل كفتها ضد الأسد بتغير أي عامل فيها.  

في خلاصة الأمر يمكننا القول أنه وفق المقاييس المتعارف عليها في عوالم الديمقراطية لا شرعية للأسد، لم يكن له لا بالماضي و لا بالحاضر و لن يكون له بالمستقبل. قد نتفهم أن نسمع مديحاً بهذه الشرعية العرجاء إذا من نظم ديكتاتورية تقبع في نفس الخانة السياسية ولكن لا يعقل أن نسمع إشارة أو تلميحاً عن شرعية الأسد من رؤساء العالم الديمقراطي المنتخبين من شعوبهم والعالمين بمعنى اكتساب الشرعية و ما وراء ذلك من جهود حثيثة و عمل مخلص تقدمه الحكومات المنتخبة لشعوبها و هي صفات لا تنطبق على الأسد في أي زمان و مكان.