on
حنا صالح: سوريا… مظلة إشراف دولي
حنا صالح: الشرق الأوسط
الرسالة الوحيدة لكل مسار آستانة، والبحث المتشعب بـ«مناطق خفض التصعيد»، ومفاوضات عمان، والاتفاق الكبير في هامبورغ بين الرئيسين ترمب وبوتين، بشأن الهدنة في الجنوب السوري تحت رقابة روسية بمشاركة أميركية وأردنية، وكل الاتصالات الأميركية الروسية منذ زيارة الوزير تيلرسون إلى موسكو في أبريل (نيسان) الماضي، تؤكد المؤكد، وهو أن المفاوضات الجدية بشأن الأزمة السورية لا تدور بين السوريين، وأن الاتفاقات الكبرى باتت بين الكبار خارج مسار جنيف، وخارج رعاية الأمم المتحدة.
في الجولة السابعة من مفاوضات جنيف الأخيرة، التي أكد خلالها السيد دي ميستورا، أنه يتوقع إنجاز التسوية السياسية قبل نهاية العام الحالي، لم يكن يتحدث عن تقدم في مجرى جنيف، بل كان يشير إلى المفاوضات الموازية، بمعنى أن سوريا لم تُترك لمصيرها، وهي مركز اهتمام الكبار، الذين يطرحون سيناريوهات عن كيفية تسهيل التوصل إلى تسوية الأزمة السورية بأبعادها المختلفة. فالسيد دي ميستورا كوفود المعارضة ووفد النظام، يعرفون أن هناك سريالية في البحث بمكافحة الإرهاب، والدستور الجديد، وحتى حكومة جديدة، من دون أي بحث أو اتفاق على أسس التسوية السياسية، وحتى من دون وجود أي تفاوض مباشر بين وفود النظام والمعارضة. في العمق كل أطراف جنيف، بما فيها الموفد الأممي، يعرفون أن ما يقومون به أشبه بعمل خبراء يناقشون ملفات منفصلة، في حين التفاوض الحقيقي في مكان آخر، بعدما سلّم النظام بالقرار الروسي، وراهنت المعارضة على تفعيل إيجابي للدور الأميركي، وهو الأمر الذي بدأ يتقدم مع تسلم إدارة الرئيس ترمب.
منذ التدخل العسكري الروسي العنيف والواسع في سوريا، رسمت موسكو ما تريده من خلال تغييرها ميزان القوى بالقوة العسكرية، سعت منذ البداية لإبرام صفقة مع الأميركيين، تؤكد من خلالها أنها شريك استراتيجي في معالجة كثير من القضايا الدولية، ومنها أن دورها من القرم وأوكرانيا إلى سوريا ومنطقة المتوسط، ثابت وخارج النقاش. بالمقابل عبّرت عن جاهزية للإقرار بأدوار الآخرين وحصصهم، ولنتذكر أن موسكو منذ أن قلبت ميزان القوى العسكري في سوريا ميدانياً رفضت المضي بالحل العسكري، كما أراد النظام السوري وحليفه الإيراني، بل أكدت أن الحل السياسي هو هدفها، وتلافياً لأي التباس لم تشر يوماً إلى الحل العادل، وهي ببساطة في كلِّ هذا النهج حاذرت أن تتحول قوة قتال أرضي كي لا تسقط في فخ يستنزفها، بل تحكمت في سياق المواجهات وحجمها، وأبرمت تفاهمات إقليمية مع إسرائيل والأردن وتركيا، ولم تُسقط رغبات أطراف إقليمية أُخرى، قوام هذه التفاهمات أنه لا يمكن الذهاب إلى أي حل إلاّ بالتوافق، ولكن البداية تكون مع الأميركيين لأنه من دون التوافق بين موسكو وواشنطن لن تضمن الأولى الإقرار بمصالحها ودورها. الترجمة الأولى كانت اتفاق كيري – لافروف الذي أسقطته إدارة الرئيس أوباما، فاتسع القتال في سوريا، ومعه التداعيات على المعارضة الآخذة في التفتت، والنظام الذي أُصيبت قواه بالهذيان، ومعه الأذرع العسكرية للحرس الثوري التي عجزت عن أي انتصار حقيقي، من دون التغطية والحماية الجوية الروسية.
الرئيس ترمب منذ تسلمه الزعامة الأميركية حدد اقتلاع «داعش» والإرهاب هدفا أول، وحددت الإدارة الأميركية هدفها الثاني وهو تحجيم النفوذ الإيراني، بعدما اعتبرت أن إيران هي الجهة التي زعزعت الاستقرار في المنطقة، وبعد جريمة استخدام النظام السوري السلاح الكيماوي في خان شيخون، والضربة الأميركية التأديبية على الشعيرات، اعتبرت واشنطن أن لا دور للأسد في مستقبل سوريا، لكن لا واشنطن ولا أي طرف غربي وضع شرطاً لاستئناف المفاوضات إزاحة الأسد مسبقاً، بل إن مفاوضات تيلرسون في موسكو طرحت كثيرا من الخيارات، التي يتم العمل عليها، وإذا كانت واشنطن قد وضعت مناطق خفض التصعيد تحت المجهر، فإن التوصل لإعلان الجنوب السوري منطقة آمنة، مثّل خطوة متقدمة جداً على طريق تحقيق الأهداف الأساسية التي وضعتها واشنطن، وهي أهداف يفترض إنجازها تعاونا أميركيا – روسياً وهذا ما جرى، فالاتفاق المذكور أخرج الأذرع العسكرية للحرس الثوري من كل الجنوب وبعمق يتجاوز الثلاثين كلم، ومن منطقة امتدت من القنيطرة في الجولان وحتى التنف. وتكريس الجنوب السوري منطقة آمنة يعني عودة مئات ألوف اللاجئين إلى الأردن، ما يمثل تخفيضاً للأعباء عن الأردن، ويحقق مطلبا سوريا بالعودة، وأساساً يمنع قوى التطرف والإرهاب اللعب على أوتار الصراعات الدينية والعرقية ومقتلة الهويات فيحول مخيمات النزوح إلى حاضنة للإرهاب، وقنابل موقوتة يتم تفجيرها على الطلب.
في أوساط المعارضة السورية تأكيد أن لا أولوية تتقدم وقف النار، الذي يخفض الأعباء الملقاة على عاتق السوريين، وما حصل يعد إنجازاً قياساً على السابق، والمطلوب تعميم وقف النار ومناطق آمنة تُسرع من عودة اللاجئين، وهذه الأهمية أبرزتها كل الأطراف، فأكد الرئيس الأميركي الأربعاء الماضي أن «واشنطن وموسكو يمكنهما العمل معاً في سوريا وقضايا أخرى كثيرة». والأمر ذاته أكده الكرملين، ووصفه السيد غوتيريش، أمين عام الأمم المتحدة، بأنه «في هذه المرحلة خطوة مهمة نحو الحد من العنف، ويتماشى مع السعي إلى تحقيق هدف وقف النار الشامل على نطاق سوريا». ومع إعادة الاعتبار لمقترح روسي قديم بإنشاء مجلس عسكري، توضع بين يديه صلاحيات واسعة، محصورة اليوم بيد الرئاسة، ويضم ممثلين عن الجيش السوري والمعارضة المسلحة التي خرجت عنه، وعمليا فإن 219 مجموعة عسكرية من المعارضة المسلحة، أنجزت «مصالحات» مع النظام بإشراف «حميميم»، تمّ دمجها في وحدات عسكرية يشرف عليها الضباط الروس مثل الفيلق الخامس وسواه… وبالتوازي، دعا الوزير الروسي لافروف المعارضة إلى «عدم انتظار وضع دستور سوري جديد لبدء بحث مشاركتها في إدارة شؤون سوريا».
وبعد، فما يجري على أرض الواقع في سوريا هو ما تريده موسكو وهو يمثل الرؤية الأميركية، وعبثاً البحث عن أمر آخر. وتعاون البلدين مرشح للتطور رغم العواصف السياسية والإعلامية، انطلاقاً من الزعم بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية، وبقدر ما يتقدم وقف النار يتعزز الإشراف الدولي الثنائي أساساً على سوريا، وتتراجع احتمالات تحول مناطق النفوذ الآنية إلى حالات تقسيم، ويكون ممكناً تبلور ظروف تصححُ من العملية السياسية، وتحد من الاستئثار بالسلطة، وتضع سوريا على خط الحد من التهميش، الذي طال أوسع الأوساط السورية، ومحاصرة نفوذ وأدوار الميليشيات الطائفية المرتبطة بإيران.