معهد الشرق الأوسط: اجتماع ترامب وبوتين .. مغيِّر محتمل للعبة في سورية

كلنا شركاء: معهد الشرق الأوسط- ترجمة عبد الرحمن الحسيني- الغد

في وقت تمر فيه العلاقات بين واشنطن وموسكو ببرود عقد أخيراً الإجتماع الذي طال انتظاره بين الرئيسين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب على هامش قمة العشرين التي التأمت في هامبورغ مؤخراً.

وعلى الرغم من التوترات المتواصلة، بدا أن القوتين تتبنيان نهجاً بناء في اجتماعهما الأول، حيث ركزتا على القضايا التي يبدو إحراز التقدم فيها ممكناً، مثل مسألة سورية.

خلال حملته الانتخابية الرئاسية، كان ترامب قد شدد على الحاجة إلى محاربة “داعش” وتنظيم القاعدة في سورية بالتشارك مع موسكو. وكانت إدارة أوباما قد رفضت هذا النهج، وتجنبت في آخر عام لها التعاون العلني على مستوى العمل البري مع روسيا في سورية. وعلى الرغم من أن ترامب وفريقه ما يزالون لا يتوافرون على استراتيجية واضحة لسورية، فإنهم يفهمون بتميز أساسيات سياستهم في المنطقة.

أولاً، لا تريد الولايات المتحدة الانخراط عميقاً في صراع آخر في الشرق الأوسط. ثانياً، لا تريد أي تصعيد رئيسي في سورية، وخاصة خوض مواجهة مباشرة مع روسيا، والتي قد تفضي إلى تداعيات غير متوقعة. ثالثاً، تريد واشنطن بناء تعاون مع موسكو في سورية بغية تجنب تهميشها وحتى تكون لها كلمة في عملية التسوية. وآخيراً وليس أخراً، تريد إدارة ترامب إظهار أن نهجها في سورية يختلف عن سياسة أوباما الناعمة وغير الحاسمة.

كل هذه القضايا معاً مهدت الطريق لعقد محادثات ذات معنى بين ترامب وبوتين حول سورية. وقد فضل كلا الزعيمين التركيز على الأساسيات بدلاً من طرق القضايا التي تبعدهما عن بعضما بعضاً.

لم يكن من قبيل الصدفة أن تعقد الجولة الأخيرة من مفاوضات سورية في أستانة قبل التئام قمة العشرين، بينما تستأنف مباحثات جنيف الخاصة بسورية في العاشر من تموز (يوليو). وقد أعطى هذا التوقيت فرصة جيدة لكل الأطراف المنخرطة لتستعد للمباحثات. وخلال الجولة الأخيرة من المفاوضات في أستانة، انصب التركيز الرئيسي على تعريف معايير وحدود مناطق خفض التصعيد في سورية، وهو ما كان ضرورياً لإنشاء مراكز المراقبة التي ستشرف على مراقبة وقف إطلاق النار. وللأسف، لم يتم التوقيع على أي اتفاقية، لكن كل الأطراف أكدت على بدء عملية كبيرة في اتجاه تلك الغاية. ولا يجب أن يفاجئ غياب التوصل إلى نتائج جوهرية في أستانة أحداً، بالنظر إلى أن الأطراف كانت بالتأكيد في انتظار توضيح يصدر عن قمة بوتين–ترامب قبل التوصل إلى اتفاقية نهائية.

كانت كمية كبيرة من العمل التحضيري قد أنجزت قبل اجتماع ترامب-بوتين في هامبورغ، بما في ذلك تبادل لزيارات رفيعة المستوى. وكان من نتيجة الزيارات تشكيل مجموعة عمل جديدة كان من المفترض، من بين أمور أخرى، أن تدرس القضايا والمسائل الرئيسية التي يتم التعامل معها في الاجتماع الأول بين ترامب وبوتين. كما رفعت الولايات المتحدة من مستوى انخراطها في عملية أستانة بقيادة روسيا في أيار (مايو) عبر رفع مستوى تمثيلها في المباحثات من مرتبة السفير الأميركي لدى كازاخستان إلى القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية الأميركية. وسمح الانخراط المرتفع في عملية أستانة لواشنطن بالمشاركة في المباحثات الخاصة بمناطق خفض التصعيد، وبالحصول على فرصة لعرض نقاط اهتمامها وقلقها هي وشركاؤها. ونتيجة لذلك، جاءت روسيا والولايات المتحدة إلى أول اجتماع بين زعيميهما في ألمانيا بتفهم أكبر لمواقف بعضهما البعض حول سورية.
استطاع بوتين وترامب التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب سورية، منفصلة عن مناطق خفض التصعيد الأربع التي كان قد تم الاتفاق عليها بين روسيا وتركيا وإيران في أيار (مايو) 2017 في أستانة. وهذه الصفقة الجديدة بين ترامب-بوتين، والتي أدخل فيها الأردن وإسرائيل، مهمة لأن منطقة جنوب سورية تنطوي على مشاكل فيما يتعلق بالتوصل إلى إجماع بين كل الأطراف، لعدة أسباب. أولاً، للولايات المتحدة منطقتها الخاصة من خفض النزاع في جنوب شرق سورية في منطقة التنف على الحدود بين سورية والأردن والعراق. وتستخدم واشنطن هذه المنطقة لتدريب مجموعات المعارضة، كما سبق لها وأن نفذت عدة هجمات على القوات الموالية للحكومة السورية خلال الأشهر القليلة الماضية. ثانياً، كان الأردن قد أعرب، شأنه شأن إسرائيل، عن مخاوفه من تزايد تواجد القوات الإيرانية في جنوبي سورية. ونتيجة لذلك، توصلت موسكو وواشنطن، سوية مع عمّان، إلى اتفاق لإقامة منطقة أخرى لوقف إطلاق النار في جنوب غرب سورية، والتي تأخذ في الحسبان مخاوف واهتمامات كل طرف تقريباً.

من جهة، يؤكد اتفاق وقف إطلاق النار الأميركي-الروسي الأخير على الدور المتزايد للولايات المتحدة في سورية، والتزامها بضمان مصالح حليفيها، الأردن وإسرائيل. ومن جهة أخرى، أعاد الاتفاق التأكيد على نية موسكو السعي من أجل خلق نقطة انطلاق مشتركة لمزيد من العمل المشترك في سورية. وبالإضافة إلى ذلك، وبعد مباحثات أستانة وقبل مغادرته لحضور قمة العشرين، أجرى بوتين مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لتهدئة مخاوف إسرائيل من مناطق خفض التصعيد، وخاصة في الجنوب. ويبدو أن موسكو تدرك مخاوف إسرائيل وتفضل أخذ هذه المخاوف بعين الاعتبار لتجنب إفساد الخطة برمتها. وفي هذا السياق، كان الاتفاق الذي تم التوصل إليه بين روسيا والولايات المتحدة والأردن نتيجة منطقية للمفاوضات المتواصلة على نطاقات مناطق خفض التصعيد في جنوبي سورية.

يوحي الاتفاق أيضاً بأن موسكو لا تهدف إلى تبني نهج أحادي الجانب للصراع، وتسعى بدلاً من ذلك إلى تسوية تجلب على نحو متزامن الولايات المتحدة والأردن وإسرائيل أقرب إلى موقف روسيا. وإذا نجحت الاتفاقية الجديدة، فسوف تحصل روسيا على فرصة لزيادة تعاونها مع الولايات المتحدة في سورية. ويقال أن موسكو تخاطر فيما يتعلق بإيران التي قد لا تشعر بالرضا من اتخاذ موقف أنعم حيال النزاع. ومن المحتمل أن تلعب إيران دور المفسد، وهي نتيجة يجب على موسكو أن تكون مستعدة لها.

يعطي الاجتماع الأول بين بوتين وترامب الأمل بمزيد من التطور في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، وبإقامة قاعدة صلبة لحوار إيجابي عن سورية. وحتى لو قلل المشككون من أهمية الاجتماع، فإنه يجب على المرء أن يضع في حسابه أن الهدف من المباحثات لم يكن التوصل إلى اتفاق، وإنما إعطاء كلا الزعيمين الفرصة لتوضيح مواقفهما والتقدم خطوة أقرب نحو إيجاد أرضية مشتركة. وهذا هو السبب الذي يفسر لماذا يعتبر التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في جنوب سورية وتحديد مناطق خفض تصعيد جديدة في جنوب غرب البلد خطوة مهمة إلى الأمام. والآن، يبقى أن نرى ما إذا كان سيتم احترام وقف إطلاق النار الأخير، والذي -إذا نجح- قد يمهد الطريق لمزيد من التعاون الأميركي-الروسي في سورية.





Tags: أمريكا, روسيا, سلايد, سوريا