د. يحيى العريضي: عقدة المنشار

د. يحيى العريضي: كلنا شركاء

لم تاتِ من فراغ عبارة “سوريا الأسد”، ولا “الأسد أو نحرق البلد” او “جسر الأسد” أو مكتبة الأسد”. لو كان بإمكان منظومة حافظ وبشار الأسد أن تلغي كل الأسماء في سورية وتحولها إلى “الأسد” لما ترددت ؛ وهكذا فعلاً فعلت. من هنا لن تعود سورية لأهلها سورية السورية إلا إذا تخلصت من كنيتها، التي قارب عمرها النصف قرن.

“الأسد” عقدة المنشار في أي حل لسورية، وفي إنهاء لمأساتها التي قارب عمرها السبع سنين. بيان جنيف والقرار 2254 يتحدث عن “انتقال سياسي”؛ وعندما يصل الأمر إلى مصير الأسد في الانتقال السياسي، تبدأ التفسيرات والمقاصد. فالروس، وعلى لسان “لافروف” يقولون: نحن صممنا 2254، ونحن نفسّره كما نشاء. يقولون ذلك بكل صلف وبلطجية. أقصى درجة تكرُّم منهم تتمثّل بقولهم إن السوريين يحددون “مصير الأسد”؛ وينبري الأمريكيون، المستهترون بدماء سورية وأهلها، ويتماهوا مع هذا الطرح بخبث أو سذاجة.

كثيرة هي المرات التي صرّح بها الروس بأنهم ليسوا مغرمين بالأسد، ولكنهم “حريصون على وحدة البلاد وسلامة مؤسساتها”؛ وهم يعرفون تماما أن المؤسسات والبلد  والأمن والجيش والشعب وحتى كنية البلد هي “الأسد” رعباً وخوفاً ورمادية. حتى لو كان هناك انتخابات، وتحت رعاية الأمم المتحدة وكانت مراقبةً أشد الرقابة؛ فلن يكون الفوز إلا للكنية. المفارقة العجيبة تكمن بان الروس لم يهتموا يوما بالمؤسسات ولا بالقانون ولا احترموا يوما سيادة دولة؛ والشيشان وأوكرانيا وأذربيجان وغيرها امثلة صارخة على الدكتاتورية السوفيتية والبوتينية كوريثة لتلك المنظومة الدكتاتورية. والأنكى أن أمريكا تعرف ذلك حق المعرفة وتريده ان ينفذ على الأرض وبيد مخالب الدب الروسي خدمة لعيون الصهيونية.

الأمر ذاته ينطبق على الإيرانيين الذين يدركون تماماً انه لا يبقى لهم قاتل على الأرض السورية إلاّ باستمراره؛ ولا يمكن ان ينجزوا مخططهم العبثي في المنطقة إلا بوجوده؛ فهم حوّلوه إلى شماعة يعلقون عليها كل إجرامهم. ولا يفوتنا أن نذكر أن كل من حول الشخص متمسك برقبته او بحذائه رابطاً مصيره بمصيره، حتى ولو كان في طريقه إلى محكمة الجنايات الدولية. لقد اضحى تراكم جرائمهم يُقاس بتراكم جرائمه.

في آخر نسخة من “جنيف” تبدّى تماماً الخلاف الأساسي بين الرؤية السياسية “للهيئة العليا للمفاوضات” والمنصات التي فبركتها موسكو لنسف مصداقية المعارضة للأسد. الخلاف الأساس هو “مصير الأسد”. جنيف في نسخته السابعة، وصل إلى عقدة المنشار ذاتها. خلالها شعر المبعوث الدولي- الذي حوّلته موسكو إلى ما يشبه القفاز معدوم الإرادة- بالاحباط ليطلق عبارة “لا شيء- Nothing” عندما حشره وفد المعارضة مستفسراً عمّا في جعبته، أو ما يمكن أن ينجزه “جنيف سبعة”. وفي البحث عن كلمة “نثنغ/ لا شيء”، تجد ان عدم الإستعداد للولوج بالحل السياسي او عملية الإنتقال السياسي وراءه عدم الإستعداد للدخول ببحث مصير الأسد.

مؤخراً يخرج علينا الرئيس الفرنسي الشاب، ويبدأ بالقفز البهلواني بين “الأسد يجب ألاّ يكون له وجود في مستقبل سورية” وبين “إزاحة الأسد ليست شرطاً للانتقال السياسي” هذا الهاوي الفرنسي يبدو جاهلاً بتلك البنية الجهنمية لمنظومة الأسد.

يُسأل “الجعفري”، رئيس وفد الأسد إلى جنيف، عن الموقف الأخير للرئيس الفرنسي؛ فيتحدث بكل وقاحة عن “صحوة” لدى قادة العالم معتبراً ذلك “عودةً مرحباً بها” في بعض العواصم الغربية؛ ليصل به الزيف والتزييف إلى اعتبار ذلك “عودة الروح إلى مكافحة الإرهاب”؛ وكأن عواصم العالم كانت في غيبوبة أخلاقية تظلم نظامه، وهاهي تصحى وتعود إلى جادة الصواب؛ وتقرُّ كم كان شعب سورية إرهابياً عندما لم يتقبل لطف وكياسة نظامه الذي يقاتل الإرهاب.

نحن إذن أمام العقبة الكأداء… امام عقدة المنشار التي اسمها “مصير الأسد” أو “إزاحة ألأسد”، والتي يقف عالمنا عاجزاً تجاهها. عالم ربما يجد أن إزاحة ثلاثة وعشرين مليون سوري أهون عليه. فهوعجز ان يزيح الأسد، فقرر أن يزيح الشعب.  وربما رأى أن ذلك أضحى أسهلاً عليه؛ فنصف الشعب مشرد، ومليونين قضوا بين مقعد وميت أو في مقابر الأحياء. ومن تبقى – وعلى الضفتين- يموت ببطء. هاهي المعادلة تعود إلى مربعها الأول: “الأسد او نحرق البلد” في معادلة مهينة مذلة منافية للعقل والأخلاق والقانون. كل ذلك في عالم يمشي على رأسه، عالم يحكمه قانون القوة الغاشمة لا قوة القانون.

وليعلم هذا العالم أن اهل سورية قد دفعوا فاتورة الموت لهم ولبلدهم وبأقسى أشكالها. وما يسكت عنه هذا العالم، سيكون سابقة سيدفع ثمنها غالياً؛ فالجريمة الموصوفة، التي تمر دون وقف أو عقاب، ستولد آلاف الجرائم؛ وستشجع الطغاة على ارتكابات أفضع ما أنزل الله بها من سلطان.





Tags: سلايد