on
فادي جومر: واجب اللاجئ تجاه المضيف أن يعمل ويدفع ضرائبه، أما مطالبته قسراً بلاندماج فهذا انتهاك لحقوقه كإنسان
كلنا شركاء: السوري الجديد
فادي جومر، من مواليد دمشق، 1979. يحمل إجازة في الاقتصاد قسم إدارة الأعمال من جامعة دمشق. عمل في إعداد الأفلام الوثائقية للدوبلاج، إضافة لعمله في تخصصه الأكاديمي.
خرج من سوريا في أواخر آذار 2014 بعد تجربة في الاعتقال استمرت 3 أشهر بسبب موقفه المؤيد للثورة.
يكتب فادي جومر الشعر المحكي، و صدرت له مجموعة “كليلة ودمنة” التي ترجمت للفرنسية، وتحولت إلى عمل أوبرالي ضخم.
أطلق العرض الذي حمل ذات الاسم في جنوب فرنسا وطاف فيها لمدة عام كامل قبل أن يختتم في مسرح فيل هارموني في باريس.
يقيم فادي الآن في ألمانيا التي وصل لها لاجئاً قبل عامين، ويتابع اهتمامه بالشعر السوري المحكي ، محاولاُ أن يجد له مساحة في أوروبا.
السوري الجديد أجرت هذا الحوارمع فادي
كسوري قادم إلى ألمانيا من بلد يحكم من قبل سلطة ديكتتاتورية، كيف أثر ذلك عليك؟
بالتأكيد ألمانيا إحدى أكثر دول العالم ديمقراطية تجاه مواطنيها، والحكومة الألمانية تبدي اهتماماً ظاهراً ودعماً كبيراً لمواطنيها من أصحاب المشاريع الفكرية.
وهذه الميزة بتّ أراها اليوم كلاجئ من زاويتين:
– الأولى: هو مدى بؤس وسوء حياتنا في سوريا، في المدارس، في النظام التعليمي، في رعاية
المواهب، في منح الفرص والدعم.. كلّما تعمقت في في معرفة الحياة في ألمانيا، كلما زاد احساسي بالحسرة على كل طفل سوري ما زال في سوريا. باعتبار أنّي من جيل ” أكلها” ولا فائدة من التحسّر على ما مضى. ولكن من الواجب -بل إنه قد يكون أهم ما علينا أن نسعى له- إنقاذ الجيل القادم من السوريين.
– الثانية: تتلخص بالقول الشهير: ماذا ينفعني اتساع العالم إن كان حذائي ضيقاً؟
ببساطة، هذه بلاد عظيمة لمواطنيها، يتحرك الشارع الألماني احتجاجاً على أي عمل إرهابي يطال أي مواطن أوروبي غربي، بروح تكافلية عالية.
يدعم الألمان عبر نظامهم الضريبي والتعليمي مبدعيهم، المسارح مفتوحة لمن يريد العمل، المراكز الفنية والثقافية، ولكني ببساطة: لست ألمانيًا.
لكن كلاجئ، أدرك تماما أن الحكومة الألمانية تراني رقماً من مئات آلاف الأرقام، وأدرك أنها تعتبر أني أستحق الطعام والمأوى والعلاج، وأنها تمنحني هذا ريثما أجد عملاً، يناسب خططها، وما تراه مفيداً لاقتصادها. هذه حقوق أي بقرة في مزرعة حديثة. وهذا متوقع، ومفهوم تماماً. ما لا يمكن فهمه هو عدم انتباه السوريين في ألمانيا، أنه من غير المنطقي تطبيق معايير ” الحقوق والواجبات” التي فرضها نظام الأسد على حياتنا، هنا في ألمانيا.
يؤسفني حقًا أن أجد مواطناً ألمانياً متعاطفاً معي، ويرى أن ثمة سوء تخطيط في إدارة ملفات اللاجئين.. بينما يكون تعقيب السوري: ” كل شي مأمنلك وبدك تنق كمان؟ ” ربما كانت أهم ميزات اللجوء هي نجاة السوريين من “حكم” السوريين..
ما رأيك في موضوع اندماج اللاجئين الجدد في أوروبا، مالذي يجب أن يفعله اللاجئون كي يتجاوزوا أزمة الصدمة الثقافية، ويندمجوا بالمجتمعات الجديدة، وما هو حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم في هذا الموضوع؟
شخصياً لا أؤمن بفكرة الاندماج، البشر أصلاً أفراد متمايزون فكراً، وقناعات، وانتماءت، وخيارات.
ما هو الاندماج؟ مصطلح طلسمي ليس له إلا دلالة واحدة واضحة: “عليكم أيّها القادمون أن تتعلموا منّا” وهنا يقفز السؤال بلا تردد: من أنتم لنتعلم منكم؟ هل أنتم الأحزاب اليمينة المتطرفة؟ هل أنتم السياسيون الذين بات الأعمى قادراً على رؤية تلاعبهم واتجارهم الفج بقضية اللاجئين لتحصيل أصوات الناخبين؟ من أنتم؟ أنتم الوفد الاقتصادي الذي رافق ميركل في زيارة وديّة لأحد أعتى ديكتاتوريات العالم “آل سعود” وعاد بصفقات خيالية دون أي اعتبار لحياة وكرامة السعوديين؟ أم الذين استقبلوا قائد انقلاب عسكري قتل الآلاف من شعبه مثل السيسي؟
أم جمهور النادي الذي هتف بعبارات عنصرية ضد أحد اللاعبين من أصل أفريقي حتى خرج شبه باكٍ من المباراة؟
…..هل علي حقًا أن أندمج مع هؤلاء؟
لماذا لا يُطالب أحد الألمان المقيمين في الإمارات العربية بالاندماج؟ إنهم يتلقون أعلى المرتبات، وهم لا يدفعون ضرائباً.. هل عليهم أن يلبسوا “كلابيات” ويتقنوا العربية ويأكلوا الطعام التقليدي الإماراتي ليكونوا مندمجين وتسمح لهم الإمارات بالبقاء على أراضيها؟
أتفهم تماماً أن على اللاجئ السعي لإيجاد عمل ليعيل نفسه. هذا واجبه بلا أدنى ريب، ولكنّي أرى أن هذا واجبه وحسب. أن يعمل ويدفع ضرائبه. ” باعتبار الالتزام بالقوانين أمر بديهي” وبالتالي هو ليس مطالباً بأي شيء آخر. هو حر تماماً في بناء علاقاته، واختيار أصدقائه، وعدم التواصل مع أي انسان إن شاء.
ماذا لو كنت راغباً بالتواصل مع أبناء بلدتي السورية الموجودين في ألمانيا، فقط هؤلاء، والعمل معهم، والبقاء في منزلي كل الوقت بعد العمل.. من يملك الحق بالتدخل في خياراتي بدعوى الاندماج؟ هل ثمة من يفرض على الألمان في ألمانيا معرفة اسم عواصم الأقاليم تحت طائلة التعرض لتهمة العصر: “غير مندمج!”.؟!
أليست ثقافة قبول الآخر إحدى أهم ميزات الثقافة الألمانية كما يدعي منظّروا الاندماج؟ من يسعى لتعليم هذه القيم لمئات آلاف الألمان الرافضين لوجود اللاجئين؟
ما أريد قوله ببساطة: واجب اللاجئ هو أن يعمل ويدفع ضرائبه. وأي طلب آخر هو انتهاك سافر لحقوقه كإنسان. حتى لو اختار أن يعمل في جمع عبوات المشروبات الملقاة في الشارع أو في سلال المهملات وبيعها. هو حرّ كأيّ انسان. وأما ما يحدث من اعتداء على حقوق اللاجئين تحت مسمى “اندماج” فهو مرفوض أخلاقياً وانسانياً.
أدرك بوضوح أنني غير قادر على الاحتجاج، أو تغيير هذه الأوضاع. وأني مضطر بحكم الحاجة إلى أوراق ثبوتية إلى القبول بهذه الشروط المجحفة. وأنا أنفذ ما يطلب مني، ولكن لا أقل من أن يكون لي الحق بالقول: “هذا غير انساني”.
من الاعتقال في سورية إلى كتابة عمل أوبرالي شعري في ألمانيا، كيف استطعت أن تتجاوز عوائق اللغة والثقافة، وتقدم الشعر العربي في أوروبا؟
العمل الأوبرالي، دوناً عن أغلب أنواع الفنون المسرحية، والكتابة الإبداعية، يحمل ميزة هامّة، وهي أن جمهوره معتاد على مشاهدة أعمال أوبرالية بلغات غريبة، لا سيما الإيطالية لأنها الأكثر استخداماً في الأعمال الأوبرالية الكلاسيكية، وبالتالي فإن وجود ترجمة مرافقة للعرض ( باستخدام جهاز إسقاط ) هو أمر طبيعي وشائع جداً. حتى أني شاهدت عروضاً مترجمة لأكثر من لغة في ذات الوقت.
وبالتالي لم تشكل اللغة عائقاً يذكر.
أما فيما يخص عائق اللغة أثناء العمل والنقاشات، فقد كان معظم النقاش بالإنكليزية. وهذا يسّر المسألة كثيراً.
عن المشروع نفسه. ” أوبرا كليلة ودمنة” تتكئ على قصة مأخوذة من الكتاب الشهير، وبالتحديد من ” باب الأسد والثور”، ولكني حولت الشخصيات إلى “بشر” وأنسنت الصراع الدائر في القصة. بمعنى آخر، ذهبت مباشرة لما أراد بيدبا الفيلسوف قوله حين روى القصص للملك دبشليم.
فكان الصراع بين ملك ظالم، محاط ببطانة فاسدة، وشاعر ينادي بالحرية والعدالة.. وانتهى بقتل الشاعر.
هذا النوع من الفنون ” الأوبرا” يكاد يكون شبه غائب عن المشهد المسرحي العربي، وما عرفناه عن المسرح الغنائي هو أعمال مسرحية تتخللها بعض الأغنيات، بينما كليلة ودمنة هو عمل مغنّى بالكامل.
فريق العمل:
ألحان: منعم عدوان ( فلسطين )
إخراج: Olivier Letellier (فرنسا)
توزيع: زياد زواري ( تونس)
غناء وتمثيل: منعم عدوان، ريم تلحمي ( فلسطين)، رنين الشعار ( لبنان)، محمد جبالي (تونس)، وجان شهيد (لبنان).
العمل مأخوذ من باب الأسد والثور من كتاب كليلة ودمنة الشهير.
من إنتاج مهرجان: Aix en provence