فورين بوليسي: لماذا يرغب المجتمع الدولي في التعايش مع نظام بشار الأسد (البربري)؟

كلنا شركاء: فورين بوليسي- ترجمة عبد الرحمن النجار- ساسة بوست

قالت كيم غطاس، الصحافية الأمريكية من أصول لبنانية، في مقال لها على موقع مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية: إنّ الرئيس دونالد ترامب توقف في زيارة قصيرة ليلًا في بريطانيا، وجرى تأجيل الزيارة الرسمية حتى العام المقبل. لكنه حظي باستقبال حافل من طرف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في إطار احتفالات فرنسا بيوم الباستيل. وكانت سوريا حاضرة وبقوة على أجندة اجتماع الرجلين، فقد كانت مستعمرة فرنسية قديمًا وتعتبرها فرنسا نقطة عبور لها إلى منطقة الشرق الأوسط.

وتشير غطاس إلى أنه منذ وصول ماكرون إلى سدة الحكم ثارت أسئلة حول ما الذي سيرسم سياسته تجاه الشرق الأوسط: القيم أم السياسة الواقعية؟ والحال نفسه ينطبق على ترامب، الذي قصف قوات بشار الأسد قبل نحو شهرين بزعم أنه يقتل «الأطفال الأبرياء»، بيد أن وزير خارجيته – ريكس تيلرسون – ألمح إلى أن أمريكا لا تمانع ترك تحديد مصير الأسد بيد الروس، وهي طريقة لقول إنه لا مانع من بقاء الأسد في السلطة.

وعلى الرغم من أن ماكرون حذر سوريا من مغبة استخدام الأسلحة الكيماوية مجددًا، إلا أنه صرح لصحيفة «لوفيجارو» بأن الأسد ليس عدوًا لفرنسا، مما يظهر عدم اكتراثه بالدمار الذي حل بسوريا. وترى الكاتبة أن تصور كل من فرنسا وأمريكا لحل الأزمة السورية سيحدد إلى أي مدى سيدوم السلام.

قبل نحو ربع قرن، كتب عالم الاجتماع الفرنسي مايكل سويرات سلسلة من المقالات وصف فيها ما أسماها «الدولة البربرية» المتجذرة في حكم آل الأسد. وسلط الضوء على الحملة الوحشية التي شنها حافظ الأسد لقمع الإسلاميين في حماة منتصف الثمانينات، حيث جرى إعدام آلاف المدنيين وقتل مئات السجناء وقصف بلدات بالصواريخ.

كتب سويرات يقول «إن انهيار الشرعية السياسية للنظام تتجلى في إعادة تفعيل أشكال أخرى من الشرعية يرى أن لها أهمية أكثر من الأطر السياسية». بمعنى أن التضامن العرقي والمذهبي جرى تفضيله على العناصر الجيوسياسية. وقد تغيرت النظرة السياسية لحافظ الأسد لتتمحور فقط حول ربط مصير الطائفة العلوية بمصيره.

دفع سويرات ثمن ما كتبه – تقول غطاس – إذ أنه إبان الحرب الأهلية اللبنانية – في عام 1985 تحديدًا – جرى اختطافه وإعدامه من قبل حركة الجهاد الإسلامي التي لها علاقات مع سوريا وإيران، ولم تسترد فرنسا جثته إلا في عام 2006. وترى الكاتبة أن ما كتبه سويرات يظل ناقوس خطر حول تكلفة التصالح مع نظام مثل النظام السوري.

وإذا كان جل اهتمام العالم ينصب على تحقيق السلام في الشرق الأوسط، فإنه كان ينظر إلى السلام بين سوريا وإسرائيل على أنه خطوة أولى نحو ذلك. ومثلما قال هنري كيسنجر «لا يمكنك إشعال حرب في المنطقة بدون مصر، ولا يمكنك إحلال السلام بدون سوريا». وهذا ما دفع السياسيين إلى التقاطر على دمشق لإقناع حافظ الأسد للتوقيع على عدة مقترحات بالسلام، لكنه لم يفعل قط.

وتؤكد كيم أن العالم توسم خيرًا بادئ الأمر في طبيب العيون وزوجته الجميلة – بشار وأسماء الأسد – الذين ما انفكا يتحدثان عن السلام وضرورة إدخال إصلاحات داخلية، مما حدا بالدبلوماسيين الغربيين إلى زيارة دمشق مرارًا على أمل توقيع اتفاقية سلام.

لكن العالم بدأ ينقلب ضد بشار بعد اتهامه بتدبير حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري في بيروت في عام 2005. اشتعلت المظاهرات داخل لبنان للمطالبة برحيل القوات السورية من البلاد، وضغط العالم – بقيادة بوش الابن وشيراك – على سوريا وأجبروها على سحب 15 ألف جندي سوري من لبنان.

وتنوه معدة التقرير إلى أن زيارة الأسد الابن إلى فرنسا في عام 2008 قد أنهت خمسة أعوام من العزلة المفروضة على سوريا. وكان ذلك في فترة كُتبت فيها شهادة وفاته سياسيًا، وتندر المقربون من النظام السوري حول من سيطفئ النور وهو خارج من البلاد.

كان ساركوزي يعتقد أن بوسعه إقامة علاقة مختلفة مع نظام الأسد – تضيف كيم – وأن شخصيته وحنكته السياسية ستساعده على إقناع دمشق بتغيير سلوكياتها. (وهو نفس ما فعله جون كيري حين كان آخر من يسحب إيمانه بإمكانية تغيير سلوك الأسد بعد أن بدأ الأخير في قتل المحتجين في 2011).

ترى كيم أنه يجب التأمل في النهج الذي يتبعه ماكرون حيال سوريا. إذ لا يعول الفرنسيون على توقيع اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل، ولا على إنهاء دمشق تحالفها مع طهران. ولكن ما تركز عليه فرنسا هو ضرورة محاربة الإرهاب، ومنع تدفق الجهاديين على أوروبا.

في مقابلة مطولة مع صحيفة لوفيجارو، حدد ماكرون نقطتين مهمتين تتعلقان بسوريا. الأولى هي أن الأسد ليس عدوًا لفرنسا، والثانية هي موقفه من مستقبل الأسد. كان قد صرح من قبل أن لا حل في سوريا، إلا برحيل الأسد، لكنه قال في هذه المقابلة «لم أقل أبدًا إن رحيل الأسد هو الحل، لأنه لم يظهر بديل شرعي له».

وتؤكد الصحافية أن فرنسا مدركة تمامًا لتبعات بقاء الأسد. ففي عام 1981، اغتال عملاء للنظام السوري السفير الفرنسي لدى لبنان في وضح النهار. وفي عام 1983، شنت جماعة جهادية مرتبطة بسوريا وإيران هجومين ضد قوات المارينز الأمريكية ووحدة من قوات المظلات الفرنسية في بيروت. كما عانت فرنسا من موجة من الهجمات الإرهابية في منتصف الثمانينات قُتل فيها العشرات، وقيل إن جماعات على علاقة بسوريا هي من نفذتها.

وهذا نفس ما يفعله نظام الأسد حاليًا – تشير غطاس – إذ كان ابن عم الأسد – رجل الأعمال رامي مخلوف – قد أصدر تهديدات مبطنة إلى الغرب في حوار له مع «نيويورك تايمز»، حيث قال «لا يمكن لأحد التنبؤ بما سيقع، فلو وقع مكروه للنظام الحالي لا سمح الله، عليهم أن يدركوا أنهم سيعانون مثلنا بالضبط».

وينوه التقرير إلى أنه في بداية الثورة السورية، هدد مفتي البلاد بإرسال انتحاريين إلى أوروبا إذا تعرضت بلاده إلى هجوم. ومع أنه ليس هناك ما يشير إلى علاقة النظام السوري بموجة الهجمات الإرهابية الأخيرة في أوروبا، لكن مفكرين فرنسيين وسوريين ولبنانيين أشاروا في رسالة مفتوحة بعثوا بها إلى ماكرون إلى أن بقاء الأسد سيغذي الإرهاب، ويؤخر إيجاد حل دائم للزلزال الذي امتدت توابعه إلى أوروبا.

يبدو عدول ماكرون عن تصريحه الأول مثيرًا للقلق – تؤكد الكاتبة– ومع أن قادة مثل أوباما وهولاند قد أوضحوا ضرورة رحيل الأسد، إلا أن مباحثات السلام الخاصة بسوريا لم تضع رحيل الأسد كشرط مسبق للحل. لذا فإن تصريحات ماكرون – التي أقلقت المعارضين له – تتماشى مع سير محادثات السلام.

تتساءل كيم عن الشرعية التي يتحدث عنها ماكرون بالقول «هل ما زال الأسد يمتلك شرعية بعد كل ما ارتكبه من فظائع في حق شعبه؟ وهل ما زال بالإمكان التعويل على تعاونه في مجال مكافحة الإرهاب، بينما قد فقد السيطرة على معظم أنحاء البلاد، ويعتمد على القدرات القتالية لروسيا وإيران؟».

وردًا على سؤال ماكرون حول من سيخلف الأسد، تقول غطاس إنه إذا سألت أي سوري معارض للأسد هذا السؤال، لرد بأن النظام قد قتل وسجن ونفى كل بديل محتمل. إنها استراتيجية فعالة تعتمدها عائلة الأسد منذ عقود – حتى في لبنان – حيث إنهم متهمون بقتل أي سياسي أو مفكر تقدمي.

تعتقد كيم أن ثمة شخصيات مؤهلة للقيادة في المناطق الخاضعة لسيطرة المتمردين، الذين يقاومون النظام منذ سنوات، ولا يتمتعون بالشهرة خارجيًا، ولكن يمكن أن يلمع نجمهم عندما يصمت أزيز الرصاص.

وإذا أراد الغرب خليفة جاهزًا ويتقن الإنجليزية حتى يقود الحكومة الانتقالية، فقد ظهرت بعض الشخصيات بالفعل، مثل عبد الله الدردري، وهو وزير مالية سابق قاد عملية إعادة هيكلة الديون السورية في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بدول غرب آسيا، مع أن المعارضة ربما تنظر إليه على أنه أحد المقربين بشدة من نظام الأسد.

ترى الكاتبة أنه يجب إشراك شخصيات كهذه إذا ما تقرر الإبقاء على الأسد، إذ لا بد ألا تكون المرحلة الانتقالية إقصائية، حتى إذا قادتها شخصية تكنوقراطية. وتؤكد أنه من الصعب تخيل وجود قائد مختلف بعد أكثر من أربعة عقود على حكم آل الأسد، لكن الخيال هو ما نحتاج إليه الآن، مع استغلال الانتصارات العسكرية على الأرض لتقوية موقف المعارضة وقت التفاوض.

تختتم غطاس بالقول إننا إذا راجعنا ما كتبه عالم الاجتماع الفرنسي سويرات لوجدناه ينطبق على سوريا حاليًا. لكن عائلة الأسد تمكنت دومًا من الانتصار، على عكس زعماء مثل صدام حسين أو معمر القذافي. ويبدو أن الغرب لا يفقد الأمل في عائلة الأسد، ويأمل أن تفي بعهودها هذه المرة. وتنصح كيم ماكرون بقراءة ما خطه سويرات بيده، حتى يفهم نوع العدو الذي يواجهه.