on
وفيات وادعاءات بتعذيب سوريين في عهدة الجيش اللبناني
كلنا شركاء: هيومن رايتس ووتش
قالت “هيومن رايتس ووتش” اليوم إن على السلطات اللبنانية إجراء تحقيق مستقل، شامل وشفاف في وفاة سوريين محتجزين لدى الجيش، ومزاعم تعذيب وسوء معاملة أثناء الاحتجاز. أصدر الجيش اللبناني في 4 يوليو/تموز 2017 بيانا جاء فيه أن 4 سوريين ماتوا أثناء احتجازهم بعد مداهمات جماعية في عرسال، وهي منطقة في شمال شرق لبنان، الوصول إليها مقيد ويعيش فيها عدد كبير من اللاجئين السوريين. تلقت هيومن رايتس ووتش في 14 يوليو/تموز تقارير موثوقة تفيد بأن محتجزا سوريا خامسا مات أيضا أثناء الاحتجاز.
عاين طبيب لديه خبرة في توثيق التعذيب صور 3 رجال قدمها محامو العائلات لـ هيومن رايتس ووتش، وأظهرت كدمات وجروح منتشرة بكثرة. قال إن الإصابات تتناسب “مع الأذى الناجم عن التعذيب البدني” وإن “أي بيان مفاده أن وفاة هؤلاء الأفراد أسبابها طبيعية لا يتفق مع هذه الصور”. تحدثت هيومن رايتس ووتش أيضا مع 5 معتقلين سابقين، قالوا إن أفراد الجيش ضربوهم وأساؤوا معاملتهم مع معتقلين آخرين. قال ضابط عسكري لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش يحقق في الوفيات وسيصدر نتائجه.
قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش: “وعد الجيش اللبناني بالتحقيق في هذه الوفيات المروعة خطوة إيجابية، إلا أنه سيكون بلا معنى دون مساءلة شفافة ومستقلة لأي شخص يثبت ارتكابه اعتداءات. أي شخص يدعم الجيش اللبناني عليه أن يدعم الجهود الرامية إلى التصدي لمثل هذه الانتهاكات الخطيرة التي يُزعم أن الجيش ارتكبها”.
في 30 يونيو/حزيران، أعلن الجيش اللبناني أنه داهم مخيمين غير رسميين للاجئين في عرسال ذلك اليوم، وأن انتحاريين واجهوه وتعرض لعبوة ناسفة وقنبلة يدوية أسفرت عن إصابة 7 جنود. في 15 يوليو/تموز، أصدر الجيش بيانا قال فيه إنه احتجز 356 شخصا بعد هذه المداهمات، وإنه أحال 56 شخصا للمحاكمة و257 إلى “الأمن العام” لأن ليس بحوزتهم إقامات. قال مسؤول في منظمة إنسانية لـ هيومن رايتس ووتش إن أطفالا كانوا من بين المحتجزين.
يداهم الجيش اللبناني مخيمات اللاجئين غير الرسمية في لبنان بانتظام، لكنه لم يرد على سؤال من هيومن رايتس ووتش حول غرض هذه المداهمات. جاءت المداهمات وسط دعوات من السياسيين اللبنانيين لعودة اللاجئين إلى سوريا، وتقارير عن عملية عسكرية وشيكة ضد الجماعات المسلحة على الحدود السورية قرب عرسال.
لم تتمكن هيومن رايتس ووتش من التأكد من تقارير تفيد بأن سوريين لقوا حتفهم خلال المداهمات نفسها، لكن مصدرا في عرسال قال إن البلدية تلقت 9 جثث، لا تشمل الرجال الخمسة الذين قيل إنهم ماتوا رهن الاحتجاز.
ذكر بيان للجيش في 4 يوليو/تموز الماضي إن 4 معتقلين “يعانون من مشاكل صحية مزمنة تفاقمت بسبب الظروف الجوية” ماتوا قبل استجوابهم، وهم مصطفى عبد الكريم عبسة (57 عاما) وخالد حسين المليص (43 عاما) وأنس حسين الحسيكي (32 عاما) وعثمان مرعي المليص، حسب البيان. لم يحدد الجيش مكان احتجازهم.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع أحد الأقارب وأحد المعارف المقربين لشخصين ممّن ماتوا في الاحتجاز، وقالا إنه لم يكن لدى هذين المعتقلين أي ظروف صحية خطيرة معروفة. قال كلاهما إن الجيش لم يقدم أسبابا للاعتقالات ولم يخطر عائلات المتوفَّين.
في 14 يوليو/تموز، تلقت هيومن رايتس ووتش تقارير تفيد بأن محتجزا سوريا خامسا هو توفيق الغاوي (23 عاما) توفي في الاحتجاز بعد أن نقله الجيش إلى مستشفى الياس الهراوي الحكومي. قال شاهد في عرسال رأى الجثة قبل الدفن: “توفيق لم يكن يشبه الإنسان. كان لحمه ممزقا”. لم تتلق هيومن رايتس ووتش صورا للجثة.
هناك أدلة إضافية تدعم روايات إساءة المعاملة والتعذيب أثناء الاعتقالات في عرسال ومراكز الاحتجاز العسكرية. قال شاهد في عرسال لـ هيومن رايتس ووتش إنه شاهد 34 معتقلا سابقا لديهم علامات على أيديهم وأرجلهم وظهورهم، وفي إحدى الحالات على رأس محتجز سابق.
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 5 معتقلين سابقين. قالوا إنهم تعرضوا لسوء المعاملة والاعتداء البدني وحُرموا من الطعام والماء مع عدد من المعتقلين الآخرين خلال فترة تتراوح من 4 إلى 5 أيام من الاحتجاز دون تهمة قبل الإفراج عنهم.
راسلت هيومن رايتس ووتش الجيش في 10 يوليو/تموز للتحقق من عدد المعتقلين أو المصابين أو الذين قتلوا خلال مداهمات الجيش، والذين لا يزالون رهن الاحتجاز وظروف احتجازهم، ولكنها لم تتلق أي رد. كما طلبت هيومن رايتس ووتش الإذن بدخول عرسال لمقابلة الشهود، لكنها لم تتلق إذنا. قال ضابط في الجيش لـ هيومن رايتس ووتش إن الجيش لم يسمح “للمنظمات الإعلامية” بدخول عرسال. عرضت هيومن رايتس ووتش نتائجها على الجيش والمدعي العام العسكري.
يُلزم القانون الدولي لبنان بالتحقيق في الوفيات أثناء الاحتجاز ومحاسبة المسؤولين عن ذلك. لطالما وثّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوق الإنسان المحلية تقارير عن التعذيب وسوء المعاملة من قبل الأجهزة الأمنية، بما فيها الجيش. الإفلات من العقاب على العنف مشكلة متكررة في لبنان. حتى عندما يشرع المسؤولون في تحقيقات في حالات الوفاة أو التعذيب أو سوء المعاملة، فإن التحقيقات غالبا لا تنتهي أو لا تُنشر نتائجها. لا تعلم هيومن رايتس ووتش بحالات محاسبة أفراد عسكريين.
قالت ويتسن: “يستحق الجمهور اللبناني وعائلات السوريين الذين ماتوا في الاحتجاز معرفة ما حدث لهم بوضوح ومعاقبة المسؤولين عن ذلك. لسوء الحظ، لدى السلطات اللبنانية تاريخ حافل بفتح تحقيقات ردا على الضغط العام، لكن دون إنهائها أو نشر نتائجها”.
أدلة فوتوغرافية على التعذيب
تلقت هيومن رايتس ووتش 28 صورة لثلاثة من الرجال الذين ماتوا في الاحتجاز، أخذت في مستشفى الياس الهراوي الحكومي بزحلة، من مكتب المحاماة الذي يمثل عائلات الموتى. قال المحامون إنهم لم يتمكنوا من العثور على جثة عثمان المليص. عاين الطبيب هومر فينترز، مدير البرامج في منظمة “أطباء من أجل حقوق الإنسان”، والذي لديه خبرة في توثيق التعذيب، الصور وشارك تقريره:
تكشف الصور عن صدمات جسدية واسعة النطاق في الأطراف العلوية والسفلية. يشير غياب الجروح الدفاعية إلى أن هذه الإصابات وقعت حين كان الضحايا مقيدين أو عاجزين لأسباب أخرى، وأن توزّع هذه الإصابات يتناسب مع الأذى الناجم عن التعذيب البدني. تتفق عديد من الصور مع التمزقات الناجمة عن التعليق من المعصمين. من المعقول الاستنتاج أن وفاة هؤلاء الرجال أتت نتيجة للعنف أثناء الاحتجاز، رغم أن السبب الدقيق للوفاة لا يمكن تبيانه استنادا إلى المعلومات والصور المقدمة. أي بيان مفاده أن وفاة هؤلاء الأفراد أسبابها طبيعية لا يتفق مع هذه الصور.
تعزيز الأدلة على تعذيب المعتقلين في عرسال وإساءة معاملتهم
تحدثت هيومن رايتس ووتش مع 5 معتقلين سابقين من الذين قالوا إنهم احتُجزوا دون تهمة من 4 إلى 5 أيام. قالوا إن الجنود قيدوا أيديهم، وغطوا رؤوسهم بقمصانهم، ووضعوهم على الأرض تحت الشمس، وضربوا أو داسوا على أي شخص يرفع رأسه. قال أحدهم: “حركت رأسي قليلا، فضربني جندي على الفور بحذائه على رأسي”.
قال الرجال إن الجنود وضعوهم بعد ذلك في شاحنات “فوق بعضهم البعض، كما لو كانوا يشحنون أكياس البطاطا”، ونقلوهم إلى مواقع احتجاز متعددة بما فيها قاعدة رياق الجوية في سهل البقاع وقاعدتي مخابرات الجيش والشرطة العسكرية في أبلح. قال الرجال إن أفراد الجيش في قاعدة رياق الجوية احتجزوا أكثر من 100 منهم في غرفة واحدة طوال الليل، ولم يقدموا لهم الطعام أو الماء، ولم يسمحوا لهم باستخدام الحمام. قال أحد المعتقلين السابقين في الستينات من عمره: “كانوا يضربون من يطلب الذهاب إلى الحمام”.
قال الرجال إن أفراد الجيش في رياق ضربوهم وأهانوهم وهددوهم مع المعتقلين الآخرين. قال أحدهم: “ضربوا الناس، بعضهم بهراوات، وآخرون بأعقاب البنادق. رأيت جنديا في الخارج يخز أحد المحتجزين من النافذة بسيخ معكوف. ضربه، ثم بدأ يجرح وجهه… حتى خرج الدم”.
قال الرجال الذين قوبلوا إنهم نقلوا أخيرا إلى “الأمن العام”، الجهاز المسؤول عن دخول الأجانب وإقامتهم، الذي لم يسئ معاملتهم وأطلق سراحهم. قال المعتقلون السابقون إن الجيش لم يخبرهم أبدا عن سبب اعتقالهم.
قال أحد المحتجزين السابقين، الذي تمت مقابلته في 11 يوليو/تموز: “اضطررت إلى ترك ابني [في الاحتجاز]. حتى يومنا هذا، لا أعرف ما حدث له”. يحدد القانون اللبناني المدة القصوى للاحتجاز قبل الاتهام بـ 96 ساعة.
التقارير الطبية
استعرضت هيومن رايتس ووتش أيضا تقارير طبية لثلاثة من الذين ماتوا في الاحتجاز، مؤرخة في 1 و2 يوليو/تموز أعدها الطبيب الشرعي بناء على طلب المدعي العام، وخلصت التقارير إلى أنهم تعرضوا لنوبات قلبية وسكتة دماغية، وأنه لم تظهر علامات عنف على الجثث.
قالت محامية تمثل العائلات إنها تلقت إذنا من قاضٍ للأمور المستعجلة بقيام طبيب شرعي بفحص الجثث وتشريحها وأخذ عينات طبية للتأكد من سبب الوفاة. بعد أن أخذت العينات الطبية إلى مستشفى أوتيل ديو في بيروت لتحليلها، قالت المحامية إن عناصر مخابرات الجيش طلبوا منها تسليمها بأمر من مديرية المخابرات. سلمتها لهم بعد أن أمرها النائب العام التمييزي سمير حمود بذلك. قالت المحامية إنه بعد تدخل الجيش لم تُقدم لها نتائج الفحص بالأشعة السينية والتصوير المقطعي والتشريح ولم تنشر النتائج للعلن.
قالت محامية العائلة إن التحقيق في وفاة الرجال يجري أمام المحكمة العسكرية الآن. أثارت هيومن رايتس ووتش في وقت سابق مخاوف بشأن استقلال ونزاهة واختصاص المحكمة العسكرية، إذ إن غالبية القضاة ضباط عسكريون غير مطالبين بالحصول على شهادات في القانون، وتجري المحاكمات خلف أبواب مغلقة.