Archived: سمير العيطة: الوقوف مع سوريا.. وليس شيئاً آخر

سمير العيطة: السفير

ما مصلحة السلطة السوريّة بالانخراط في مفاوضات «جنيف 3»؟ إنّها تتقدّم على الأرض، ولو ببطء، وتعيش نشوة «انتصارات» عسكريّة. بالتالي لن تأتي المفاوضات، أو حتّى المشاورات كما يُطلق عليها، إلاّ بجلوسها علناً، أمام الرأي العام، مع أولئك الذين تتصارع عسكريّاً وسياسيّاً معهم، لتوقف القتال وتتقاسم السلطة معهم. عندها، لن تستطيع النكوص بالعهود التي توقّعها، كما تفعل كلّ يوم على الأرض، حتّى في الهُدن المحليّة. ولن تتمكّن من الاستمرار في الحصار الخانق لهذه البلدة أو تلك إلى ما لا نهاية وفي تجويع السكّان حتّى يستسلموا من دون قيدٍ أو شرط.
كلّ الأضواء مسلّطةٌ عليها، والحلّ السياسيّ لن ينتهي بأن تأتي بمجموعة من «المعارضين» وتُعطيهم بضعة مناصب وزاريّة من دون القدرة على الفعل، وبحيث يغطّون فقط على حلٍّ عسكريّ في بلدٍ مخرّبٍ ومقسّمٍ تمّ إنهاك شعبه إلى حدود اليأس والهجرة.
هناك فرقٌ كبير بين الظروف الإقليميّة والدوليّة لجنيف 2 و3. الفرق الجوهريّ وهو يتمثل بتوافق القوى التي تتصارع على سوريا للانخراط في آليّة الحلّ. إيران تحتاج للعودة إلى المجتمع الدوليّ عبر ملفٍّ تثبت فيه أنّها يُمكن أن تلعب دوراً إيجابيّاً. وروسيا تريد أن تقول عبر تدخّلها العسكريّ، برغم المآسي التي يؤدّي إليها، إنه يُمكِن أن يؤسّس للعلاقات الجديدة التي تبنيها مع المنطقة برمّتها وخاصّة مع دول الخليج. كذلك تحتاج الإدارة الأميركيّة الحاليّة أن تُظهِر قبل نهاية ولايتها أنّ عدم انخراطها مباشرةً في الصراع في سوريا، كما في ليبيا، كان خياراً صحيحاً.

أضِف إلى ذلك أنّ محطّات مهمّة قد استجدّت بين الاستحقاقين، أبرزها أنّ «مشاورات» موسكو لم تأتِ بأسسٍ تناسب السلطة، حتّى تحت خيمة روسيا، وحتّى مع «معارضة» تعمل أغلبيّتها تحت سقفها وترفض الخيار العسكريّ والهيمنة الخارجيّة. ثمّ إن «المعارضة» المتعدّدة توافقت في ما بينها، في حين لم تتّفق مع السلطة.
في المقابل، تخشى «المعارضة» من أن تخذل مصالح الدول في أروقة الديبلوماسيّات الخفيّة قضايا سوريا. ليست قضيّة حريّة وكرامة شعبها فحسب، بل أيضاً معاناته الكبيرة، وحتّى قضيّة وحدة الأراضي السوريّة. كما تخشى من تعدديّتها كـ «معارضات»، كما يحلو للسلطة أن تصفها به. علماً أنّ هذه التعدديّة هي سمة من سمات الشعب السوريّ، يجب التعامل بواقعيّة معها.
من الطبيعي إذاً أن تضطرب «المعارضة» أمام التساؤل عمّن يجلس في وجه وفد السلطة وبأيّ شرعيّة. والإجابة على التساؤل بسيطة. إذ ليس لأيّ وفدٍ «معارضٍ»، مهما بُذِلَ من جهودٍ لتشكيله، أيّ شرعيّة إلاّ بما يستطيع أن يقدّمه لمشروعٍ وطنيّ يخدم جميع السوريين من دون استثناء أو تمييز.
تكمُن المعضلة في أنّ أيّ اجتماعٍ للاتفاق على تمثيلٍ «للمعارضة» ينعقد في دولة بالتوافق مع دولٍ أخرى، وتتدخّل هذه الدول في اختيار مَن تتمّ دعوته ومَن يتمّ إقصاؤه، لأسبابٍ تخصّها. هكذا كان الأمر في مؤتمري القاهرة والرياض في 2015. إلاّ أنّهما، وخاصّة المؤتمر الأخير، شكّلا محطّتين هامّتين لانخراط «المعارضة المسلّحة» في… السياسة. شكّل ذلك خطوة رئيسة لقطيعة لا يُمكن لحلٍّ سياسيّ أن يأتي دونها، بين هذه «المعارضة المسلّحة» وبين تنظيم «النصرة» والتنظيمات المتطرّفة الأخرى.
لكنّ هذه المعضلة تضع مسؤوليّة كبيرة على «المعارضات» في «جنيف 3»، خاصّة من منطلق مشروعٍ وطنيّ، وليس مصلحة الدول المساندة لها. مسؤوليّة تكمُن في الوعي بأنّ الحلّ السياسيّ هو لجميع السوريين وليس لفئة منهم، مهما كان حجمها، والابتعاد عن نهج الإقصاء، والانفتاح على الأطراف الأخرى وإيجاد آليّات للحوار معها، مهما كانت الخلافات كبيرة.
«جنيف 3» قد يفشل مثل محاولات الحلّ السياسيّ الأخرى، حتّى لو كان هناك قرار من مجلس الأمن. فمَن يدري ماذا في خفايا لعبة الأمم؟ إلاّ أنّ ما يجب أن يبقى منه، حتّى في حالة الفشل، هو إثبات أنّ الفعاليّات السياسيّة في سوريا قادرة على حمل مشروعٍ وطنيّ لكلّ السوريين، وقادرة على التوافق بمواجهة السلطة.
الصوت الخافت من الأمل قد ينبعث من قوّة صوت المشروع الوطنيّ. ذلك عندما أعلن بعض المعارضين أنّهم لن يدخلوا في لعبة شرذمة المعارضة، وما أعلنته منظّمات المجتمع المدني بالحكمة نفسها، حتّى في ظلّ التهجّم عليها. هكذا تمّ وضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم للوقوف مع سوريا وطناً لكلّ أبنائها وليس أيّ شيءٍ آخر.





Tags: محرر