on
Archived: د. حبيب حداد: المأساة السورية وامكانات استعادة وعينا المغيب
د. حبيب حداد: كلنا شركاء
المأساة السورية ما تزال متواصلة ومرشحة لمزيد من التفاقم والخطورة في غياب تحقق اية خطوة جدية حتى الأن على ارض الواقع بهدف وضع حد لها. والمأساة السورية ستستمر ,ما دام الوضع على حاله , مهددة المصير الوطني من أساسه في غياب برنامج الحل السياسي الملزم لكافة الأطراف المعنية , الحل الذي يكفل انقاذ سورية من مأزقها الوطني والوجودي ويفتح طريق الإنتقال الصحيح لتحقيق تطلعات الشعب السوري في انهاء نظام التخلف والقهر والاستبداد وبناء دولة مدنية حديثة في مستوى العصر .
أحداث وتطورات السنوات الخمس الماضية فيما يتصل بالقضية السورية التي اصبحت قضية دولية بامتياز ,والنتائج المستخلصة من هذه الأحداث والتطورات ,وكذلك الدروس والعبر المستفادة من مسيرة الدمار الكبير والإنهيار المعمم ,التي أتت على وجودنا الاجتماعي والوطني والإنساني , كل هذه المعطيات الدامية هل تكون قد وفرت لكل الوطنيين السوريين على اختلاف تجمعاتهم ومواقعهم ما يحفزهم على صحوة ضمير جماعية من اجل وقفة تقييم ومراجعة شاملة لمسار السنوات الماضية التي انقضت على انتفاضة شعبهم طلبا للحرية والديمقراطية والعدالة ,تلك المسيرة التي قدم فيها حتى الآن أغلى الأثمان وأجل التضحيات ؟؟ وهل يمكن للمواطن السوري سواء داخل الوطن او في دول اللجوء والشتات ان يتسلح ببعض الأمل ويتزود بقدرمن التفاؤل في ان كفاح شعبه الذي تكالبت كل قوى الارهاب والاستبداد والتخلف والتبعية لإجهاضه سيواصل مساره على السكة الصحيحة , برغم كل تلك العقبات والتحديات , اذا ما استطاعت الحركة الوطنية الديمقراطية السورية ان تستعيد وعيها المغيب وان توحد رؤاها المتباينة وتستجمع اراداتها المشتتة في برنامج عمل مرحلي موحد , بحيث تعبر حقا عن طموحات واهداف شعبها ؟؟
وبطبيعة الحال فإن هذا الوعي المطلوب استعادته ليس معطى جاهزا أوجوهر ثابتا يمكن استدعاؤه وامتلاكه في الزمان والمكان اللذين نعيشهما الآن ,بل ان هذا الوعي المطابق لمواجهة تحديات الواقع الراهن والمؤهل لانجاز وتحقيق مهمات الانتقال على طريق المستقبل المنشود يمكن بناؤه وامتلاكه وتطويره في كل وقت في ضوء استخدام المنهج العقلاني الموضوعي في التفاعل الحر والتعامل السليم مع معطيات هذا الواقع . هذه حقيقة ينبغي الاعتراف بها قبل كل شيء في سياق هذه المراجعة التي تأخرت كثيرا . فالوعي السياسي العربي في معظم أطيافه ظل حتى يومنا هذا بعيدا عن اداء دوره التنويري , و ظل مقصرا عن فهم تاريخه و عن التعامل االمجدي مع تراثه وبالتالي غير مؤهل للإفادة ة من دروس الماضي البعيد والقريب , بما يساعده في تجاوز ازمته المعرفية التاريخية , وامداده بالدينامية المطلوبة والقدرة على التجدد والتطور الدائمين حتى يظل وعيا مطابقا لاحتياجات وتطلعات المجتمع الذي يسود فيه . وأما الصورة التي عكسها الوعي السياسي العربي على امتداد السنوات الخمس الماضية فهي انه ظل في طابعه العام وعيا اتباعيا انفعاليا يقوم على ردود الفعل الذاتية واستمر مشحونا والى حد كبير بالفكر الغيبي والسلفي ومولعا في كثير من تعاطيه مع الأحداث المتعاقبة الى اعتماد نظرية المؤامرة واتباع النهج البوليسي في تفسير ما يستجد او يفاجأ به من امور وأحداث . ومن الطبيعي وفي غياب الرؤية السديدة والمستشرفة ان يكون انعكاس هذا الوعي خطابا ديماغوجيا مضللا ومتناقضا , خطابا لا علاقة له بحقائق الواقع المعاش وانما كان تأثيره المباشر التغطية على افعال وممارسات قوى الارهاب التكفيرية القاتلة واستثارة النزعات والعصبيات ما قبل الوطنية المتخلفة التي اعملت في جسد الوحدة الوطنية والمجتمعية شروخا وتشظيا واحقادا يصعب اندمالها والبراء منها في زمن قريب .
خلاصة ما يمكن قوله ازاء هذه المعضلة البنيوية الأساسية أن الإشكاليات التي يواجهها العقل العربي عبر مساره الطويل انما كانت نتاجا وحصيلة للبنية المجتمعية والتاريخية في كل مرحلة معينة , مرحلة تتوالد فيها الأفكار وعلى ارضها يمارس الوعي وظيفته . ذلك أنه وكما أسلفنا ليس هناك فكر ولا وعي مطلقين خارج الزمان والمكان بل انهما نتاج الأفراد والمجموعات البشرية التي تعيش ظروف واقعها من جهة وتتفاعل مع تركة ماضيها ومنجزات التطور الحضاري الإنساني من جهة أخرى . وفي هذا المجال وكمثال لتوضيح مدى تأثير طبيعة هذا الواقع المعاش في تكوين هذا الوعي القاصرهل يمكن ان يغرب عن بالنا أو نتناسى ان اشعب السوري ما يزال يعيش منذ اكثر من اربعة عقود تحت الهيمنة المطلقة لنظام القهر والأحادية والاستبداد , محروما من ممارسة ابسط حرياته الديمقراطية في ظل المناخ المعمم والسياسات المنتهجة لافساد منظومة القيم الاخلاقية والوطنية والتربوية .
وحتى لا يكون حديثنا نظريا يعنى بالكليات ويقتصر على العموميات التي تتعلق بعوامل واسباب انتكاسات انتفاضات ما سمي بالربيع العربي وبخاصة ماتعلق منها بالمآل الذي انتهت اليه الثورة السورية , ولأننا سنورد هنا ,ومن وجهة نظرنا , بعضا من تلك الأخطاء الجسيمة بل الخطايا الفادحة التي وقعت فيها معظم اطراف معارضاتنا السورية لا بد ان نسجل في البداية ان تلك الأصوات المعارضة التي كانت ترتفع بين الحين والآخر منادية بانه لا بد من مراجعة جادة لمسيراة السنوات الماضية في مختلف جوانبها , وانها اي تلك الأصوات قداكتشفت الآن ان تلك الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي , وربما الاقليمي أيضا , والتي لم تكن تشك في صداقتها اطلاقا ,وانها كانت قد عقدت عليها الآمال الكبار في تحقيق تطلعات الشعب السوري في الانتقال من واقعه الحالي الى الحياة الديمقراطية السليمة ,اكتشفت الآن أنها كانت تستغفلها و تضحك عليها ,وانها بالتالي لم تكن تمتلك الحد الأدنى من الوعي والبصيرة عندما قامت وما تزال تقوم بدور الواجهات أو الأدوات المنفذة لأجندات الدول الأجنبية واجندات دول الجوار والاقليم التي استخدمتها طوال هذه الفترة. لا بد ان نسجل هنا أن ,تلك الأصوات والمجموعات المعارضة التي تمثلها لم تقم حتى الأن بتلك المراجعة المطلوبة التي وعدت شعبها بها بل انها استمرت في غيها و اتباع نفس سلوكها وتهربها من تحمل مسؤولياتها في ارجاع أسباب ما وصلت اليها اوضاعنا , تارة الى تخاذل و تارة الى تواطؤ وتارة الى تأمر المجتمع الدولي وعلى رأسه روسيا الإتحادية والولايات المتحدة الأمريكية !!!
هل يمكن لأطراف المعارضة السورية ان تواجه شعبها بالحقائق الدامية ولو متأخرة من خلال هذه المراجعة الموعودة فتؤكد قناعتها بصورة عملية ملموسة ان الحل السياسي الذي اصبحت تنادي به هو فعلا خيارها الوحيد الذي يمكن ان يوفر الظروف الملائمة لوقف المأساة السورية والسير في عملية التحول والتغيير الديمقراطي المنشود ؟ وهل أقلعت اطراف المعارضة السورية الفاعلة نهائيا عن مراهناتها المدمرة على الحلول العسكرية وعن اعتمادها الكلي على الدول الاقليمية الضالعة في الشأن السوري , وعلى استمرار تهاونها في مواجهة ارتهان القرار الوطني المستقل , ام ان هذا كان بالنسبة لها موقفا تكتيكيا مؤقتا نتيجة محدودية الدعم العسكري واللوجستي الذي تتلقاه حاليا .حيث يذكر بيان الرياض الأخير هذا أنه : بينما يجد داعش والمتطرفون مزيدا من الدعم العسكري واللوجستي من الجهات الراعية لهم …فقد توقف الدعم للفصائل العسكرية ممن أعضاء الهيئة !!! مما يجعل الوضع العسكري للفصائل المعتدلة من قوى الجيش الحر محرجا !!! ؟؟؟ .ان هذا لهو اعتراف واضح وصريح بان هناك بالنسبة لمؤتمر الرياض والهيئات المنبثقة عنه فصائل معتدلة وأخرى متطرفة فيما يعتبره الإطار العام للجيش الحر !!! من جهة أخرى أفلا يحق لنا جميعا أن نتساءل :هل ان مؤتمر الرياض والهيئة المنبثقة عنه والمسماة بالهيئة العليا للتفاوض قد اقتنعا الأن بان مواقفهما غير الواضحة بل المتعاونة واقعيا مع المجموعات الارهابية وخاصة جبهة النصرة والمنظمات الأخرى التابعة للقاعدة مثل جيش الفتح وحركة نور الدين الزنكي وأضرابهما من التنظيمات المتفرعة عن تنظيم القاعدة … , تلك المنظمات جميعا التي لم يأت مؤتمر الرياض ولا هيئته التفاوضية حتى اليوم في كل المواقف والبيانات الرسمية الصادرة عنهما واخرها البيان الأخير الصادرعن اجتماعها في ما بين الخامس عشر والثامن عشر من الشهر الحالي الذي تجاهل بدوره وبصورة متعمدة تحديد موقف واضح منها مكتفيا بذكر تنظيم داعش فقط !!! انما تسيئ الى كفاح شعبنا وتشوه هوية وصورة الثورة السورية , فهل ان السكوت عن ذكرهذه المجموعات الارهابية التكفيرية وعدم تحقيق موقف واضح منها هي ما يريد مؤتمر الرياض ان يوهم الرأي العام المحلي والدولي بانها هي اي كل هذه التنظيمات, بالنسبة له ما يعتبرها فصائل وتنطيمات الجيش الحر ؟؟؟ ثم اذا كان القرار الأممي رقم 2254 هو ما نطالب الأمم المتحدة والمجتمع الدولي وروسيا والولايات المتحدة ,نحن السوريين , بتطبيقه كأساس ومنطلق لبدء مرحلة الانتقال السياسي فهل يكون موقف المعارضات السورية التي لا تنسجم مع هذا القرار الذي حدد بصورة اولية ان داعش وجبهة النصرة وبقية المنظمات الأخرى المتفرعة عن القاعدة هي راس الارهاب المهدد للاستقرار والامن في العالم أجمع ؟؟؟ فكيف يمكن لمثل هذه المعارضات إذن أن تبرهن عن صدقيتها وعن جديتها أمام شعبها وأمام المجتمع الدولي في انتهاج سبيل الحل السياسي كطريق وحيد لمعالجة المسألة السورية ؟؟؟
من جهة اخرى وتاكيدا للإمعان في نفس النهج الذي ما زالت هيئات مؤتمر الريض تتمسك به ,ربما لكي تبرهن عن تراجعها عن مواقفها الإقصائية وحرصها على تجسيد الوحدة الوطنية !!! فقد جاء في بيان الرياض الأخير أن الهيئة أكدت اعتزازها (هكذا ) بتماسكها وتمثيلها الشامل للقوى الرئيسية في المعارضة والثورة السورية!!!
وفي عداد الأخطاء الجسيمة التي مازالت معظم أطراف المعارضة تمارسها في رؤيتها لمسارالتغيير والتحول الديمقراطي المطلوب هو عدم تمييزها بين ثلاث ماهيات ,أولها السلطة الحالية التي لا بد من المباشرة بانهائها مع بداية خطوات المرحلة الانتقالية أي بتشكيل هيئة الحكم الإنتقالي كاملة الصلاحيات التنفيذية ,وثانيتها عملية تحويل النظام التي ينبغي ان تستكمل في نهاية المرحلة الانتقالية بعد اقرار الدستور الجديد عن طريق الإستفتاء الشعبي العام وبعد انتخاب مؤسسات النظام الجديد ,وثالثها كيان الدولة السورية التي يجب الحرص على كل اركانها ومؤسساتها والعمل على اصلاح تلك المؤسسات كي تقوم بوظائفها العومية على أفضل وجه ممكن .ولعل اخطر ما ارتكبته بعض قوى المعارضة السورية انها عملت على حرف مسار الثورة السورية في طرح مشروعات وكيانات تقسيمية كالفيدراليات والدويلات والامارات متجاهلة ان وحدة سورية دولة وارضا وشعبا هي روحها وأساس وجودها وأن الديمقراطية إن هي الا الصيغة المثلى لتنظيم حياة مجتمعها .
فانظر يا أخي السوري ,رعاك الله ,أي مصيرمظلم ينتظر وطننا اذا استمرت الأمور في نفس المنحى الذي سارت فيه حتى الآن … وبعد كل هذا المخاض الطويل الا يجدر بنا نحن السوريين على اختلاف توجهاتنا السياسية ومواقغنا الحالية ان نخطو الخطوة الأولى بارساء قاعدة الانطلاق الضرورية لمباشرة تنفيذ برنامج الإنتقال الديمقراطي وفق وثيقة جنيف 1 وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة , والمتمثلة بعقد المؤتمر الوطني العا م تحت اشراف ورعاية الأمم المتحدة . هل يمكننا نحن السوريين بعد تلك التجارب الفاشلة التي عايشناها عبر السنين الخمس الفائتة وامام فداحة المصير الذي يواجهنا ان نطمح بيقظة ضمير وطني جماعية عاجلة , وبعودة كلية لوعينا المغيب من اجل مواصلة الدرب المأمون نحو غد افضل تتحقق فيه اهداف شعبنا في الحرية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية .
Tags: محرر