on
Archived: د.اسعد الصالح:بوفيه مفتوح
د.اسعد الصالح : كلنا شركاء
الطبق الأول:
اليوم وضع أحد الأخوة على مكتبي فتوى منسوبة للشيخ صالح الفوزان تحرم البوفيه المفتوح وكتب تحت الفتوى: “ابتسامة الصباح.”
بصراحة مثل هذه الفتاوي والخطابات لا تبعث في نفسي أي ابتسامة بل تصيبني أحياناً بما يشبه الإحباط والشعور باليأس مما وصل إليه العرب.
الطبق الثاني:
هناك ملاحظة وهي أني لا أستطيع أن أتأكد أن المفتي، صالح الفوزان، قد أفتى بهذه الفتوى حقاً لأني لا أثق بكلام النت المنسوب لأي شخص. الكذب على الرؤساء وعلى الثورات وعلى الثورات المضادة وعلى الفنانات وعلى المشاهير وعلى المشايخ قد صار موضةً وطالت الألسنةٌ بالكذب حتى تجاوزت برج خليفة. لكن الفتوى موجودة على النت وهناك أخذ ورد حول المسألة.
الطبق الثالث:
تحريم البوفيه المفتوح ليس مستبعداً ممن جمدوا على ضوابط الفقه ولم يعرفوا كيف يوجهونها. مشكلة هؤلاء أنهم لا يعرفون لماذا يحرم الإسلام شيئاً وكل ما يهمهم هو ما قاله الفقهاء. قبل أن استمر سأذكر نصاً رائعاً قرأته البارحة من كتاب الدكتور أحمد الريسوني (نظرية المقاصد عند الشاطبي. طبعة المعهد العالمي للفكر الإسلامي. 2007):
“التفسير المصلحي للنصوص:
وقد ينفر بعض الناس من هذه العبارة، وقد يتوجسون منها خيفة. ولهذا أبادر فأقول: إنني لا أفعل أكثر من تقرير أمر واقع مستقر في عمل الفقهاء جميعًا، باستثناء الظاهرية. وأعني بذلك أن تفسير الفقهاء للنصوص، واستنباطهم منها، تُستحضر فيه وتُستصحب المعاني والحكم والمصالح التي يعمل الشرع على تحقيقها ورعايتها. وهو ما يكون له أثره في فهم النص وتوجيهه والاستنباط منه، فقد يصرف النص عن ظاهره، وقد يقيد أو يخصص، وقد يعمم وظاهره الخصوصية.
ودور العقل هنا يتمثل في تقدير المصلحة التي يستهدف النص تحقيقها، إذا لم يكن مصرحًا بها طبعًا، ثم تفسير النص بما يحققها، مع عدم الغفلة عن مختلف المصالح والمفاسد التي لها صلة بموضوع ذلك النص.” (انتهى الاقتباس. صفحة 270).
هذا الكلام يبين كيف كان الفقهاء يعملون في الماضي (وهدفهم البحث عن المصلحة) و كيف يقوم المقلدون اليوم بالبحث عن النكد والتخلف باسم العلم بالفقه.
الطبق الرابع:
قبل أن نذهب إلى النصوص التي اعتمد عليها من يحرمون البوفيه وهو نوع من التجارة لم يكن موجوداً في عهد الإسلام الأول، نرجع الى الأصل وهو القرآن الكريم:
قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29).
الآية واضحة ان التجارة بالاتفاق والتراضي هي أصل حلال ولكن الحرام هو الظلم والباطل الذي قد يتلبس بالتجارة. أين الظلم في البوفيه؟ لا يوجد، فالطرفان متفقان على أنه اتفاق عادل. ملاحظة: الطبري علق على الآية في جواز التجارة:”ليربح في الدرهم ألفًا إن استطاع” يعني حلال على الشاطر وليس على المخادع والنصاب.
الطبق الخامس:
لكن أين النص الذي جعل بعض الفقهاء المقلدين اليوم يعتقد ان البوفيه حرام؟
النص هو حديث ورد عن ابن عباس وعن ابي هريرة ورواه أكثر من راوٍ وفيه، كما ورد في الترمذي عن أبي هريرة: “نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر…” الترمذي وضع هذا الحديث تحت باب: كراهية بيع الغرر. وقال في تعليقه على الحديث: “كرهوا بيع الغرر” وأعطى مثالاً لذلك: “قال الشافعي ومن بيوع الغرر بيع السمك في الماء وبيع العبد الآبق (يعني الهارب) وبيع الطير في السماء.” (انظر كتاب الترمذي صفحة 292 طبعة مكتبة المعارف في الرياض). نلاحظ أن الترمذي نفسه لم يكن يرى أن النهي عن بيع الغرر هو من المحرمات الكبرى بل ذكره في صيغة الكراهية. قد يفسر البعض (من المتأخرين) كلامه أن الكراهية ليست للتنزيه هنا ولكنها كراهة تحريمية. ما علينا. صيغة البيع بالغرر واضح الباطل الموجود فيها لأنها نوع من التغرير بالمشتري وبيعه الوهم. هذه ليست تجارة عادلة لأن هناك سلعة مجهولة وغير معروفة ينتج عنها لاحقاًَ نتيجة غير عادلة. كيف صار البوفيه المفتوح بيع غرر؟ هذا ما توصلت إليه العبقرية الفقهية التي لا تزال تلاحق المسلمين في كل صغيرة وكبيرة وتطبق عليهم قوانين وضوابط الفقهاء دون نظر لمقاصد الشريعة ودون فهم لواقع الحياة.
الطبق السادس:
هناك جدلٌ حول جواز الأكل من “البوفيه المفتوح” ولكن لا يهمني الجدل ولا يهمك الدخول في تفاصيل الفقه. ما يهمنا هو أن نعرف أن بيننا فيروس تخلف وقلة وعي يظهر على أشكال مختلفة. من الآخر، نحن أمة أمامها بوفيه مفتوح من التخلف. قولوا: صحة وهنا….ولا تتفضلوا.
Tags: محرر