Archived: د. يحيى العريضي: أمريكا.. الغائب الأكثر حضورا في التانغو الروسية على الجسد السوري

د. يحيى العريضي: كلنا شركاء

لا تغيب عن خاطري صورة سوزان رايس، ممثلة رئيس الولايات المتحدة الأمريكية باراك أوباما، وهي واقفة أمام نظيرها فيتالي تشوركن ، سفير الرئيس الروسي فلادمير بوتن ، قاعة مجلس الأمن. لقد كانت تلك اللقطة في الرابع من نوفمبر من عام 2013، بعد ثوان من جلسة تصويت مجلس الأمن حول استخدام الأسد السلاح الكيماوي ضد السوريين حين قتل تشوركن في تلك الجلسة الأممية بذلك الفيتو أي إمكانية بمحاسبة نظام الأسد لاستخدامه الغاز الكيماوي ضد شعبه.

تعابير وجه سوزن رايس استحضرت في ذهني صورة المونا ليزا(الجوكندا). سألت نفسي حينها: أهي حزينة أم غاضبة أم محبطة أم منفعلة أم أنها منفصلة عن الواقع أم ماذا؟ الشيء الوحيد الذي كنت متأكدا منه هوأن تشوركن لم يعرها انتباهه. لقد كان هناك ثمة ازدراء في طريقة تعامله معها. لقد تحدثت وأسهبت في حديثها. لم استطع التقاط ما كانت تقوله حرفيا، ولكنني استطعت تخمين ذلك من إيماءاتها وحركة جسدها التي أوحت أنها كانت في حالة شكرلما قام به تشوركن للتو.   

في الجلسة قبل لقائهما قالت رايس عبارات كالسم الزعاف في إشارتها إلى الجريمة الكيماوية التي ارتكبها نظام الأسد. بيد أن ذاك التقديرو الامتنان لما قام به تشوركن ظهر في سلوكها ولسان حالها: “شكرا لإعفاءي من القيام بنقض القرار بنفسي”.

كان فريدا ذاك النوع من الانسجام الخفي. لقد ذكرني هذا التفاهم بقادة إيران في إدارة شؤونهم السياسية: يقولون شيئا ويفعلون نقيضه، والعكس صحيح. وتعود جذور هذا السلوك إلى حالة فكرية دينية ثقافية  تسمى التقية (إخفاء النوايا الداخلية). لقد كانت رايس بارعة في تجسيدها أيما براعة!

وهذا يعكس تماما موقف رئيسها تجاه القضية السورية. يظهر الرجل قلقا تجاه مجرى الأحداث السورية ولكن كل حديثه عن القضية السورية ابتداءا من خطه الأحمرإلى حديثه عن فقدان الأسد لشرعيته انتقالا إلى تخمينه فشل الروس في سوريا هذا كله يعكس إخفاء شيء في باطنه وإبداء شيء آخر. لا أعلم إن كان هذا له أي علاقة باسم والده، حسين، في المفهوم الإيراني المعاصر.

أُكثر ما تتجلى رقصة التانغو الأمريكية الروسية في تلك الكيمياء بين وزيري خارجية البلدين. يساور المرء أحيانا شعورٌ أن لافروف هو الذي يتحدث عندما نسمع تصريحا قاسيا لكيري. التصريحات التي يريد كيري أن يبديها لكنه لايستطيع لأسباب معينة تأخذ طريقها بسهولة إلى لسان لافروف.

لقد أدرك السوريون، وخصيصا في ظل هذه  العلاقة المتينة الخاصة  بين الولايات المتحدة وإسرائيل، أن الأولى شريكة في عدوان الثانية في اغتصابها لحقوقهم. كان الروس كان صادقين وشفافين في عدائهم بيد أن الأمريكان هم من كافأ السوريين بالعداوة بطريقة خفية وخبيثة فيها كل التقية التقليدية القذرة، ومن هنا لا عجب في استمرار مأساة السوري لخمس سنين قاتلة.

جرت العادة في أن تستلزم رقصة التانغو راقصين اثنين. أما في عهد أوباما، وعندما يتعلق الأمر بالقضية السورية وبممارسة السياسة مع الدب الروسي بكامل الانسجام، فيبدو أن الأمر لايحتاج إلى اثنين، بل إن شخصا واحدا كافٍ ليؤدي تلك الرقصة اللاتينية الجميلة في أصلها ولكن الدموية والقبيحة في سورية.    





Tags: سلايد