on
Archived: غسان المفلح: الخوف والطائفة البيضاء
غسان المفلح: كلنا شركاء
منذ أول يوم بالثورة السورية2011 آذار18 ونحن نشهد اسطوانتين مترابطتين:
خوف الأقلية العلوية من الانتقام السني الاكثري! وأن المعارضة فشلت في تطمين الطائفة البيضاء. طبعا في اطار التبرير أو التفسير لهذه المتلازمة القاتلة، لابد من الحديث عن المظلومية العلوية. تبحث في التاريخ السوري، لا تجد لها اثرا. بعضهم يتحدث عن اجتياح عثماني عام 1516 لمناطق العلويين. بعد هذا التاريخ لا يوجد في سجل سنة سورية اية مجازر، لا تجاه العلويين ولا تجاه غيرهم. هنا لابد من القول أيضا، أن سنة سورية كانوا محكومين مثل غيرهم، منذ الاحتلال العثماني لسورية وبعدها الاستعمار الفرنسي ثم اتى الاستقلال1946.
طيلة فترة الاستعمار الفرنسي كان وضع الطائفة افضل من بقية المناطق، وسرعان ما تطوع الكثير من أبنائها في الجيش الفرنسي!! حتى ان احدى الروايات الفرنسية تؤكد على مشاركتهم في معركة ميسلون ضد قوات الشهيد يوسف العظمة. الفقر كافر كما يقال، لكنه في حالتنا لا يفسر كل شيء، لان كل الريف السوري كان في حال شبيهة او اكثر فقرا.
اما الحديث عن الاقطاع السني والخدم من الفتيات العلويات فهذه، أيضا حصل فيها تزوير مبرمج. تضخيما للمظلومية الخلبية، الاقطاع في المناطق العلوية كان 90% منه علويون، ومن عائلات علوية معروفة، الهواش والكنج وآل العباس الذين كانوا يمتلكون اغلب ريف طرطوس وغيرهم، وليسوا سنة كما تريد رواية المظلومية. من جهة أخرى ليسمح لي الأصدقاء بنقطة طالما تم ويتم المتاجرة بها، تتعلق بانتشار الخادمات العلويات في بيوت الاقطاع!! انتشارها عند بنات الطائفة المنكوبات بطبقية حقيرة، واعتذر سلفا على الغوص في هذا الموضوع الحساس. من أسباب انتشاره ان النسق التقليدي في الطائفة سواء كان دينيا ام غير ديني لا يمانع من عمل المرأة، كان أكثر انفتاحا أو أقل تزمتا حول عمل المرأة، على عكس البنية التقليدية التي كانت محافظة جدا تجاه هذا الامر، لدى السنة او المسيحيين او الدروز او الاسماعلية او الكورد في سورية، مع ذلك كان هنالك حالات موجودة نتيجة للفقر نفسه. الحوراني او الدرزي الذي كان يعيش الفقر، مثلا لكوني انتمي لهذه المنطقة، لا يقبل ان تعمل ابنته خادمة في بيوت أي غرباء، حتى لو مات هو وابنائه من الجوع. رغم ان الفقر واستغلال الاقطاع الدمشقي وغير الدمشقي في المنطقة، ربما كان ارحم من الاقطاع العلوي، لكنه كان يترك خلفه فقرا مساويا لفقر قرى الساحل، وربما اكثر في جبل حوران وسهله، كلنا يذكر مسلسل السنوات العجاف، وقصة أبو عيشة عن حوران!! والذي اثار نقاشا بين المرحومين الشاعر المشاغب والرائع ممدوح عدوان والراحل الكبير حسين العودات على شاشة التلفزيون، كان يدور حول هذه السردية غير الصحيحة، دون ان ننسى أفلام العبقري الفذ!! عبد اللطيف عبد الحميد وامتيازاته الفلمية الاسدية ومنقذه الضابط وامله في سورية، وروايات محمد إبراهيم العلي شيخ مشايخ الضباط برتبة لواء!!. سكان الجزيرة السورية كانوا اكثر فقرا من الجميع. بعد الاستقلال كان بقيادة الجيش من أبناء الطائفة الكثر، ووصل بعدها أسماء مهمة لاعلى المناصب في الجيش أمثال محمد ناصر وغسان جديد. كانت الكليات العسكرية مفتوحة للجميع.
لو كانت رواية المظلومية صحيحة لما وصل الأسد وصلاح جديد لحكم سورية، ولما استطاع الأسد ان يحكم سورية ويقتل اقرانه. رغم ذلك طالما ان هنالك راوية المظلومية العلوية منتشرة اسديا، يرى بعضنا انه يجب ان نتعامل معها كحقيقة!! لكن رواية المظلومية لا تحجب حقيقتين يجري اخفاءهما. الأولى ان سردية المظلومية لأناس في السلطة يمتلكون اعتى الأسلحة، تحمل بعدا ودافعا انتقاميا معد سلفا، وجاهز للقتل قبل أن يشعر بالخوف من الآخر سواء كان سنيا أو غير سني. هذه السردية لا تسمح له بمحاكمة عقلية لخوفه ان وجد أساسا، بل لطغيان الانتقام المسبق الصنع من الآخر. مترافقا مع مصلحة امتيازية وتمييزية مع اقرانه ومعاشة ومختبرة، خلال 45 عاما لا تحتاج لبرهان آخر. المظلومية المزورة هذه مع المصلحة المادية هي بنية انتقامية جاهزة للقتل، وليس للخوف من السني او من الشريك في الوطن. هذا هي الحقيقة الأخرى التي يجري اخفاءها من قبل بعض الدارسين. الحديث عن فقر مناطق العلويين الآن هو حديث منافق وغير صحيح، السبب توضحه مسألة بسيطة، لو قارنا اعداد العاملين السوريين بالخارج من العرب والاكراد وغيرهم من مكونات الشعب السوري، لوجدنا ان نسبة شباب الطائفة العلوية هي اقل بكثير من بقية المكونات، وربما نسبة لا تكاد تذكر.
لهذا السبب كانت بنية الجيش لا وطنية. لانهم لا يهاجرون ولهم في الجيش وأجهزة القمع امتيازا لا يحوز عليه اقرانهم من بقية السوريين، فرصة عمل جاهزة ومميزة عن غيرهم، فلماذا يهاجر؟ تمنيت ان يذكر لي احد من قراء هذه المسألة كم اعداد العلويين في الجيش؟ لا اريد الحديث عن بقية مؤسسات الدولة. هذه حقائق كلها يجري اغفالها، لتبرير أنه في لحظة من الوضع السوري الفاسد، أن الأكثرية الموضوعية كانت سنية وان الغالبية القاتلة كانت من الطائفة العلوية. طبيعة السلطة الفاشية الطائفية هي من فرض هذه الحالة الموضوعية. لماذا الهروب من هذه القضية بحجة الإسلاميين والجوامع، فإذا كان الأسد سفاح سورية مشكلتها الأساسية فإن الجهاديين لم يدخلوا على خط الثورة إلا بعد سنتين. قبل سنتين” شو كانوا الشباب عم يسووا؟ عم يتسائلوا نحن خايفين من السنة ولا لأ؟ ولا كانوا مبلشين قتل بابناء الثورة بفرح غامر ونشوة عارمة” وبدافع انتقامي واضح؟ نتبين الحقيقة وبعدها نبحث عن حل لهذه المعضلة المزمنة والمركبة. اما ان نبقى ندور في حيز التبرير لوقوف الطائفة مع الاسد، ورمي الآخرين بتهم هم منها براء نسبيا من اول الثورة وحتى الآن فهذا هو وجه آخر للمشكل. المصلحة قتالة وليس الخوف، لكن المصلحة حرباء تستطيع ان تقول ببساطة: أنا اقتل لاني خائف.
في الختام لابد من تسجيل النقطة التالية: العلوي السوري المعارض للاسدية، يواجه فعلا موجة من النقد والتهجم والتشكيك اكثر من أي معارض آخر، كأنه قدره. واعتقد ان الشباب قابلين بقدرهم، وهذه ميزة تحسب لهم مهما اختلف الآخرون معهم، حول قراءات كثيرة لسورية وللثورة ولواقعها.
Tags: محرر