فداء عيتاني… سوريٌّ بهويّةٍ لبنانية

مضر الزعبي: كلنا شركاء

سنوات من التغريبة السورية كانت كفيلة بوضع مفاهيم جديدة لدى السوريين الثائرين على نظام بشار الأسد، فالسوري لم يعد بنظرهم من يحمل الهوية السورية وانما السوري هو من يقف مع الإنسان في وطنهم، والسوري هو من يقول كلمة الحق دون أن ينظر ماذا سيكسب وماذا سيخر، والسوري هو المؤمن بحرية الشعوب وبحقها بتقرير مصيرها واختيار حكامها.

ومن الشخصيات السورية التي لا تحمل الجنسية السورية الصحفي اللبناني فداء عيتاني، فداء هو ابن الثورة السورية وابن سوريا، فهو من قرر منذ اليوم الأول الوقوف إلى جانب المظلومين بالكلمة والميدان، وشارك السوريين سنوات ثورتهم بحلوها ومرها، فقد أمضى سنتين في الشمال السوري بين العامين 2012 و2014عمل خلالهما على تدريب عشرات الناشطين السوريين ونقل حقيقة مايجري في سوريا للعالم.

ولم يكن مستغربا أن يعج (فيسبوك) السوريين الثائرين على النظام بصور فداء عيتاني، خلال الأيام الماضية وذلك عقب استدعائه لتحقيق معه من قبل القضاء اللبناني مطلع الأسبوع الماضي وقد تم توقيفه لمدة يوم واحدٍ، على خلفية انتقاده لساسةٍ في لبنان ولاسيما فيما يتعلق بآلية التعامل الرسمي مع اللاجئين السوريين في لبنان.

التضامن الكبير من قبل شباب الثورة السورية مع الصحفي سوري الهوى فداء عيتاني، لم يكن ينبع من فراغ فكل من يعرف هذا الإنسان عن قرب، يدرك مدى ارتباطه بالسوريين وقضيتهم، ومدى خوفه المستمر على سوريا، وبأنه دفع فاتورة وقوفه إلى جانبهم، فهو اليوم لا يعمل مع أي جهة إعلامية في لبنان حرصا منه على عدم تسييس قلمه، كما أنه أجبر على الانتقال للعيش في منزل بـ (الإيجار) خارج العاصمة (بيروت) وصولاً إلى اعتقاله مؤخراً على خلفية وقوفه إلى جانب السوريين.

بالمقابل كان فداء عيتاني من أكثر الصحفيين العرب العارفين لخفايا الأمور في سوريا و للتفاهمات الدولية، فكان طوال الوقت يحاول نقل الصورة كما هي ولم يقم بأي يوم من الأيام ببيع الوهم.

فداء عيتاني كان له الفضل عليّ شخصياً بمجموعة من الأمور، وعلى رأسها إعادة تعريف من هو سوري، وكيف يكون الصحفي إنساناً، فداء خلال السنوات الماضية كان يتعامل مع الناشطين السوريين كصديق وقد كنت محظوظاً بأن أكون أحد هؤلاء الناشطين، ومن خلال تجربتي معه كان هنالك مجموعة من المواقف ميزة عيتاني عن باقي المهتمين بالثورة السورية، فالناشط السوري كان من وجهة نظر السوريين المعارضين لنظام بشار الأسد في المؤسسات الثورية هو عبارة عن أداء مهمتها نقل ما يجري على الأرض، بينما كان ينظر فداء لنا بأننا أصدقائه وكان شديد الحرص على حياة كل ناشط سوري.

الله يساعدني عليكم على العقلية شبه الانتحارية

خلال السنوات الأخيرة بدأت لغة المصلحة هي من تحكم علاقات السوريين ببعضهم البعض، ولكن عيتاني لم يتبنّ هذه اللغة، واستمر بتقديم الإنسان على أي مصلحة شخصية، خلال الأشهر الأخيرة لي بسوريا كانت محادثاتي بعيتاني تنتهي دوماً بـ (الله يساعدني عليكم على العقلية شبه الانتحارية)، وذلك نتيجة رفضي الخروج من سوريا في وقتها على الرغم من إدراكي بأنه لم يعد في ظل هذا الخراب أي متسع لكتابة ماهو جديد، فنحن نكتب لعالم قرّر أن يصم آذانه، من هنا كان يأتي تمايز عيتاني عن البقية فهو يخاف علينا كناشطين بعيداً عن لغة المصلحة.

بالمقابل لم يدع عيتاني يوماً الأحقية بالحديث نيابة عن السوريين، فإبان نكبة مدينة (حلب) أواخر العام الماضي وعلى الرغم من معرفة عيتاني بتفاصيل المدينة وما يحاك ضدها أكثر من معظم السوريين، كان طوال الوقت شديد الحرص على عدم الكلام خوفاً على مشاعر السوريين ولاسيما أصدقائه (الثائرين).

بعد كل هذا لا يمكن أن أنظر لفداء إلا أنه ابن سوريا وابن ثورتها، فهو شريك لنا بالتضحية والحلم، وهو معلم لكثير من ناشطي الثورة السورية، وسيبقى فداء هو الوجهة الجميل لبنان و لصحافتها.