مروان علي: من باطمان إلى روج آفا… أحلام كردية تحت فضاء يكتظ بالطائرات

مروان علي: الحياة

هبطت الطائرة في مطار مدينة باطمان الكردية في الجنوب الشرقي من تركيا ويمكن رؤية حفارات النفط في الطرف الجنوبي من المدينة فور الخروج من المطار، ويتوقع استخراج النفط بكميات ضخمة خلال السنوات القليلة المقبلة، إلا إذا انتقلت الاضطرابات التي تشهدها المنطقة (وهذا ليس مستبعداً طبعاً، في ظل توتر العلاقة بين أردوغان وأوروبا والولايات المتحدة) إلى تركيا، يقول طبيب كردي سوري يقيم في باطمان منذ ثلاث سنوات ورافقني في رحلتي إلى زاخو.

ثمة طائرة حربية قديمة وضعت على مدخل قاعدة عسكرية ضخمة للجيش التركي وتضم القاعدة حوامات وطائرات عسكرية وقاعدة للصواريخ وأفواجاً للمدفعية وآلالاف الجنود والقوات الخاصة وعناصر الاستخبارات التركية، هناك خوف وتوجس يمكن ملاحظتهما على وجوه الجنود الذين يفتشون السيارات والحافلات في نقاط عسكرية كثيرة خلال مغادرة المدينة أو القدوم إليها.

في مركز مدينة باطمان الكردية، يتابع الجميع أخبار قوات الحماية الكردية ypg من خلال قناة «روناهي» الكردية التي تنقل أخبار المعارك مع «داعش».

هناك دوريات راجلة من المخابرات التركية تتجول في الساحات العامة والمقاهي وتوقف الغرباء والأجانب بأدب شديد وأغلب عناصر المخابرات التركية في المناطق الكردية ينحدرون من أصول كردية ويجيدون الكردية بطلاقة.

أوقفتني الدورية قرب باطمان بارك أكبر مركز للتسوق في المدينة وطلبت مني هويتي، وبعد أن قدمت للعنصر جوازي الهولندي سألني عن سبب وجودي في المدينة، قلت للذهاب إلى مدينة زاخو في كردستان (شمال العراق)، أعاد لي عنصر المخابرات جوازي الهولندي وتمنى لي إقامة سعيدة باللغة الكردية.

في الحافلة التي كانت تقلني من باطمان إلى زاخو جلس بجانبي شاب كردي من باطمان. فرهاد أنهى دراسته الثانوية ولم يستطع إتمام دراسته الجامعية، متزوج وأب لطفلتين، يعمل في التهريب بين باطمان وزاخو. يشتري السجائر والشاي السيلاني والهواتف الذكية من زاخو ودهوك ويبيعها في باطمان. وعن المبلغ الذي يربحه في كل رحلة يقول: «مبلغ بسيط ولكن ماذا أفعل؟ ليست هناك فرص للعمل في باطمان وحتى في إسطنبول. حاولت البحث عن عمل ولم أفلح، أسبوعياً أسافر مرتين وأحصل على 100 يورو، أفضل من البقاء في البيت وشتم أردوغان».

تجتاز الحافلة منطقة حسن كيف التاريخية التي ستغمرها مياه سد أنشأته الحكومة التركية، معاون السائق يطلب من الركاب تأمل الآثار والبيوت والجسور الأثرية القديمة. فهي قريباً (خلال سنتين أو ثلاث) ستكون تحت المياه.

تتابع الحافلة طريقها نقترب من كرجوس. آثار الاشتباكات بين القوات التركية ومقاتلي حزب العمال الكردستاني لا تزال واضحة. وفي مدينة جزرة التي دارت فيها معركة حقيقية قبل سنة تقريباً بين مقاتلي حزب العمال الكردستاني والجنود الأتراك لا تزال ملامح الدمار ماثلة على البيوت والمباني.
ينظر الركاب نحو المدينة التي حوصرت ومات العشرات من أبنائها، ويُخرج راكب صورة لمقاتل كردي احترق ولا تزال بندقيته في يده. ثم يعيدها بسرعة إلى جيبه.

معاون السائق يتأمل أضواء المدينة وعلى ساعده وشم AZADI أي الحرية بالكردية.

أربع ساعات تستغرقها الرحلة من باطمان إلى معبر ابراهيم الخيل الذي يربط تركيا بكردستان العراق. هناك طريق جانبي للحافلات والسيارات، بينما تنتظر العشرات من سيارات الشحن الكبيرة والصغيرة قرب الجمارك التركية.

تنقل هذه الحافلات كل شيء إلى الإقليم الكردي. الخضار والفواكه واللحوم المجمدة والمياه المعلبة، ويؤكد معاون السائق أن هذه الشاحنات الضخمة لديها خزانات سرية كبيرة تنقل النفط المهرب الى تركيا وبأسعار زهيدة.

يتأمل الشرطي التركي جوازي الهولندي ويعيده بسرعة، أما أصحاب الجوازات التركية فهم لا يحتاجون إلى فيزا لدخول الإقليم الكردي.

الملفت للنظر الأعلام الكردية التي ترفرف عالياً وعلى مسافة أمتار من الأعلام التركية، طبعاً رفع العلم الكردي ممنوع في تركيا ويعرض حامله للاعتقال الفوري.

بعد الانتهاء من إجراءات العبور لدى الأمن العام الكردي، تمضي الحافلة إلى أربيل مروراً بزاخو ودهوك وأستقل سيارة تاكسي إلى معبر سيمالكا أو فيشخابور الذي يفصل بين إقليم كردستان ومناطق الإدارة الذاتية في سورية (روج آفا) أو كردستان سورية كما في أدبيات الأحزاب الكردستانية. وكانت الأحزاب الكردية السورية تسميها المناطق الكردية، لكن منذ اندلاع انتفاضة القامشلي سنة 2004 صارت تطلق عليها (كردستان سورية)، الأمر الذي تسبب في توتر دائم مع فصائل المعارضة السورية في الداخل والخارج.

معبر سيمالكا

بعد سيطرة «داعش» على الرقة ودير الزور وقطع الطرق البرية التي تربط محافظة الحسكة وغالبية مناطق الجزيرة السورية بالعاصمة دمشق وحلب ومدن الساحل السوري وقيام تركيا بإغلاق كل المنافذ الحدودية، مثل معبر نصيبين والدرباسية لم يبق أمام سكان مناطق الادارة الذاتية غير معبر سيمالكا كمصدر وحيد لتزويد هذه المناطق بالمواد الغذائية الضرورية والأدوية والمحروقات ونقل الجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى عناية طبية لا تتوافر في مستشفيات مناطق الإدارة الذاتية مثل مرضى القلب والكلى والسرطان والجلطات الدماغية.

لكن العلاقة المتوترة بين حكومة الإقليم وتحديداً الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني وحزب الاتحاد الديموقراطي بزعامة صالح مسلم تؤثر سلباً في دور المعبر في تسهيل حركة المواطنين الكرد بين الإقليم ومناطق الإدارة الذاتية. الحزب الديموقراطي الكردستاني يتهم حزب الاتحاد الديمقراطي بممارسة الاستبداد ومنع الأحزاب التابعة له والمنضوية في إطار المجلس الوطني الكردي بزعامة ابراهيم برو من المشاركة في الحياة السياسية، ولكن الإدارة الذاتية تنفي ذلك وتؤكد أن الإدارة أصدرت قانوناً للأحزاب، وبموجب هذا القانون على كل الأحزاب التي تريد العمل في مناطق الإدارة الذاتية التقدم للحصول على الترخيص المطلوب. وهذا ما يرفضه المجلس الوطني الكردي.

لكنّ مراقبين يؤكدون أن الخلاف في أساسه على واردات المعبر وهي تقدر بملايين الدولارات شهرياً.

تأسس المعبر عام 1991 لنقل المساعدات والمواد الغذائية من المناطق الكردية في سورية إلى أكراد العراق ثم تحول إلى معبر شبه رسمي بموافقة الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني والأمن العسكري السوري في القامشلي الذي كان يرأسه العميد محمد منصورة رئيس الفرع الذي كان يسيطر على المعبر. وكان تنقل الأشخاص بين المناطق الكردية والإقليم الكردي في العراق يحتاج إلى موافقة الأمن العسكري في القامشلي ومكتب الحزب الديموقراطي الكردستاني في القامشلي الذي كان يترأسه محمود كركري الذي عرف عنه علاقاته الواسعة والمتشابكة مع الأجهزة الأمنية في محافظة الحسكة. يقع المعبر على نهر دجلة وعلى مسافة 50 كيلومتراً من مدينة دهوك ثاني أكبر مدن الإقليم الكردي.

لكن بعد اندلاع الثورة السورية وسيطرة قوات حماية الشعب YPG على قسم كبير من محافظة الحسكة، أنشئت إدارة كردية سورية مشتركة بالاتفاق بين المجلس الوطني الكردي في سورية ومجلس الشعب لغربي كردستان، وكذلك أنشئت الهيئة الكردية العليا التي اتفقت بدورها مع حكومة أقليم كردستان لإدارة معبر سيمالكا.

إدارة المعبر في طرف الإقليم الكردي يشرف عليها شوكت بربهاي وهو مقرب جداً من قيادة الإقليم الكردي واستلم هذا المنصب منذ نشوء المعبر.
يخضع كل شخص يمر عبر المعبر إلى روج آفا لتحقيق بسيط: ماذا ستفعل هناك ولماذا ستذهب أصلاً؟ هل لك أقارب في صفوف حزب العمال الكردستاني؟ هل لك أخوة في صفوف قوات الحماية الشعبية؟

أسئلة ساذجة لكنها تؤكد عمق الهوة بين الطرفين، الحزب الديموقراطي الكردستاني وحزب العمال الكردستاني. ويرى مراقب للوضع الكردي طلب عدم الكشف عن اسمه أن «الحل في توافق قنديل وهولير». وهناك قائمة حمراء كما قال إعلامي كردي سوري، بأسماء المقربين أو المحسوبين على حزب الاتحاد الديمقراطي، ويمنع منعاً باتاً دخولهم إلى الإقليم.

لكن حوامات أميركية تتنقل بحرية بين السليمانية معقل الاتحاد الوطني الكردستاني والرميلان المدينة النفطية المعروفة في سورية وتقوم بنقل الوفود السياسية والعسكرية وحتى المدنيين وضيوف مناطق الإدارة الذاتية، خصوصاً الذين قد لا تسمح إدارة معبر سيمالكا وبموجب أوامر من الحزب الديموقراطي الكردستاني بدخولهم إلى روج آفا.

 
أمضي إلى روج آفا أو كردستان سورية أو المناطق ذات الغالبية الكردية في سورية في قارب صغير لا يتسع لأكثر من عشرين شخصاً.

طبعاً هناك جسر صغير لكنه عسكري تمر فوقه الشاحنات العسكرية التي تستأجرها القوات الأميركية لنقل الأسلحة والمعدات إلى قوات الحماية الكردية التابعة للإدارة الذاتية من كردستان العراق.

أمام تدفق الأسلحة الأميركية لقوات الحماية الشعبية تؤكد إدارة المعبر التابعة للادارة الذاتية الكردية، أن سلطات الإقليم تمنع الألبسة العسكرية والمعدات الخفيفة التي قد تستخدمها قوات الحماية الشعبية في معركتها ضد «داعش».

مدير المعبر التابع للإدارة الذاتية المهندس آراس فتاح اصطحبني إلى مكتبه، وبعد شرب الشاي الكردي قال:

«كما تعلم مناطق الإدارة الذاتية محاصرة ولا مجال أمامنا لتأمين مستلزمات الحياة إلا من خلال هذا المعبر، في ظل الظروف المحيطة بنا وحالة الحرب وتنظيم داعش الإرهابي».

ويضيف: «الخلافات السياسية بين الطرفين هي التي تعيق الكثير من خطوات التعاون وتقديم المزيد من الخدمات وتسهيل عبور المواطنين بين مناطق الإدارة الذاتية وأقليم كردستان، وكل ما نتمناه أن يتفق الطرفان في أقرب وقت ممكن».

مصادر كردية أكدت لنا أن العدد المسموح به يومياً للانتقال إلى إقليم كردستان هو 150 شخصاً، وتتم الموافقة بإرسال الأسماء وبعد الحصول على الموافقة يسمح لهم الأمن العام التابع للإدارة الذاتية بركوب القارب بعد تسجيل بياناتهم في شكل رسمي.

ثمة صورة كبيرة لزعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان في مبنى الأمن العام الكردي، وحين استفسرت عن سبب ذلك، أجاب موظف فضل عدم الكشف عن اسمه: «لسنا الفرع السوري من حزب العمال الكردستاني كما يروج بعضهم، أليس هذا ما تريد أن تتأكد منه ضاحكاً؟ لكننا نستفيد من فلسفة الزعيم الكردي الكبير عبدالله أوجلان ونحاول أن نضع هذه الفلسفة في خدمة شعوب روج آفا من كرد وعرب وسريان وكل القوميات الأخرى.
تنتهي الإجراءات وأركب سيارة في طريقي إلى القامشلي.

الطريق إلى القامشلي مروراً بالرميلان

طريق متعرجة تلتف حول تلال عالية وحواجز كثيرة لقوات الأمن الكردية (الأسايش)، ويلاحظ أن من بين عناصر الحواجز ونقاط التفتيش أفراد من عرب الجزيرة ويتحدثون باللهجة البدوية.

تراهن الإدارة الذاتية على المشاركة الفعالة للمكون العربي في إدارة الجزيرة السورية على ما يؤكد مسؤولون في هذه الإدارة.

تمر السيارة من أمام آبار النفط القريبة من مدينة الرميلان. عدد قليل منها لا يزال يعمل. وفي الطريق إلى القامشلي نجد عدداً كبيراً من الصهاريج التي تنقل النفط الخام، لكن لا أحد يعرف وجهتها. إلى أين تذهب هذه الصهاريج؟ أسأل عنصراً كردياً من الأسايش، لكنه يبتسم ولا يجيب.

يلفت الانتباه أن أسماء البلدات والقرى على طول الطريق إلى القامشلي مروراً بالرميلان وديريك (المالكية) وتربسبيه (القحطانية) مكتوبة بالكردية والعربية والسريانية، وكذلك أسماء المؤسسات والدوائر الرسمية.

القامشلي

انسحب النظام من المناطق الكردية أو أجبر على الانسحاب أو أتفق النظام مع حزب الاتحاد الديموقراطي على (الاستلام والتسليم) كما يروج المجلس الوطني الكردي. الإدارة الذاتية الكردية التي أُنشئت بعد هذا الانسحاب، وعلى رغم المصاعب الكبيرة بسبب تعقيدات الوضع السوري والكردي خصوصاً، تمكنت من تحقيق نوع من الاستقرار الأمني في هذه المناطق ووفرت للسكان نوعاً من الهدوء الذي تفتقده مناطق كثيرة في سورية.

الخدمات متوفرة وكذلك المواد الغذائية والأسواق عامرة والمتاجر ممتلئة بكل أنواع البضائع، بما في ذلك الأوروبية والتركية. محلات الذهب والصرافة تعمل طوال النهار وتوفر إدارة الأسايش مراقبة دقيقة باستخدام عدد كبير من عناصر الأمن والكاميرات.

هناك بنك واحد (بنك عوده) يقدم خدمات سحب النقود من الصراف الآلي قرب الحديقة العامة في القامشلي لأصحاب بطاقات الائتمان مثل الماستر والفيزا والأميركان إكسبريس وماستيرو وتبقى هذه الخدمة طوال النهار، لأن إدارة البنك تفصل الكهرباء من جهاز الصرف الآلي خلال الليل.

تعيش في القامشلي الواقعة في أقصى الشمال الشرقي لسورية نموذجاً لسورية كل القوميات والطوائف الموجودة في سورية تقريباً من كرد وعرب وسريان وأرمن وآشوريين ودروز وعلويين واسماعيليين وهذا ما تعزز بعد الأحداث الأخيرة ونزوح عدد كبير من سكان محافظات حلب وحمص وحماه وإدلب ودير الزور إليها وإلى مدن محافظة الحسكة بسبب استقرار الأوضاع فيها مقارنة بمختلف المدن السورية الأخرى.

صورة كبيرة لبشار الأسد

تمر سيارات الأجرة التي تمضي من مركز المدينة إلى الأحياء الكبيرة مثل الحي الغربي والكورنيش والعنترية قرب حاجز للنظام السوري داخل المربع الأمني، الجندي مشغول بهاتفه الجوال وقربه صورة كبيرة لرئيس النظام السوري بشار الأسد وكتب فوقها: «حاربوك وما عرفو مين أبوك». يخفف السائق الكردي سرعة السيارة حتى التقط صورة للصورة يلاحظ الجندي ذلك ويلوح لي بيده.

يتواجد النظام في المربع الأمني الذي لا تتجاوز مساحته ألف متر مربع في مركز المدينة، حيث يضم مقار الفروع الأمنية والمصرف التجاري السوري، وبعض بيوت عناصر وضباط الأجهزة الأمنية.

لكن الوجود الأهم للنظام السوري هو في مطار القامشلي الذي كان وسيلة الربط والتواصل الوحيـدة بين القامشلي والحسكة مع دمشق بعد استيلاء داعش على الرقة ودير الزور وقطع كل الطرق البرية التي تربط محافظة الحسكة مع حلب ودمشق.

هناك إشاعات عن تواجد كبير لحزب الله ولقوات ايرانية داخل المطار ولم أستطع التأكد منها من مصادر موثوقة.

لكن عدداً من المواطنين الذين يسكنون في الأحياء القريبة من المطار وبعض أصحاب وعمال المطاعم التي تقع على مسافة أمتار من الحاجز الرئيس والكبير للمطار يؤكدون رؤية عناصر من حزب الله يتحدثون باللهجة اللبنانية.

ليس هناك امتعاض في صفوف المواطنين الأكراد والعرب والمسيحيين من وجود المربع الأمني والمطار. فوجود النظام يحمي المدنيين من القصف الجوي المدمر لطائرات النظام، إضافة إلى حصول الموظفين والمتقاعدين وعمال مؤسسات الدولة، على رغم توقفها عن العمل على رواتبهم الشهرية والتقاعدية من النظام، وتبقى دمشق الوجهة الأولى والأخيرة للحصول على علاج معقول للأمراض المستعصية والعمليات الجراحية الدقيقة مثل عمليات القلب المفتوح واستئصال الأورام والتي لا تتوافر في القامشلي بسبب عدم توفر الكوادر والأجهزة الطبية.

مصادر كردية مطلعة تؤكد أن العلاقة بين الإدارة الذاتية والنظام السوري في المدينة تخدم الطرفين لكن الرابح الأكبر هو الإدارة الذاتية، فالنظام يريد الإبقاء على علاقة مع هذه الإدارة التي صارت قوية جداً، وتستطيع خلال ساعة واحدة السيطرة على المربع الأمني والمطار.

حياة سياسية … عادية

هناك خلافات عميقة بين الإدارة الذاتية ومؤسساتها والمجلس الوطني الكردي المدعوم من رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني.

الإدارة الذاتية تتهم المجلس الوطني بالعمالة لتركيا والتنسيق مع المعارضة السورية السياسية والعسكرية والتي هي على خلاف كبير مع الإدارة الكردية بسبب إعلانها الفيدرالية من طرف واحد كما تدعي. وفي فيديو نشر على وسائل التواصل الاجتماعي يؤكد ابراهيم برو رئيس المجلس الوطني الكردي والذي طردته الإدارة الذاتية إلى إقليم كردستان، أن مهمة المجلس الوطني الكردي الأساسية العمل على تدمير هذه الإدارة الذاتية الكردية التي تعمل ضد مصالح الشعب الكردي وحقوقه في كردستان سورية.

تصريح يؤكد عمق الهوة بين الطرفين، لكن متابع الشأن الكردي يدرك بسهولة أن هذا الخلاف هو جزء من الخلاف الكبير والأساسي بين الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني الذي يدعم المجلس الوطني الكردي في سورية، والذي انضم إلى الائتلاف السوري المعارض، وبين حزب العمال الكردستاني الداعم القوي للإدارة الذاتية الكردية. وتقارب الطرفين الكرديين السوريين مرتبط بالتقارب بين أربيل وجبال قنديل حيث معاقل حزب العمال الكردستاني. جدار خرساني قيد الإنشاء، يفصل بين مدينة القامشلي مركز الإدارة الذاتية الكردية ومدينة نصيبين التركية حيث تشاهد دوريات الجنود الاتراك المسيرة والراجلة يومياً.

سقط جدار الخوف الكردي، تقول امرأة كردية كبيرة في السن تحمل بندقية وتقف مع مقاتلات كرديات في طريقهن إلى جبهة الرقة قرب حاجز للأسايش (الأمن الداخلي) وتتابع المرأة: «لم نعد نخاف من أردوغان وجيشه لدينا قواتنا التي تحمي شعبنا من الأعداء، نحن ندافع عن بلادنا ومدننا وقرانا».

لقد ظلمنا الغرب كثيراً وها هو يكتشف أن الشعب الكردستاني صديق يمكن الوثوق به.

أسألها: وهل يمكن الوثوق بالغرب والولايات المتحدة الأميركية تحديداً، بعد أن سمحت بقصف مركز الإعلام والاتصال لقوات الحماية الكردية فجر يوم الثلاثاء 25 نيسان 2017؟

لا ترد المرأة الكردية على السؤال، لكن القيادي البارز في الإدارة الذاتية آلدار خليل أوضح ذلك خلال لقاء معه في المجلس التشريعي للادارة الذاتية في مدينة عامودا : «بالتأكيد للولايات المتحدة مصالح في سورية ولدينا أيضاً مصالح نعمل على تحقيقها من خلال هذه العلاقة، لكن العلاقات والمصالح بين الدول قد تستمر لعقود وسنوات وخلال هذه الفترة سيعمل كل طرف على تحقيق أكبر مقدار من المكاسب من الطرف الآخر. نحن وبصراحة مطلقة نعتمد بالدرجة الأولى على قواتنا وإمكاناتنا الذاتية وعلى أنفسنا ولن نرهن إرادة شعبنا لأحد».

مصادر مقربة من وحدات حماية الشعب الكردي أكدت أن الولايات المتحدة أنشأت أكثر من أربعة مطارات عسكرية في مناطق الأدارة الذاتية، ويتردد مسؤولون بارزون من البيت الأبيض والبنتاغون وفي كل دوري على القامشلي ومن بينهم بريت ماكغورك المبعوث الشخصي للرئيس الأميركي لدى التحالف الدولي ضد «داعش» والجنرال جوزف فوتيل قائد العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط والجنرال ستيفن تاونسيد قائد قوات التحالف الدولي. كل ذلك النشاط السياسي والعسكري وتدفق الأسلحة الأميركية للمقاتلين الكرد لا يبدد مخاوف الكرد وقلقهم من أن تدير الولايات المتحدة ظهرها كعادتها للكرد ولأحلامهم وأن الطائرات التي تحمي السماء فوق وحدات الحماية الشعبية قد تترك مكانها للطائرات التركية، التي تنتظر الفرصة للانقضاض عليها وعلى أحلام الكرد في الحصول على حقوقهم القومية، في إطار سورية ديموقراطية فيدرالية جديدة.