Archived: سنوات القصف والعَبَث غيّرت المعالم المنسية لآثار إدلب

رزق العبي: كلنا شركاء

اتّخذت عشرات العائلات في بلدات ريف إدلب، من القرى الأثرية في محيط بلدة البارة مكاناً للسكن، بعد القصف المتكرر على بلداتهم، منذ عام 2012 وحتى أوائل 2016، حيث تنتشر هذه القرى الأثرية على مرتفعات جبل الزاوية، والتي كانت في السابق مسكونة بالحياة والناس والحضارة، لكنها هُجرتْ من قبل ساكنيها نتيجة القلاقل المتلاحقة، التي سادت المنطقة، وذلك في القرن التاسع الميلادي تقريبا، بحسب كتب التاريخ.

وبقيت هذه المدن والقرى، صامدة رغم عاديات الزمن، فهي مبنية بحجارة كلسية كبيرة على نمط العمارة “الرومانية – البيزنطية” منذ الألف الأول الميلادية، ويُطلق علماء الآثار على هذه المدن تسمية المدن الميتة والمنسية.

يقول عن هذه المدن، الآثاري “تشالينكو”، وهو عالم آثار أمريكي: “هذه المدن تبدو للعيان، وكأن أهلوها تركوها البارحة”، ومن أهم هذه المدن التي ما زالت تطالع الزائر بشموخها ومتانة بنيانها، (شنشراح، سرجيلا، بعودا، بشلا، مجلايا، كوبرا- بيرة أو بالسريانية، كفر دبرتا، دللوزة).

ونتيجة لأهميتها السياحية والعمرانية، فقد أدرجتها منظمة الأمم المتحدة اليونسكو في لائحة التراث الإنساني العالمي منذ ست سنوات خلت، لكن هذه الأوابد الأثرية المتميزة تعرضت لتخريب وعبث بحجارتها ومخططاتها العمرانية الأصيلة، فقد أصبحت ملجئا للكثير من العائلات النازحة عن قراها ومدنها، نتيجة قصف قوات النظام للبلدات، وخاصة في ريف إدلب.

وبعد ترك القرى الأثرية في الشمال السوري من قبل النازحين والعودة إلى قراهم المدمرة، شُوهدتْ بعض آثار الترميم الغير منتظم منها ما هو مرمم بالإسمنت المسلح وما هو مرمم بالطين، كما شوهدت آثار إشعال نار ضمن البيوت الأثرية وغيرها الكثير، عدا عن القصف المتكرر الذي يلحق بتلك القرى الأثرية من طائرات النظام، حيث دمر القصف عدداً من القطور، والأوابد الشاهقة.

يقول خبير الآثار والأكاديمي منصور زعتور لـ “كلنا شركاء”: “إن إشعال النار ضمن البيوت الكلسية القديمة يؤدي إلى زعزعة بنية الحجر الكلسية، لأن هذه الأحجار لا تقاوم الحريق، وبالتالي يؤدي إلى خلق قلاقل ممكن أن ينهار البيت أو الحائط بسبب النار، كما يوجد دور سلبي للمنظفات وأدوات الغسيل لما فيها من مواد كيماوية تؤثر أيضاً على بنية الحجر الكلسي”.

ووصف “زعتور” ترميم البيوت بالإسمنت والكلس “بالكارثة المدمرة للآثار وقيمتها” حيث يقوم هذا الترميم الغير منتظم بمسح معالم الحجر وقيمته الأثرية والتاريخية، لأن الإسمنت يطمس معالم الحجر، معتبراً أن الترميم غير المنتظم والمستخدم فيه الطين لا يؤثر كثيراً على الحجر، لأنه لا يغير في بنية الحجر شيئاً، بل من الممكن أن يحافظ على البيت الأثري من الانهيار.

ويختلف المواطنون حول هذه الآثار فمنهم من يرى أن لها قيمة أثرية وتاريخية كبيرة، ومنهم من يراها أحجاراً ولا ضَيْر في استخدامها من قبل النازحين.

محمد اللاطة، من أبناء بلدة البارة القريبة من تلك الآثار، يقول لـ “كلنا شركاء”: “هذه الآثار هي آثار أجدادنا وهي تاريخنا، وتاريخ حضارتنا هنا، والشعوب التي تنكر تاريخها هي شعوب غير مثقفة وغير ملمة بالحضارة الإنسانية، ومن واجبنا الحفاظ عليها وحمايتها من النهب والتلف والتخريب”.

بالمقابل يرى خالد العلي أن هذه الآثار “لا قيمة لها مقابل الإنسان الذي يموت الآن، وعلى الإنسان أن يستخدمها، أفضل من أن تهدم من قبل الطائرات الحربية، فما فائدة الأحجار إن لم يبق إنسان يسكنها أو يقدر تاريخها”.

وعما إذا كانت هذه القرى الأثرية تحوي كنوزاً وذهباً في الوقت الحاضر أكد “زعتور” أن هذه القرى لا يوجد فيها كنوز وذهب الآن، وخصوصاً أنها أرياف رومانية وبيزنطية كانت تعتمد على الزراعة وتربية الماشية، وإنما يوجد فيها قيم حضارية أكثر بكثير من المجوهرات، وخصوصاً أن أعمال التنقيب التي جرت في زمن العثمانيين والفرنسيين حصدت هذا الذهب إن وجد.

وشدد “زعتور” في ختام حديثه على الدور الحضاري لهذه القرى واللوحات الفسيفسائية والحمامات والمعاصر والقصور التي بداخلها، والتي تعد كنوزاً حضاريةً تغني الناظر إليها عن الكنوز من ذهب وفضة.

اقرأ:

أبعدوا الناس وانتظروا الموت… غاراتٌ مزدوجة تقتل متطوعين بالدفاع المدني في إدلب





Tags: سلايد