العميد الركن أحمد رحال: معركة الرقة.. هل هي أحد فصول كذبة داعش؟؟؟

العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء

أحد المواطنين السوريين كتب يقول: هناك كذبتان عشناهما خلال الثورة السورية, الأولى: كذبة داعش, والثانية: الحرب على داعش, لكن الحقيقة التي ما كذبوا فيها مطلقاً أن الشعب السوري بكلتا الحالتين هو من كان يموت وهو من كان يدفع من أجساد أبنائه ودمائهم فواتير الحساب.

وليس بعيداً عن هذا الحال ما حصل بجبهة الساحل, في 11_7_2013 عندما قام عناصر تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بقتل كمال حمامي “أبو بصير اللاذقاني” وكان حينها نائباً لرئيس الأركان وقائداً لكتائب العز بن عبد السلام العاملة بجبهة الساحل والتي يٌشهد لها مع كتائب الهجرة إلى الله أنهم كانوا من أقوى وأشرس الفصائل التي قاتلت عصابات الأسد وساهمت بشكل كبير بتحرير جبلي الأكراد والتركمان.

قتل القائد “أبو بصير” عصر اليوم الأول من رمضان بعد معارك تشهد برجولته وبسالته وقٌتل في موقع “نبع المر” وهو أحد المواقع التي حررها يوماً من نظام الأسد, قٌتل وهو صائم وبعد انتهاءه من صلاة العصر وبأوامر مباشرة من “أبو أيمن العراقي” أمير داعش في جبهة الساحل, وعندما اجتمعت الفصائل الساحلية لتثأر لمقتله ظن الجميع أن نهاية التنظيم في جبهة الساحل قد دنت واقتربت, لكن شيئاً لم يتغير, والمتغير الوحيد كان أن خرج القادة من الإجتماع الذي عٌقد لأخذ الثأر من “أبو أيمن العراقي” ليتقاطروا إلى مقر “داعش” لتبرير حضورهم الاجتماع وللتنكر للمقررات التي خرجت عنه بمظهر خسة وندالة لا تٌوصف عن هؤلاء الجبناء.

ما حصل بحادثة مقتل “أبو بصير” تكرر بهجوم “داعش” على قيادة كتائب “الهجرة إلى الله” ومحاولة قتل قادة الكتائب في مقرهم بمركز التنمية في بلدة “ربيعة”, وانتهت العملية بأسر 9 من القادة دون القائد العام (الملازم أول خالد رحال) وتم إعدامهم على يد “داعش” وقتل أيضاً الشيخ “جلال بايرلي” بشكل مباشر على يد “أبو أيمن العراقي” بعد أن حاول الشيخ التدخل للصلح بين داعش وكتائب الهجرة إلى الله, وحصل اجتماع بعدها في منزل الشيخ “خالد كمال” وكان صورة طبق الأصل عن الإجتماع الذي حصل بعد مقتل “أبو بصير”.

ما يمكن قوله: ان تنظيم  “داعش” كان ومنذ البداية موجهاً لاستهداف الثورة والقادة والفعاليات المؤثرة فيها وكان أحد العوامل الرئيسية التي أدت لفرط عقد الجيش السوري الحر وإبعاد الضباط المنشقين نحو الخارج بعد أن تخلت عنهم حاضنتهم الشعبية نتيجة خوفها من بطش أمراء “داعش” فشاركوا مع التنظيم باتهام الضباط بالكفر والردة, وكل تلك السياسات لداعش كانت تخدم أجندات مختلفة منها ما يرتبط مع أجهزة استخبارات الأسد, ومنها ما يرتبط مع إيران (معظم قادة القاعدة قالوا أن ملاذهم بعد التضييق عليهم بأفغانستان كان اللجوء لإيران وهذا ما أكده أبو حفص الموريتاني مستشار الشيخ أسامة بن لادن بلقاء متلفز), ومنها ما يصل لحد العمل بأجندات استخباراتية عالمية, وهذا ما يفسر التخبط الذي يعيشه التنظيم الآن بعد الانطلاقة القوية التي بدأ بها على حساب سياسة الرعب والخوف التي أوقعها بقلوب أعدائه نتيجة للجرائم المروعة التي ارتكبها والتي كان الذبح إحداها.

لكن الحقيقة التي برزت لدى تحليل قتال تنظيم “داعش” ألا قاعدة يمكن اعتبارها معياراً لتقييم قتاله في الجغرافية السورية, ففي الوقت الذي يدخل فيه مدينة “تدمر” وتهرب أمامه ميليشيات الأسد دون قتال يعود ليفاجئنا التنظيم بخروجه بنفس الطريقة من “تدمر” ودون جهد يٌذكر وكأنها عملية استلام وتسليم, وكذلك فالتنظيم الذي قاتل بشراسة ولعدة أشهر في محيط بلدة “مارع” في الريف الشمالي لمدينة حلب وحاول جاهداً كسر شوكة فصائل الجيش الحر والسيطرة على البلدة, نجده في اليوم الثاني ينسحب بكل سهولة وسلاسة أمام ميليشيات “صالح مسلم” وأمام “نظام الأسد” في المناطق المحيطة.

وفي الوقت الذي يٌقاتل فيه تنظيم “داعش” قتالاً حتى الاستماتة في مدينة “الباب” ضد الجيش الحر والجيش التركي, نجده منذ أيام وقد تخلى عن مطار “الجراح” ومدينة “مسكنة” وأكثر من 20 بلدة وقرية ومزرعة لصالح نظام الأسد دون قتال أو مواجهة.

حتى أنه ما سٌميت معارك مؤخراً مع ميليشيات “قسد” في مدينة “الطبقة الجديدة” (الحي الأول والثاني) وفي بلدة “المنصورة” وقرية “هنيدة” كانت في الحقيقة عبارة عن صفقات واتفاقات بين “داعش” و”قسد” خرج بموجبها عناصر “داعش” مرة أولى بسلاحهم الفردي ومرة ثانية بسلاحهم الثقيل دون أي اعتراض أو مواجهة حتى من قبل طيران التحالف الدولي الغربي المساند والمراقب لمسرح الأعمال القتالية, حتى أن روسيا خرجت عن صمتها وأعربت عن قلقها وامتعاضها من تلك الصفقات وهددت بقصف الخارجين من “الرقة” بل وأطلقت عليهم عدة صواريخ من نوع “كاليبر” عبر سفنها وغواصاتها المنتشرة بالبحر المتوسط, لان روسيا تٌدرك أن هذا الفائض من القوة لداعش الذي يتوجه نحو البادية السورية سيشكل جهداً قتالياً داعماً للتنظيم في جبهات “تدمر” و”دير الزور”.

منذ يومين تم الإعلان عن بدء معركة “الرقة” وأسموها “المعركة الحاسمة” وباشتراك رمزي لبعض المكونات العربية والعشائرية والتوركمانية التي تتلطى براية حزب البي واي دي ولا تخرج عن أوامره ولا سياساته الانفصالية, فقط لواء ثوار الرقة والذي يٌشكل رقماً وثقلاً عسكرياً كونه من أبناء الرقة الفعليين تم الوشاية به للتحالف واستبعاده بحجة أن له خلايا نائمة داخل مدينة “الرقة” وأنه قد يٌشكل خطراً على قوات التحالف الغربية المشاركة بالعملية البرية.

الهجوم الذي بدأ من ثلاثة محاور وعبر ثلاث قطاعات وتم توزيع القوات عليها وفقاً لقواعد قومية وسياسية وليس وفقاً لمقتضيات الحاجة والضرورة العسكرية, فقد تم الزج بقوات “النخبة” التابعة لتيار سورية الغد على الجبهة الشمالية الشرقية, وميليشيات “قسد” على الجبهة الشمالية الغربية, وحزب “البي واي دي” (فرع حزب البي كي كي في سورية) على الجبهة الغربية, وبرزت خلال تلك الملامح نقاط عدة تستدعي التوقف عندها:

النقطة الأولى:  أن استبعاد لواء “ثوار الرقة” تظهر ما تضمره ميليشيات “قسد” من التحضير لضم مدينة “الرقة” العربية (مساحتها ضعف مساحة لبنان) لإقليم انفصالي في الشمال السوري يسمونه “روج آفا”.

النقطة الثانية: أن توزيع الفصائل على المحاور أظهر حالة عدم الانسجام وعدم الثقة بين المكونات المشاركة بالمعركة بعيداً عن كل المحاولات الإعلامية التي يحاول حزب “صالح مسلم” إظهارها.

النقطة الثالثة: الجميع يعلم ان ما يسمى “جيش الثوار” أو “جيش الغدار” كما يحب أبناء المنطقة تسميته, وهم مجموعة شبيحة عرب قادمون معظمهم من “جبل الزاوية” في إدلب ويعملون تحت قيادة “قسد” في محيط بلدات “منخ” و”تل رفعت” ومدينة “عفرين”, فكيف وصل هؤلاء إلى محيط “الرقة” ولا طرق توصلهم إلا عبر طريقين: الأول عبر الأراضي التركية وهذا أمر مستحيل الحدوث, والثاني عبر مناطق سيطرة عصابات الأسد في الريف الحلبي الشمالي والشرقي, وهذا ما تم فعلاً بعد صفقة مع حليفهم الأسد تم من خلالها نقل حوالي (200) عنصر عبر مرافقة روسية عبرت من خلال مواقع النظام والتحقت بمعركة “الرقة”.

النقطة الرابعة: أنه لاول مرة تكون مشاركة التحالف الدولي ليس عبر الإسناد المدفعي والصاروخي أو عبر التغطية الجوية والمعلومات الاستطلاعية والاستخباراتية, بل تعداها لنجد قوات أمريكية وفرنسية وألمانية على خطوط القتال الأولى, الامر الذي طرح الكثير من إشارات الاستفهام والتساؤل:

هل المعركة محسومه ومتفق على فصولها كما فعلت “روسيا” بمسرحية معركة استعادة “تدمر” الثانية وبالتالي لا خطر على تواجدهم في المقدمة؟؟؟

أم أن هناك توجس من فشل عسكري وعدم ثقة بحلفائهم مما اضطرهم للوجود بالصفوف الأولى؟؟

الشارع السوري الحر له قناعات بأن كل مخططات تنظيم داعش وكل ما فعله بكتائب الثورة السورية وعبثه بمفاصلها واغتياله لكبار قادتها وسيطرته على محافظة الرقة ودير الزور, كلها ألاعيب هناك من أمن له طرق الوصول وهناك من خطط له دروبها والأسماء الواجب التخلص منها, وتلك القناعات لا يقبل معظم السوريين تغييرها ولديهم من الأدلة والشواهد ما يؤكد نظرتهم وقناعاتهم, لذلك بدأ يٌتداول سؤال اليوم: هل ما يٌشاع عن معركة بالرقة يدخل ضمن أٌكذوبة الحرب على الإرهاب؟؟

أم أننا أمام عملية نقل جهود التنظيم نحو مواقع أخرى كدير الزور ومحيط تدمر والبادية السورية مثلاً؟؟

هناك مثل شعبي سوري يقول: “كتر الطباخين بيحرق الطبخة”, ويبدو أن طهاة داعش وطباخيه اختلفوا, وهم يٌسارعون اليوم جميعاً ليحقق لهم التنظيم غاياتهم, وقد تحترق طبخة “داعش” نتيجة كثرة أيدي العابثين والطالبين والمنفذين والأجندات.

العميد الركن أحمد رحال

محلل عسكري واستراتيجي





Tags: سلايد