العميد الركن أحمد رحال: مجلس عسكري أعلى أم جيش وطني؟؟؟

 

العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء

في المفاهيم العسكرية كل تشكيل أو وحدة قتالية ليس تحت السيطرة ولا يتلقى أوامر وتعليمات من القائد الأعلى فهو خارج الجهد القتالي ولا يدخل في حسابات المعركة وعوامل الربح والخسارة.

قيادة أركان الجيش الحر التابعة للحكومة المؤقتة, جميعنا يعلم أنها قيادة بدون مرؤوسين ولا يتبع لها أي فصيل أو تشكيل ولا تسيطر على أحد ولا تملك سلطة اتخاذ القرار العسكري في المعركة ولا تعبر من خلالها أي إمدادات لوجيستية, ولا يخضع لها أي تسليح أو تذخير أو تمويل للفصائل, وبالتالي فكافة فصائل وتشكيلات الثورة التابعة للجيش الحر وخلافها هي خارج سيطرة القيادة وخارج الجهد القتالي وخارج أي حسابات عسكرية, فكيف يأتي النصر وكيف تكون النهاية؟؟

مع بداية تشكل كتائب الجيش الحر ومع أن قيادته كانت رمزية وغير مفعلة واقعياً بغرف عمليات مشتركة بين كل جبهات القتال الموزعة على الجغرافية السورية, لكنها امتازت بوحدة المسعى والهدف وبوحدة الأجندة والعقيدة وبوحدة قتالية نوعاً ما, لا حواجز داخلية ولا تقاسم جغرافيا ولا حدود والكل يعمل للكل ووصلت المناطق المحررة مع نهاية 2012 وقبل ظهور التنظيمات الإسلامية والرايات السوداء لأكثر من 65% من المساحة السورية.

مع العبث الخارجي ما بين أجندات دولية وإقليمية وعربية وما بين داعم خاص توزعت القيادات ومع تشتت الفصائل, ضاع الجيش الحر وانتقلت السيطرة لمن هم باحثون إما عن إمارة أو خلافة أو أمجاد شخصية ماعدا قلة قليلة ما زالت تحافظ على النهج وتحترم تضحيات الشعب السوري الحر وتعمل لتحقيق أهدافه.

ومع دخول الميليشيات الإيرانية وتوابعها من لبنان والعراق وأفغانستان والباكستان والقومجيين العرب إضافة لطيران وجنود الاحتلال الروسي, بقيت فصائل الثورة على نفس الطريق وبنفس العقلية القتالية دون تغيير أو تبديل, وبقيت القرارات الفردية هي من تسيطر بعيداً عن أي فكر عسكري خاصة بعد إبعاد كتلة الضباط المنشقين كونهم كفرة ومرتدين كما تقول بعض التنظيمات وكونهم بعثيين وأسديين كما يقول البعض الآخر, وهكذا تبعثرت الجهود وغاب التكتيك وبقيت الثورة دون توجيه أو قيادة تستطيع مواجهة كل القتلة والقادة الذين استقدمهم نظام الأسد من كل أصقاع الأرض.

في المرحلة الأخيرة وبعد الحال الذي وصلت إليه الثورة وبعد القناعة التي وصلت للبعض بضرورة توحيد الجهود ومع ضغوط متزايدة من الحاضنة الشعبية بضرورة توحيد الصف والسعي لخلق جسم عسكري موحد يستطيع متابعة الطريق بعد الخسارات والتراجعات التي حصلت في المناطق المحررة وخصوصاً بعد خسارة مدينة حلب, بدأت تخرج أصوات تدعوا لإيجاد جيش وطني يستطيع أن يكون الحاضن والراعي الذي يستوعب كل الفصائل التي تؤمن بأهداف وتطلعات الشعب السوري, وأمام بعض العقبات هناك من طالب بإيجاد مجلس قيادة أعلى على الأقل يستطيع قيادة الجهد القتالي للفصائل ضمن غرف عمليات موحدة دون الاقتراب من قيادة الفصائل.

اليوم ومع بعض التغيرات في المزاج الدولي ومع التطورات التي لحقت بتغير الموقف الأمريكي بعد وصول الرئيس “دونالد ترامب” للبيت الأبيض والتي أعادت الروح نوعاً ما بإمكانية رؤية أفق حل قادم, ازدادت المطالبات بإيجاد جسم عسكري موحد للثورة, القيادة السياسية الممثلة بالائتلاف الوطني والهيئة العليا للمفاوضات وبما تملكه من شرعية داخلية وخارجية مدعوة اليوم لتنفيذ هذا الاستحقاق لعدة أسباب أهمها قطع الطريق عن الذرائع التي يتحجج بها المجتمع الدولي من عدم وجود المؤسسة العسكرية الضابطة والرادعة والقادرة على أن تكون البديل الشعبي والحقيقي لجيش الأسد الذي قتل أهل سورية, وأيضاً يكون هذا الجسم العسكري الضامن لحماية النسيج السوري بكل مكوناته بعيداً عن سياسات الثأر والانتقام والفوضى فيما لو سقط نظام الأسد ويستبعد أي فراغ بالسلطة.

كل عناصر الحل موجودة بدءاً من المنشقين من ضباط وصف ضباط وأفراد وصولاً لكتائب الجيش الحر التي ما زالت تحافظ على موقعها ومروراً أيضاً بكل من حمل البندقية لإسقاط “الأسد” وحماية الشعب السوري, وبناء شبكة من مقرات السيطرة ومقرات الاتصال ومقرات المراقبة مع منظومة أمنية ليس بالأمر العسير ولا الصعب بناءً على المقدرات والإمكانيات التي تملكها الكوادر المنشقة من مهندسين وفنيين وأصحاب الخبرات إضافة للضباط, ويبقى فقط تفعيل الإرادة بالتغيير والتجميع لدى القادة الفعليين الموجودين الآن على الأرض.

فهل نكون أمام صحوة ضمير من قبل الكل ولصالح الكل ونستطيع توحيد الجهود والالتقاء حول أهداف ومطالب تحقق لهذا الشعب ما يستحق بعد كل التضحيات التي قدمها؟؟

وهل تتوحد آراء أهل السياسية والقائمين على قيادة الثورة سياسياً ببناء هذا الجسم العسكري بعيداً عن الأحزاب والتيارات والتجمعات السياسية ويكون جيش الوطن ولكل الوطن؟؟

الواقع يقول لا أحد متضرر من تلك الفرقة خارجياً وهناك من هو مستفيد منها داخلياً, ووحدهم أهل الثورة من يدفعون من دمائهم فواتير تلك السياسات العبثية واللامجدية والتي كلفت الثورة أثماناً باهظة وأطالت بعمر نظام الأسد.

الاجتماعات التي حصلت مؤخراً من قبل بعض القادة السياسيين مع بعض قادة الفصائل كانت خطوة خاطئة بحيث عادت لتكريس نفس العقلية ونفس الأسلوب ونفس الأشخاص عندما اجتمع أصحاب نفس النهج والطيف مع قادة فصائل وتنظيمات يناصرونهم بالتفكير والتبعية واستبعدوا كل من لا يتوافق مع أفكارهم, وتلك كارثة إن كنا بعد ست سنوات سنعود لتكرار نفس التجارب الفاشلة والمجربة والتي ما حصدنا منها إلا مزيداً من فرقة الصف والتشتت والضياع.

كل عناصر القوة تتوافر لدى مفاصل الثورة, وكل مقومات النجاح بين الأيادي لكنها تحتاج لمن يفعلها ويوجهها وينتزع الـ”أنا” من الصدور لتحل مكانها الـ”نحن” ونستطيع من خلال تلك الوحدة قيادة سفينة الثورة وعبورها بأهلها وشعبها الثائر إلى بر الأمان.

فهل نكون على قدر المسؤولية؟؟؟

نكون أو لا نكون هو شعار المرحلة القادمة وأرجوا ألا نخيب ظن من وضع ثقته بنا.

العميد الركن أحمد رحال

محلل عسكري واستراتيجي