Archived: سميرة المسالمة: المعارضة والنظام سباق الاتجاه المعاكس

سميرة المسالمة: كلنا شركاء

تقف المعارضة السورية اليوم وجهاً لوجه أمام حقائق كانت تحاول تجاهلها ، أو التغاضي عنها ، كمحاولة تمسك غريق بقشة ، فمنذ العام الأول للثورة والولايات المتحدة الأميركية ” الداعم الرئيسي لمجموعة أصدقاء الشعب السوري ” تمارس سياسة التصريحات والتصريحات المضادة ، فيما يتعلق بموقفها الحاسم وغير الحاسم ، من مسألة رحيل الأسد عن حكم سورية ، حيث لعبت هذه التصريحات على كسب عامل الزمن ، لاغراق سورية بتفاصيل المبادرات الواهية واحدة تلو الأخرى ، وصولاً إلى وثيقة فيينا٢ .
لم يكن الاستسلام الأخير للرؤية الروسية حول الحل المنشود للقضية السورية هو بداية التفاهمات الأميركية الروسية المعلنة ، فقد استوضحت المعارضة السورية بجلاء تام الموقف الأميركي القريب جداً من الموقف الروسي إثر استخدام النظام للسلاح الكيماوي في الغوطة في ٢١ آب أغسطس ٢٠١٣ ، حيث اكتفى وزير الخارجية جون كيري آنذاك في ٩ سبتمبر من العام نفسه باعطاء مهلة أسبوع للنظام لتسليم أداة الجريمة ( السلاح الكيماوي ) .
وبذلك أسقطت أميركا كل امكانية لحراك آخر يتقصى الجريمة والعقاب عليها .
ولم تكن مواقف الدول الأوربية الداعمة بأفضل حال من الموقف الأميركي رغم ارتفاع وتيرة تهديداتها ” الإعلامية ” حادثة إثر أخرى ، وقد أحبط البرلمان البريطاني في ٢٩ آب أغسطس ٢٠١٣كل أمل في أي دور لبريطانيا في الملف السوري . ولحقت أوروبا على اختلاف درجات التوتر بهذا الموقف الصامت ، الذي تحول تدريجياً خلال الحرب المنشودة على الأرهاب لأن تكون الأولوية لهذه الحرب وبمشاركة الدول الداعمة للنظام إلى تسريبات حول دور جيش النظام ومركزيته في هذه الحرب دون اعلان واضح ، لتنتقل التصريحات إلى المواربة فيما يتعلق بمصير الأسد والمرحلة الانتقالية من ” بدون الأسد ” إلى تجاهل هذه النقطة الخلافية لتصل إلى إمكانية بقائه خلال المرحلة الانتقالية ثم الخلاف حول حقه في الترشح لولاية رئاسية جديدة .
وقد قلصت الدول الداعمة جهود المعارضة اليوم وفق مبادرة فيينا٢ ، وحددتها كمرجعية لأي جهد سياسي مما يعني الانقلاب على مرجعية جنيف ١و٢ ، رغم أن كل ما صيغ بهذين المؤتمرين من أوراق ومباحثات كانت حصيلة توافقات بين النظام وروسيا من جهة وبين الولايات الأميركية من جهة أخرى بوساطة أممية وفلسطينية وبموافقة معارضة الداخل ، إلا أن تغيير واقع المعركة عبر التدخل المباشر لروسيا جعلها في موقف الأقوى للانقلاب على جنيف 1و2 .
فعمدت إلى خلط الأوراق من جديد لتنتج أكثر من معارضة ،وأكثر من مؤتمر ، وتذهب بموافقة دولية وتواطؤ من أصدقاء الشعب السوري إلى انتاج مرجعية جديدة ، تتوافق مع رؤيتها للقضية السورية ، وتغيير الهدف الرئيسي للمعارضة ، من فعل أساسي ضد النظام ، إلى فعل رئيسي ضد الارهاب ، الذي ُصنع أساساً بفعل سياسات الاستبداد والقمع ، والتراخي الدولي حيال وضع نهاية للحرب الدائرة في سورية على الشعب السوري منذ خمس سنوات .
، وما نلمسه من تسليم الأمور للجانب الروسي والتوافقات الحاصلة بين روسيا وأميركا في هذه العملية الخاضعة لتسويات دولية على حساب القضية السورية الأساسية ، والتي نعرف أنها لن تنتج أي حل سياسي حقيقي على الأرض ، بل ستكرس الاقتسام الحاصل الآن في النفوذ على الساحة السورية ، وبالتالي استمرار المعاناة وربما تزايد عدد الضحايا في ظل سعي كل طرف “وهم كثر ” لتوسيع نفوذه وسيطرته على الأرض .
ورغم أن الحل السياسي الحقيقي ليس بين كل الخيارات الموضوعة الآن أمام المعارضة على طاولة مانتج عن مؤتمر الرياض الذي عقد كنتيجة للمؤتمر الدولي فيينا ٢ ، وحراك الهيئة العليا للمفاوضات دولياً في محاولة لاستعادة ماخسرته من مواقف أصدقائها ، إلا أن وقائع الحالة السورية تؤكد ابتعادها عن الحل السياسي لمصلحة الحل العسكري ، الذي انتهجه النظام منذ اليوم الأول لانطلاقة الثورة ، وحتى اطباقه على المدن كحصار مضايا والزبداني وداريا ومناطق أخرى في الغوطة ، والكارثة التي يعد المجتمع الدولي لتقبلها في دير الزور بعد استمرار تجويعها لنحو عام كامل .
الصمت العالمي الذي شابه بعض المطالبات الرقيقة وغير المزعجة للنظام الحاكم في سورية ، للسماح للمساعدات بدخول المناطق المحاصرة وتحديداً مضايا ، لايوحي على الاطلاق بامكانية تبني المجتمع الدولي -متمثلا بالدول المشاركة بمؤتمر فيينا ٢ – لمسار الحل السياسي وفرضه على الأسد ، رغم أنه يمثل الحد الأدنى لمطالب المعارضة الحقيقية غير المصنعة روسياً ، وهو أقرب إلى تنفيذ نظام الأسد بعض الاصلاحات الشكلية على سياساته ، وتوسيع المشاركة بالحكومة والبرلمان لجهة أخرى غير حزب البعث، و ربما لن تكون أفضل حال من مشاركة أحزاب الجبهة التقدمية خلال العقود الماضية بالحكومات البعثية المتتالية .
تسويق المعارضة نفسها أمام المجتمع الدولي كمتحمس لدخول حلبة التفاوض على أرض جنيف ٣ ، يقابله تسويق النظام نفسه كمسيطر أساسي على مداخل ومخارج سورية المفيدة ، التي ترعاها الحرب المعلنة على الأرهاب لتكريس الخارطة الجديدة للمنطقة .
إنه السباق بين الطرفين لكن بالاتجاه المعاكس .
سميرة المسالمة
كاتبة واعلامية سورية





Tags: مميز