on
د. سميرة مبيض: اللغة، كأداة لتفكيك سوريا
د. سميرة مبيض: كلنا شركاء
في حين نصت النسخة المتداولة عن الدستور المزمع فرضه على السوريين على وجود لغتين رسميين للبلاد (العربية و الكردية) داخل ما عرف بمناطق الحكم الثقافي الذاتي الكردي، فان أي دستور وطني تضعه أيد سورية يجب أن ينص على الاعتراف بعدة لغات وطنية لكافة القوميات التي تعيش على أرضها و أهمها العربية، الكردية، السريانية والأرمنية وأن تكون دراسة أي لغة ثانية اضافة الى اللغة الرسمية أمر متاح لأي طالب سوري في أي جزء من سوريا.
أما أمر التقسيم اللغوي المناطقي القومي الذي نراه في الدستور المفروض علينا فهو تمهيد لأمرين متتابعين:
- الأول هو تهجير قسري لجزء من الشعب السوري من المناطق التي تقع تحت الحكم الثقافي الذاتي الكردي بهدف أن تتحقق نسبة السكان الغالبة لكي تستخدم المنطقة لغة أكثرية السكان ان كان موافقاً عليها و ذلك بحسب الدستور الافتراضي الروسي و بذلك يصبح السريان و العرب و التركمان و غيرهم من القوميات غير مرغوب بوجودهم في مناطق الشمال السوري. كي يطبق بند الأغلبية السكانية و سيتعرضون للتهجير و تزييف في الإحصاءات السكانية و تغيير في نسب السكان كما حصل في مناطق الإدارة الذاتية شمال سوريا منذ اطلاقها.
- الثاني هو التمهيد لانفصال حتمي لاحق حيث يفترض هذا البند وجود لغتين رسميتين للدولة في هذه المناطق ويعد ذلك تقسيماً ضمنياً يصبح واقعا على المدى البعيد فالتعاملات الإدارية الرسمية ولغة التعليم الأساسي ستفرض مستقبلاً انقساماً مجتمعيا لغوي غير موجود اليوم في سوريا ويتم اصطناعه بهدف التقسيم الفعلي.
تأتي هذه المحاولات بعد رفض مطلق لتقسيم سوريا من قبل أغلب كيانات المعارضة السياسية السورية و رفض نظام الفيدرالية الغير قابل للحياة و التوافق حول تفضيل نظام الإدارة اللامركزية بهدف قطع الطريق على محاولات تقسيم سوريا و اقتطاع جزء منها كما يسعى حزب البي واي دي الانفصالي مهددا كافة المكونات الموجودة على هذه الأرض تاريخياً بالتهجير و التنكيل. فيحاول هذا الدستور المزمع فرضه على السوريين تطبيق سياسة الأمر الواقع عبر استخدام اللغة كأداة لتفكيك سوريا.
أما الاعتراف بوجود وأهمية عدة لغات وطنية سيكون عامل تماسك و تبادل ثقافي معرفي ضمن الاطار السوري الجامع. فاللغة العربية لغة أغلبية المواطنين السوريين و هي اللغة الرئيسية بحكم الأمر الواقع و كما في أي دولة عالمية فان اتقان اللغة الرسمية للبلاد شرط لنيل جنسيتها فهي العامل المشترك الأول لتسيير الأمور الإدارية و الرسمية بشكل صحيح و الحفاظ على إمكانية تواصل المواطنين فيما بينهم. أما وجود لغات تدريس وطنية أخرى تدرس بنسب متفاوتة حسب الطبيعة الثقافية لكل جزء من سوريا فهو واجب حتمي يسمح بتعرف كل سوري على لغة حية على أرضه للتعرف على ثقافة الآخر و الانفتاح عليه و احترام عاداته و تقاليده.
هذا هو التقديم المنطقي للغة في الدستور السوري كعامل رابط وليس مفكك بين أبنائها و مناطقها لكن هذا الدستور لم يكتب بأيد سورية و هنا يكمن كل الفرق. بين من يرغب ببناء دولة قوية على أساس تطوير و تحديث مفهوم الهوية السورية القائمة على التنوع التاريخي لهذ المنطقة نحو الأفضل و من يرغب بتحطيم هذه الهوية و بناء مناطق هزيلة ضعيفة متناحرة فيما بينها مستنهكة بالحرب الدائمة غير قادرة على تأسيس استقرار و ازدهار لأبنائها بينما تستغل خيراتها و مواردها لبناء استقرار و ازدهار دول أخرى.
والاختيار لمن امتلك العقل من السوريين واضح أما من امتلك العصبية القومية فاختياره سيكون الصراع و بيع النفس لشراء الأسلحة و تحقيق سلطة وهمية لا يملكون من أمرها شيئاً.
العقد شريعة المتعاقدين و الدستور عقد اجتماعي و السوريون لم يوقعوا على أي عقد و لن يكون الا ما يطبق على ارض الواقع و لن يطبق الا عقد يسعى لمصلحتهم جميعاً تكتبه عقولهم و أقلامهم و ضمائرهم.