on
Archived: نوار الماغوط: المكهوفون …
نوار الماغوط: كلنا شركاء
طلبت مني صديقتي الإيطالية وهي مديرة برنامج تدريبي عالمي للإعلاميين العلميين أن أبدي رأيي بحال البحث العلمي و العلوم والتكنولوجيا في البلدان العربية بعد ثورات الربيع العربي فأجبتها بالرسالة التالية :
صحيح أنه بعد أن أضرم محمد البو عزيزي النار في نفسه , أنهى بذلك ماضيه وحاضره , لكن ناره لم تنطفئ و ألهبت مشاعر ملايين أخرين من ابناء جلدته , , وانارت كهوف كرامتهم المعتمة و الاَسنة رغم أن معاناتهم لا تقل قسوة و ألماً عنه , بل ربما تزيده في بعض البلدان .
لم يجد الإنسان في هذه البلاد ما يجابه به النظم الفاسدة و الحكام الطغاة والفقر المحيط به من كل جانب سوى مساحة متر بمترين في الارض يدفن فيها، بدليل هذا الإندفاع المفاجيء نحو الموت رفضاً للمذلة.
مع احترامنا لكل فاصلة ونقطة في بحوثنا العلمية ، ولكل برغي وعزقه في إختراعاتنا ولكل ذرة و قارورة في مخابربنا , مع تقديرنا لجميع من يعمل في هذا المجال في الوطن العربي ولكن أود ان أسأل :
ما الفائدة من البحوث العلمية إذا كانت بمعظمها تابعة لإدارة الامن القومي و وزرارة الدفاع ؟
ما الفائدة من أن تكتب عن العلوم في هذا البلدان , ولست قادراً على تغيير حذاء إبنك المهترء أو شقتك السكنية الرطبة في القبو و غير قادرعلى منع بلدية منطقتك من قطع شجرة معمرة في حييك
أما الذين يحدثونك عن طفرة في البحث العلمي والطاقة البديلة و النانوكنولوجي في دول الخليج فأجيبهم بالتالي : كيف يمكن ان يحدث هذا ومعظم المدن الكبيرة في هذه البلدان لا يوجد فيها شبكات صرف صحي وإن وجدت فبمعايير متدنيه علمياً بحيث زخة مطر بسيطة لمدة ربع ساعة تمتلئ الشوارع الرئيسة فيها بمياه الامطار ممزوجةً بمياه الصرف القادم من المصانع و المشافي و المساكن والمتجه نحو البحر من دون معالجة ما يؤدي إلى التلوث ونفوق الأسماك و إنتشار الروائح الكريهة وخروج الشواطئ من الخدمة السياحية.
كيف يمكن أن تكون دول النفط طفرة في العلوم ولديها أكبر مدن ملوثة في العالم من ناحية مصانع تكرير و استخراج النفط مروراً بالمدن الصناعية دون مراعات التدابير الوقائية الضرورية لحماية البيئة و الإنسان .
كيف يمكن ان تكون هذه الدول متقدمة تكنولوجياً ومعظم مواطنيها و مقيميها يشربون من مياه الأبار وقليل منهم تُحلى مياه البحر بتكلفة مرتفعة جداً وتنقل الى مدنهم البعيدة من اجلهم بينما المدن القريبة من محطات التحلية محرومون منها
كيف يمكن ان تكون كبرى بلدان الخليج متقدمة علمياً وفيها أسوأ نظام سير في الوطن العربي و لديها اعلى نسبة حوادث مسببة للوفيات داخل المدن في العالم .
كيف تَعد هذه الدول بإحداث نقلة نوعية في المعرفة والبحث العلمي من خلال نقل وتوطين تكنولوجيا الطاقة الخضراء في العالم العربي وهي من اكبر الدول التي تردم بحارها وتشجع على ذلك بهدف إستثمارات تجارية أخر إهتماماتها البيئة.
و ما جدوى أن يكون لدى الدول العربية الكثير من التشريعات الخاصة بالبيئة والبحوث العلمية ، ولكن لا يتم تطبيقها .
ثم، لم وجدت هذه البحوث أصلاً ؟ أليس من أجل مستقبل الانسان وتعزيز العلم و المعرفة بين الامم ؟
فأين مثل هذا المفهوم الآن فيما بيننا؟
لا أرى أي تفاهم بين السلطات العربية وشعوبها سوى تفاهم الجزار مع خرافه وحوارالشعارات المكبوته مع الدبابات وراجمات الصواريخ.
ماذا يفعل العالم الكبير أمام صفعة شرطي مثلاً؟
أو باحث ومخترع على مرمى رشاش أو شظايا قذيفة؟
فقبل احترام العلوم يجب احترام الانسان الذي هو هدفها النهائي.
وبالتالي لا يمكن أن تتقدم هذه الشعوب العربية إلا عندما تتجمع لديها الرغبة ليس بالموت بل بالحياة و أن تحسها بكل تفاصيلها وتقوم بثورة أولاً : ضد عبوديتنا و ممارساتنا الادارية الفاسدة وسلوكنا الشحصي المقرف تجاه بعضنا و تجاه البيئة المحيطة بنا وثانياً : ضد تخلفنا العلمي والادبي الذي ينام في عقولنا منذ قروون .
وبذلك سنرى أنفسنا كباراً أحراراً و كم هي حكوماتنا أسيرة وخاضعة لإرادتنا.
نوار الماغوط
كاتب مختص بالشأن البيئي
Tags: مميز