on
يمان دابقي: مجازر الغوطة وخان شيخون… الصور الحق لسقوط العالم
يمان دابقي: العربي الجديد
عندما اجتاح التتار بغداد طُلب من إحدى علماء ذاك العصر توصيف المشهد لما حدث للعالم من ذهول إثر الصدمة من بشاعة المنظر، بحق انتهاك أعراض المسلمين، وقف العلماء حائرون عاجزين عن التعبير لدرجة أنهم قالوا يا ليتنا متنا قبل هذا وكنا ترابا منسيا، لا يختلف حال أهل بغداد عن حال السوريين وما يجري في سوريا على مدار ست سنوات من فتك بأعراض المسلمين ليس من نظام الأسد فقط بل من العالم بأسره الذي يثبت لنا كل يوم أنه ساقط أخلاقياً وإنسانياً تحت أقدام أطفال خان شيخون وأطفال أهلنا في الغوطة الشرقية وفي كل بقعة سورية روتها دماء السوريين.
لم تعد اليوم الكلمات تفي بالغرض لوصف ما يجري في سوريا إذ غدت الصورة تعبر عن ذاتها وتنصف نفسها بنفسها قبل أن تصبح في متناول الجميع ويتم قذفها بين النفي والإثبات، فما حدث من فاجعة الرابع من نيسان في خان شيخون بريف إدلب أصابت كل من يمتلك ذرة ضمير في عالم الإنسانية صدمة ذهول إلا أن هذه الصدمة لم تصب إلا ما به ألم وأي داء وألم أكثر من مصاب أهالي خان شيخون.
من يتحمل فاجعة كتلك التي أصابت عبد الحميد وقد ودع أطفاله التوأم وزوجته وجميع أقاربه فقد شهد يوم كيوم القيامة وهو أحد الناجين بجسدٍ لم يعد يحرك ساكناً بعدما غادرت روحه مع اول حفنة تراب على رفاة أبنائه.
يوماً بعد يوم يثبت لنا قادة العالم أن أخلاقهم دفنت تحت أقدام السوريين، إذ لا يمكن لأي آدمي يمتلك القوة أن يبقى عاجزاً عن تلك المشاهد التي تناقلتها وسائل الإعلام تلك الأرواح التي تسابقت بالصعود إلى ربها لتنعي لخالقها موت الإنسانية وموت الضمير العالمي عسى الله يُسارع في قراراه لتحقيق عدله في هذا العالم ولو كان على حساب نهايته، وما هذه المفارقة إلا لوصول السوريين لنتيجة مفادها هي الشوق للعدالة الإلهية بعد اليأس الذي أصابهم من عدالة البشر، وشتان ما بين هذا وذاك.
لا يوجد شعور أقسى وأشد من شعور العجز عن عدم التحرك لإنقاذ البشر من المحرقة التي يندد بها مجرمي العصر ولا نستثني بهذا الواقعة أحد ولا حتى العرب فهم الأكثر وقاحة من الغرب وليس غريباً عليهم بعدما نعى العالم وفاتهم في قمة السقوط العربية، عند هذا المطاف لا يمكن للميت أن يسعف الميت خصوصاً أن موتهم الأخلاقي والإنساني نعته مواقفهم الداعمة للأنظمة الفاسدة فلا نستغرب بعد اليوم دعمهم للديكتاتورية وهم يهرولن في مشاركتهم وأد الثورة السورية التي بنجاحها ستهدد عرشوهم المتهرئة المصبوغة بلون دمائنا.
لم يعد الموت يؤثر بدول العالم فهو في نهاية المطاف يبقى موت سواء كان بدماء أو بغير دماء المهم هنا التركيز على المصالح بين الدول الكبرى المبنية على حسابنا فدمائنا هي رخصة الإعمار والأرصدة للمؤسسات العالمية والدولية، وبدون موتنا سنسبب بأزمة لهم وربما ببقائنا على قيد الحياة نكلف تلك الدول خسائر اقتصادية كبيرة لذا يترتب عليهم إعطاء رخصة وتمديدها لخير ممثل لهم في دول الشرق الأوسط إنه بشار الأسد صاحب السمو في السيادة الوطنية إذ لا يوجد رئيس في العالم طبق السيادة الوطنية كما طبقها آل الأسد على شعبهم فمنذ مطلع الثمانينات أعطى سيادته درساً للعالم في مفهوم تسيد الاستبداد على نفس الشعوب ، وعاد ليكرر الابن بشار ليعطي العالم حكمة مفادها لن يستطيع أحد من دول العالم ولا حتى أمريكا ان تفتك بشعبها كما أنا فعلت بشعبي، فانظروا إلى الغوطة الشرقية لتروا كيف قتلت شعبي بدون حتى قطرة دم واحدة، وإن لم تصدقوا أنظروا اليوم إلى أطفال خان شيخون حتى تتأكدوا كيف يتم التفنن بالموت من غاز الكلور إلى غاز السارين حيت الموت المؤكد ولا خلاف عليه.
ست سنوات والأسد يقول لإسرائيل ولأمريكا ولروسيا ولإيران أن خير ممثل لكم في قتل أبناء جلدتي، وأرضي هي خير مكان لتطبيق مشاريعكم وأحلامكم على حساب أحلامي شعبي.
هذه الصور أيها السادة ليست صوراً بلاغية لدرس في الأدب العربي إنها حقائق نفذها الأسد برخصة المجتمع الدولي حتى بات اليوم مهدد بإرهاب دولي ويقف محرجاً أمام بشاعة تلك الصور التي وصلت بظرف ساعات لجلسة مجلس الأمن حيث رفعتها سفيرة الأمم المتحدة نيكي هيلي حتى يراها كل من حضر ولكن وقاحة المندوب الروسي كانت حاضرة مدعياً أن هذه الصور مفبركة ولا أساس لها، أما الأشد وقاحة هو الإعلام التونسي الذي طبل وهلل لإعلام بشار الأسد في تدمير مصنع للإرهابين في خان شيخون واصفاً الوقعة بكلمة (التصفية).
عقب المجزرة تسارعت المباركات للأسد لما قام به مع التعهد بخلق مخرج مناسب له كذلك اليوم الذي حدث في2013 وقد كان يوما حدث جلل لم يذكرنا إلا بإحداث الحرب العالمية لنرى بأم أعيننا تلك الحوادث التي سمعنا بها عن إبادة شعب كامل بضربة واحدة ، فما حدث في زملكا وعربين كان أول ضربة سقوط للمجتمع الدولي سيما بعد أن نجحت روسيا اقناع الرئيس السابق أوباما في عقد صفقة لمنع النظام من السقوط إذا ما وجهت ضربات عسكرية له.
المقربين من إدارة أوباما أكدوا للعديد من الصحف العالمية أنه كان جاداً بتوجيه ضربات لمطارات النظام وللمواقع العسكرية الهامة ، هذه الجدية هي التي جعلت روسيا تمضي على عجل لعقد صفقة أسعفت النظام من محنته بنزع أداة الجريمة مقابل بقائه في الحكم ولكن ما حدث اليوم من تكرار واقعة المجازر بغاز السارين يثبت للمرة الثانية وربما العشرين سقوط العالم بجميع قيمه.
فكيف دماء 1400 شهيد كان ثمنها نزع السلاح الكيماوي ينتج اليوم أن الدماء كانت رخيصة ولم ينتهي السلاح الكيماوي فمن يكذب هنا، هل فعلا تم نزع السلاح والنظام ، استطاع مجدداً الحصول عليه من خلال إيران أو روسيا ، أما أنه في الأصل لم يُسلم إلا 5 بالمئة منه كما صرحت بعض الصحف الإسرائيلية في ذلك.
أمام هذه الصورة المعقدة التي أغرقت الجميع بالتفاصيل في جميع الأحوال ما جرى ويجري إلى يومنا هذا يثبت وضاعة العالم وتخاذله وتآمره على المكون السني في سوريا والعراق وبات من الواضح أن حكام العالم يدعمون الطغاة ويقدمون لهم رخصة لقتل المزيد من الشعوب ووأد الثورات التي باتت تعيق مشاريعهم في رسم المنطقة من جديد.
فلا تعويل بعد اليوم على ضمير العالم الميت وحدها إرادة الشعوب هي محرك ومغير التاريخ حتى سلوك الرئيس الجديد ترامب المتحرك كالنار لامتصاص واحتواء المرحلة الجديدة وإعلان تغير موقفه من الأسد فهو اليوم أمام خيارين لا ثالث لهما أما أنه يقوم بمناورة سياسية لسحب ما تبقي من السلاح الكيماوي لإنقاذ الأسد للمرة الثانية وأما أنه سيوجه ضربات خجولة متفق عليها مع روسيا لحفظ ماء وجه امام وعوده التي أطلقها امام معارضي الأسد.
الشعب السوري ودماء أهالي الغوطة الشرقية وخان شيخون وعيونهم المفتوحة ستبقى شهادة على صمت هذا العالم وما أروحهم إلا شهادة نعي أخير لسقوط العالم.