Archived: د. سميرة مبيض: ماذا بعد فشل انقاذ مسيحيي الشرق الأوسط؟

د. سميرة مبيض: كلنا شركاء

لم يعد سيناريو افراغ سوريا من المسيحيين محض مخاوف مبالغ بها بل هي أصبحت قاب عقدين أو أدنى من أن يغادرها آخر سوري مسيحي تاركاً وراءه أرض أجداده نحو هجرة قسرية دون امل العودة، و ذلك هو حال مسيحيي الشرق الأوسط بالمجمل مما يثبت خطأ جميع الخيارات التي اتخذت لغاية اليوم لتمكينهم من البقاء في أرضهم و مما يؤكد كذب من ادعى و يدعي حمايتهم و يدعونا للتأكيد على ضرورة تصحيح الرؤية الدولية في هذه القضية.

لم ينجح شن الحروب و لا التسليح و التسلح بالحفاظ على من بقي من مسيحيي الشرق الأوسط، لم ينفع بقاء نظم مستبدة لعشرات السنين و لم ينفع تقسيم طائفي للحكم كما لم ينفع شيطنة الآخر من أي دين و مذهب و اعلان حروب مقدسة هنا و هناك…

على العكس فكل ما سبق أدى الى تهجير المسيحيين بغير عودة و أصبح الخلل واضحاً و الحل أوضح يتجلى بدولة المواطنة الأساس الوحيد الممكن، الواقعي و غير المستحيل للحفاظ على مكونات الشرق الأوسط جميعها و منها مسيحيوه.. جميعهم مواطنون متساوون أمام القانون في الحقوق و الواجبات هو المطلب الأول لكل سوري و لكل سوري مسيحي رغم اختلاف توجهاتهم السياسية.

السوريون المسيحيون يتوزعون على كل شبر من سوريا فهم في الساحل و الداخل و الشمال و الجنوب و العاصمة و الأطراف و المدن الكبيرة و الصغيرة وهم متعددو القوميات من عرب و أرمن و سريان و آشوريين. حملوا بمعظمهم السلم رسالة مآثرين رفع الشأن الوطني على الشأن المذهبي و القومي. المواطنة هي المسار الوحيد الذي يتقبل استمرار وجودهم في أرضهم بكرامة و ثبات فلا دولة قومية تمثلهم و لا دولة دينية تضمهم و لا تقسيم مناطقي ينصفهم.

هذا المجتمع الحامل للثقافة المسيحية السورية كان و لا يزال مكون توافقي جامع تعايش مع جميع المكونات لن توازن الشرق الأوسط بغيابه فقد نسج على مدى مئات السنين أسس التسامح و المواطنة المعاشة اليومية فسوريا اللامواطنة لا مسيحيين فيها بالتأكيد أما سوريا المواطنة فلن يحتاج تنوعها حماية فلا غالب فيها و لا مغلوب بل مواطنون سوريون تتسع لهم الأرض و مواردها و تربطهم حضارتها و يشملهم دستور و قوانين عادلة حان لنا أن ندرك أنها سبيلنا للنجاة من هذه المحرقة التي ستهجّر الجميع يوماً.

الشرق الأوسط موطن ثقافات دينية لم و لن تحلّ واحدة منها عوض الأخريات مهما طال الزمن و تتالت الصراعات فعلى الجميع أن يدرك أن تعايش هذه الثقافات ليس بالتمني، ليس بالإقصاء و ليس بدفع الآخرين للتطرف و الانغلاق بل بالعمل لأجله ووضع قوانين تضبط  المساواة و العدل و تحفظ خصوصية كل فئة كثر عددها أم قلّ.

ليس من المستحيل أن نصل لهذا الوعي الوطني عندما نعلم يقيناً أن لا حلّ آخر لبقاء الهوية السورية الجامعة الا بتجاوز الصغائر نحو المصير المشترك و بتوجه العقلاء من كل صوب نحو الدفع بعجلة التغيير لمصلحة دولة الدستور و الديمقراطية الضامنة للحرية، للكرامة، للعدل و المساواة و جميعها تصنع المواطنة و هي حق لم ينله السوريون لغاية اليوم.





Tags: مميز