on
د. يحيى العريضي: (قلق) بوتين، ومصير الجولان
د. يحيى العريضي: كلنا شركاء
اشتُهِر السيد “بان كيمون” الأمين العام السابق للامم المتحدة بتعبيره عن {القلق} كلّما وردته معلومات عن مصيبة جديدة تحل بسورية. قد يتفهم المرء ردة الفعل هذه بحكم عدم امتلاك الرجل بوارج او صواريخ أو طائرات؛ بل قوة أخلاقية ما عادت تغني أو تسمن في عالم ضاع فيه الحق، واستُبيح الضعفاء. ولكن ان يكون هذا هو لسان حال “فلاديمير بوتين” رئيس القوة الأعظم الثانية في عالمنا عندما يعبر عن قلقه تجاه ما قد تؤول إليه الأمور في سورية- وهو /التقسيم/- فهذا ما يصعب استيعابه.
عندما يتحدث السيد بوتين في الاجتماعات الإقتصادية في “سينت بطرسبيرغ” عن قلقه أو خشيته من الخطر المُحدق بسورية /التقسيم/، فهل يعني ذلك أنه يأسَ من السيطرة على مجمل سورية كي يعيدها إلى “الحكومة الشرعية” التي دعته لمساعدتها في “دحر الإرهابيين” وتحرير كل شبر من “جرائمهم” وإعادته إلى “حضن الوطن الشرعي”؟! وعندما عهّدت إدارة أوباما سورية إلى بوتين ولافروف، ألا يعني حديثه عن التقسيم أنه يثبّت على نفسه صفة “الفشل”- التي أطلقتها إدارة “ترامب” الجديدة- بمعالجة ما عُعِدَ إليه إنجازه؟!
بما أن السيد بوتين يمتلك اليد العليا في سورية، وبيده إخراس آلة قتل النظام والميليشيات التي تحميه (بحكم حمايته عسكرياً وسياسياً) مَن ذا الذي منعه من تثبيت (وقف اطلاق النار- ceasefire) و(الهدنة –Truce ) و(تخفيف العداوة – Cessation of Hostility) وأخيراً ( تخفيض التوتر-De-escalation of tension) في عموم سورية، مع الجهات الفاعلة التي اتفق أو وقّع معها خلال السنتين الماضيتين، وإبقاء سورية قطعة واحدة، لا أقسام مبعثرة تقلقه الآن؟!
يبدو أن السيد بوتين “قلق” مما صنعت يداه. فإن كان السيد بوتين يتغافل أو يتجاهل أو يستهبل السوريين والعالم بأن إدارته كانت أول من استخدم مصطلح “سورية المفيدة” علناً، بعد أن اخترعته إيران لتنفيذ مخططها، وليخدم أغراض ومصالح روسيا بالمعية؛ فإن قلقه اصطناعي مفضوح. فـ “سورية المفيدة” أول فكرة تقسيمية اشتغلت عليها طائراته. وهل من جانب آخر وصل الرجل إلى قناعة بان عليه الإكتفاء بما يضمن مصالحه في “دولة” مَسخة ينصّب عليها مَسخاً يتشارك مع الملالي وحاجتهم للـ “هلال الشيعي”؟!
ومؤخراً، مَن ذا الذي ابتدع فكرة “مناطق التهدئة” التي تحمل ملامح التقسيم وتيسير عملية “سورية المفيدة” إلا /أستانة/ بوتين؟! اوليست خطة “مناطق التهدئة” الوصفة الأنجع للتقسيم الذي يقلق السيد بوتين؟! أليست يده هي التي رسمت تلك الخطوط، أم أن إيران هي التي رسمت ذلك رغم إرادته، فاستشعر القلق؟!
في ثنايا تصريحه الأخير، يستمر السيد بوتين بوضع السوريين والعالم أمام خيارين أحلاهما مُر؛ خيارين يقعا في عالم التكتيك السياسي لا في البحث عن حل حقيقي لسورية. فهو، ولفترة لا بأس بها، خيّر السوريين بين “داعش” و”نظام الأسد”. وبعد بدء تبخُّر “داعش” واندحارها مؤخرأ، شرعت مشروعية هذه الثنائية بالسقوط، ليصبح تسويقها صعبا. من هنا ياتي تهديده المبطن بالقلق حول التقسيم. فالسوريون والعالم الآن حسب “قلق” بوتين بين /التقسيم/ و /نظام بشار الأسد/ أو على الأقل “سورية المفيدة”. واضح انه لم يبق أمام بوتين إلا هذا التكتيك الإبتزازي الرخيص، كي ياخذ أجرته ويحل له العالم أزماته؛ بعد أن أخذ سورية رهينة.
إن بعثرة سورية رسمياً يشكّل كارثة أبدية للسوريين وغيرهم؛ وينذر بأن يكون المقدمة لبعثرة كيانات اخرى في جغرافيا هذه المنطقة الملتهبة. ولا يخفى على أحد أن المستفيد الأساس من بعثرة سورية هي إسرائيل. فهذا الأمر بالذات يسهّل عليها وييسّر ابتلاع جزءٍ أساسيٍ من سورية كانت قد احتلته عام سبعة وستين من القرن الماضي. فتلك الأقسام المبعثرة من سورية لن يكون بمقدورها- والحال هكذا- أن تعمل أو حتى تطالب باستعادة الجولان إلى سورية. لا ندري إن كان السيد بوتين يعرف بأن الولايات المتحدة الأمريكية، صديقة إسرائيل التاريخية، سعت أن تجد حلاً لتلك المعضلة، فرعت عملية مفاوضات سلام بين سورية “الموحدة” وإسرائيل لسنوات؛ وكانت النتيجة الفشل بسورية موحدة- ولأسباب ليس هذا هو المكان لشرحها- فكيف يمكن هذا بـ “سورية مبعثرة”؟! قلق السيد بوتين يعكس تلك الخدمة التاريخية التي يسديها لإسرائيل متجاوزاً في خدماته ما قدّمته أمريكا تاريخياً. السيد بوتين يغلف ما فعله بـ “القلق” من باب تبرئة الذمة.
لم يكن امتداد نزف الدم السوري المستمر من فراغ، ولم يكن التدمير المنهجي والترحيل والتشريد والتطهير العرقي ومنع السوريين من الدفاع عن أنفسهم وبعثرة وشلُّ معارضتهم حالات عبثية، وما كان السكوت عن تدخل إيران وميليشياتها قضايا بلا تخطيط،؛ والأهم، ما كان الدخول الروسي وتعهده الملف السوري ليحمي نظام الجريمة والتقسيم دون تنسيق عالي المستوى. هاهي الغاية القصوى تتضح.
ليجعل السوريون من تصريح بوتين هذا الصوت الأقوى لناقوس خطر أصعب من كل ما مرّ بهم. ولتكن وحدة الأرض السورية وعلى رأسها الجولان المحتل الهدف الذي لا يغيب لحظة عن أفعالهم وأفكارهم ومواقفهم. ليعلم من هم حول النظام أن مصيراً أسوداً حقيراً ينتظرهم، وليعلم من هم على الضفة الأخرى أن المصير أكثر سواداً إن هم لم يرتقوا إلى مسؤولية الحفاظ على سورية باهلها واحدة موحدة ولكل أهلها. وليعلم العرب والمسلمون، إن هم لم يحتضنوا السوريين ويقفوا معهم؛ فإن مصيرهم ومصير جغرافيتهم لن تختلف. اللّهم إني بلغت.
Tags: سلايد