العربي الجديد: سوريا؛ نقطة الصفر للنظام العالمي الجديد

كلنا شركاء: العربي الجديد الانكليزية- ترجمة السوري الجديد

في حديثه في البيرو مؤخراً، حذّر الرئيس باراك أوباما، المنتهية ولايته، من أن حلب كانت على وشك السقوط في أيدي القوات الموالية للأسد وذلك تبعاً للدعم الروسي والإيراني المقدم لبقايا دولة الأسد.

هذا وتعد كل تحذيرات أوباما ملائمة، إلا أن جزءاً من بيانه كان ينبغي أن يكون نوعاً ما داعماً للقضية السورية.

كما توجه اوباما إلى الادعاء بأنه نظراً لنوعية الدعم الروسي الإيراني المقدم للأسد وكميته “كان من الصعب لنا أن نرى طريقة تستطيع من خلالها المعارضة المعتدلة والملتزمة الصمود لمدة طويلة”.

أوباما ليس ضعيف الذاكرة كما أن الأمور لم تختلط عليه. بل كان يجب عليه أن يقدم إعادة كتابة التاريخ هذه بوصف ذلك نتيجة خطأه الشخصي.

كما يعلم أوباما على نحو جيد أنه كان قادراً على تفادي الوضع الذي يسود حلب الآن بسهولة _ وهو الرعب الذي تولده الإبادة الجماعية والذي ينتشر الآن في المدينة وفي معظم أنحاء سوريا.

ونظراً لمعرفة أوباما المسبقة بأنه في حال لم يلق اللوم على المعارضة “المعتدلة” و”الملتزمة” في هذا الوضع، فإن البديل عن ذلك هو تحمله وإدارته تبعات الأمر، وجب عليه ضمنياً أن يلوم الأولى.

وبرغم الإطراءات التي لا بد منها والتي قد تتدفق حال مغادرة أوباما للمنصب، أي عند تسليم الحكم لدونالد ترامب، سيشعر في أعماقه أن سياسته تجاه سوريا هي التي أدت إلى هذه اللحظة المرعبة حقاً في السياسة العالمية.

قد يعتقد المرء أن أولئك الذين تحدثوا لأعوام عدة حول مركزية الثورة السورية وكيفية تجاوز أهمية كفاحاتها والنتائج المترتبة عليها ما هو أبعد من حدودها، سيعتقد أنهم مجرد أناس مهووسين، أي أن رغبتنا في ربط سوريا بظهور ترامب ليست سوى جزء من هوسنا أحادي التفكير.

لكن مجرد إلقاء نظرة على العالم من حولنا اليوم ومقارنته بالعام 2011، سيكون كافياً لندرك أن ذلك ليس بصحيح.

ومن الصحيح تماماً أن “الحرب على الإرهاب” التي شنها بوش وبلير جعلت من العالم غير المستقر عالماً أكثر اضطراباً، كما أطلقت أبعاد هذه الحرب _ سواءً من خلال ارتكاب المخالفات أو التهور _ أطلقت العنان للظواهر المتطرفة غير أن ظروف الإبادة الجماعية في سوريا قد سمحت للمياه المحتدمة بالغليان.

“وقد سمحت ظروف الإبادة الجماعية في سوريا للمياه المحتدمة بالغليان”

وخلافاً لمزاعم أوباما، فقد تخلت الولايات المتحدة تحت قيادته عن المعارضة الديمقراطية في سوريا، والأكثر شراً من ذلك، أنها قد بدأت بالإذعان لمنطق نظام الأسد الفاشي وداعميه الإمبرياليين.

وفي عام 2012، قبل سقوط أي قنبلة روسية على المدارس والمنازل والمشافي السورية، ولكن أثناء تكثيف الأسد لسياساته المطابقة من إبادة المعارضة في المناطق الخاضعة لسيطرته والتطهير العرقي الشامل للمناطق المحررة من خلال القصف الجوي، قررت الولايات المتحدة عدم إقامة منطقة حظر طيران.

أما في حال تمكنت الولايات المتحدة من وقف هذا التطهير عن طريق إقامة مناطق الحظر الجوي، لكان مئات الآلاف اليوم على قيد الحياة ولتجنب الملايين حركة النزوح وكانت القوى الديمقراطية ستتمكن من الإطاحة بالأسد.

لكن بدلاً من ذلك، لجأ الملايين من السوريين إلى دول الجوار ومن ثم إلى مصر عن طريق البر والبحر. وفي أوروبا، كان وجودهم فرصة للفاشيين لنشر رسالتهم في كراهية الإسلام وتحييدهم على أنهم تهديد للحضارة الغربية المسيحية.

وقد اقترن ذلك بظهور تنظيم الدولة الإسلامية (ISIS). وإن كانت إعادة كتابة التاريخ التي أرادها أوباما ستسود اليوم، سيكون ظهور تنظيم داعش فشلاً للمعارضة السورية، إلا أن العكس هو الصحيح. ففي مطلع العام 2014، عقب الاحتجاجات الشعبية على التهديد المتنامي الذي يشكله وجود تنظيم الدولة بين السوريين الثوريين وهجمات التنظيم على الثوار، شن الثوار السوريون هجوماً ضد تنظيم داعش، معلنين عن حقيقة وقوفهم في وجه هذا التهديد المعادي للثورة.

لقد كان الهجوم ناجحاً في البداية، لكن، كما الحال في كثير من الأحيان، انتهز الأسد الفرصة لاستغلال نقص الموارد عند الثوار. وكان الثوار يناشدون دعماً دولياً ضد الشر الأكبر للأسد ونظيره الأقل شراً تنظيم داعش. أما الولايات المتحدة لم تلق بالاً، فقد اكتفت بمشاهدة اجتياح تنظيم داعش لمواقع الثوار، بما فيها الرقة ممهدين الطريق بذلك أمام اجتياحهم شمال العراق وإنشاء “دولة الخلافة”.

“وقد جاء هذا الربط العنصري بين اللاجئين وتنظيم الدولة الإسلامية نتيجة دعاية الأسد وبوتين”

وكان هذا حلم قد تحقق لليمين المتطرف. ففي الوقت الذي يشكل فيه تنظيم الدولة التهديد الأكبر لغيره من المسلمين والأقليات الدينية في الشرق الأوسط، وفي الوقت الذي هاجم فيه التنظيم المعارضة السورية أكثر من الأسد (والعكس صحيح)، على هذا فإنهم يمثلون بالتأكيد خطراً يهدد أوروبا، كما شهدنا في باريس وبروكسل.

إلا أن الأثر الأكثر خطراً لهذا التهديد على المدى البعيد في الغرب يكمن في الطريقة التي تمكن الفاشيون من خلالها من استغلال هذا الخطر واستخدامه لزيادة تشويه صورة اللاجئين، فضلاً عن تفاقم التوترات مع معظم السكان المسلمين في الغرب.

إن هذا الربط العنصري بين اللاجئين وتنظيم الدولة الإسلامية كان قد جاء نتيجة دعاية الأسد وبوتين، بالإضافة إلى الواقع الذي يشير إلى أن الكثير من هذه الحركات الفاشية المتمردة ، كما هو الحال بالنسبة لترامب، على صلة ببوتين أو داعمة له.

هذا بالضبط ما شهدناه في سطوة ترامب، مثل اقتراحه السياسي الخطير لإنشاء سجل وطني للمسلمين أو حتى تعهده بحظر هجرة المسلمين.

وقد زعم أحد مستشاريه للأمن القومي أن الخوف من الإسلام كان “منطقياً” نظراً للإرهاب الإسلامي، وقال أنه سيكون من المسموح قتل العائلات “التي يشتبه بأنها إرهابية”. هذ هو الواقع الجديد الذي يتعامل مع العالم بفضل العنف جراء حرب الإبادة الجماعية التي شنها كل من الأسد وروسيا وإيران.

أما في بريطانيا، فقد حصل الاستفتاء حول “Brexist” نتيجة لتفاقم موجة من المشاعر المناهضة للمهاجرين والموجودة مسبقاً من خلال استغلال حملة Leave لأزمة اللاجئين السوريين والخطر الذي يشكله تنظيم داعش. ولقد رأينا تقدم الفاشية “مارين لوبان” لتكون رئيسة فرنسا المقبلة إذ إن رسالتها الداعية إلى كراهية الإسلام مطابقة تقريباً لرسالة ترامب في بلد معد للفاشية بصورة أكبر.

“ترامب ورفاقه الفاشيين في الغرب يطالبون باستغلال اللاجئين للمكاسب السياسية بينما يستمر بوتين والأسد بتوريدهم”

كما قد رأينا كيف أصبح نظام فيكتور أوربان الفاشي في المجر في طليعة مضطهدي اللاجئين العنصريين وغير الإنسانيين وكارهي الإسلام.

هذ هو الإرث الذي سيخلّفه باراك أوباما. وعند تسليمه مفاتيح البيت الأبيض لترامب، سينقل بذلك إرثه في الدمار السلبي لرجل داعم وبشدة لقوات الإبادة الجماعية في سوريا. وبذلك يهيئون الظروف للمزيد من اللاجئين وتحقيق حلم تنظيم داعش.

هذه علاقة متشابكة من العرض والطلب _ إذ يقول ترامب أن زملاءه الفاشيين في الغرب يطالبون باستغلال اللاجئين لتحقيق مكاسب سياسية، بينما يستمر بوتين والأسد بتوريد المزيد منهم.

وسيكون من السخف أن ندعي أن كل هذا يُعزى إلى أوباما، إلا أن فشله في دعم القوى الديمقراطية في سوريا أدى إلى خلق ظروف ستمكن قوى القرن الحادي والعشرين الفاشية من اجتياح الغرب.

هذا هو بالتحديد السبب وراء أهمية عدم السماح لأوباما وأنصاره بإعادة كتابة التاريخ. وقد كتب الفيلسوف “والتر ينيامين” مرة أن “وراء كل نظام فاشي، ثورة فاشلة”. وهذا صحيح كما حصل في سوريا، غير أن الإخفاق في دعم الثورة كانت عاملاً حاسماً في تجسيم فاشية القرن الحادي والعشرين.

ولا يحتاج المرء أن ينتظر وصول هذه الفاشية والمجازر التي تسببها _ فهي موجودة بالأصل. إنها موجودة في سوريا، حيث تتفوق قوى الإبادة الجماعية وهي هنا في الأصل في أوروبا، حيث تنتشر العلاقات الاجتماعية الوحشية المتزايدة لأزمة اللاجئين بصورة يومية على أيادي من يسمون “الليبراليين” و”الديمقراطيين”.

المزيد من الناس في سوريا يلاقون حتفهم أو يهربون جراء اجتياح الفاشيين؛ المزيد منهم يموتون على شواطئ البحر المتوسط، ويساق الكثير منهم مرة أخرى إلى المخيمات في قلب أوروبا، هذا هو مخطط النظام العالمي الجديد.

اقرأ:

مترجم: إذا سقطت حلب سيعيد النظام احتلال الجنوب السوري