حمزة رستناوي: لماذا يكره أرسطو طاليس الثورة؟

حمزة رستناوي: جيرون

يبدو أرسطو في آراءه السياسية أقرب إلى يمين الوسط وفقا لتصنيف عصرنا, حيث يرى في الحكومة الملكية أسوء أنواع الحكومات , و هو يرفض الحكومة الديمقراطية ” فالحكومة أمر معقد جدا ,و لا يجوز ترك مصير تقرير قضاياها للعدد و الكثرة , في حين تترك القضايا الاقل أهمية في أيدي رجال المعرفة و المقدرة [1]  و هو يرى في الحكومة الارستقراطية أفضل الحكومات  ” إنّ أفضل نظام عملي للحكومة هو الارستقراطية  و هي حكم القلة من المثقفين و أصحاب المؤهلات و المقدرة [2] و هو يفسّر انحيازه للأرستقراطية ضد الديمقراطية لكون ” الديمقراطية تقوم على افتراض كاذب في المساواة…و النتيجة لذلك تضحية الكفاءة و المقدرة على مذبح العدد , و الجماهير عرضة للغش و الخداع لأنها سهلة التضليل, متقلبة الاهواء, لذلك يجب ان يكون الانتخاب قاصرا على العقلاء, و ما نحتاج اليه هو مزيج من الديمقراطية و الارستقراطية[3] وهو ما يسمّيه بالحكومة الدستورية التي هي ليستْ ” أفضل حكومة يمكن تصورها , لان الأفضل هي حكومة المتعلمين الارستقراطية, و لكن الحكومة الدستورية افضل حكومة ممكنة[4]                      

 كان أرسطو يرفض النموذج الديمقراطي – بمقاييس عصره- و هو لا يثق بالجماهير التي  يمكن تضليلها بسهولة , و هو يرفض الثورات  لكونها مخاطرة غير محسوبة و غالبا لا تؤتي ثمارها  ” الثورة دائما تهور و طيش, قد تحقق بعض الفوائد و لكن لقاء الكثير من الشرور التي تأتي بها, و أشدّ هذه الشرور هي اشاعة الاضطراب, و ربّما انحلال النظام و البناء الاجتماعي الذي يعتمد عليه كل خير سياسي [5] ربّما يبدو لعموم السوريين الآن في السنة الخامسة أو السادسة للثورة / الحرب السورية أنّ  الآراء السياسية المحافظة لأرسطو و الرافضة للثورات هي عين الصواب! فهو لا يخفي تشكيكه بوعي الجماهير , و ضعف ثقته بالشباب ” فمن السهل تضليل الشباب لسهولة بعث الآمال في نفوسهم [6] كثير من الشباب  السوريين المتحمّسين  الى التغيير و المنخرطين أو المؤيدين  للثورة يشعرون الآن بالخيبة و القهر و ربّما بالندم ! قد نختلف كثيرا حول المسؤوليات و الظروف و الاسباب التي أوصلتنا الى هذا الفشل , و لكنّ التجربة المريرة للثورة / الحرب السورية ترخي بثقلها على الوعي المشترك و الجمعي للسوريين بما يجعلهم  بعد الآن أقلّ ميلا للعنف و المغامرة لو تركوا لخياراتهم.                                                                                        

و لكن هل كلّ الثورات هي الثورة السورية؟! ألا يوجد ثورات ناجحة عبر التاريخ و الجغرافيا! هل من الممكن تعميم النموذج السوري (الفاشل) مثلا على  ثورات مزامنة لها  كالثورة التونسية , الأقل عنفا و الأفضل مردودا حيث استطاعتْ نقل تونس من الديكتاتورية الى نظام ديمقراطي تشاركي , على الاقل وفقا للمؤشرات الاولى و المتاحة بين يدينا!  وهل يستقيم وصف الثورة بالفشل من دون وصف السلطة التي قامت عليها الثورة بالفشل  السياسي و الفساد الاداري أيضا!                                               

  ثمّ هل الثورة خيار يتمّ التخطيط  له بشكل واعي أم انها انفجار عفوي و حالة اضطرارية عند انسداد الافق السياسي؟! كلّها اسئلة مشروعة, تحتاج للكثير من المعاينة و التحليل بغية استنتاج تشابهات و قواعد عامّة  تفيدنا في فهم الثورات و مآلاتها.                                         

صحيح أنّ أرسطو كان ضدّ الثورات و لكنّهُ بالمقابل كان ضدّ الحكم الملكي المطلق, و قد فضّل عمليا النموذج الدستوري للحكم  و هو الأقرب الى النموذج الارستقراطي . ثم إنّ آراء أرسطو السياسية حول الثورات مستمده من أحداث عصره و التجارب التي عايشها و خبرها في بلاد الاغريق في القرن الثالث قبل الميلاد, و أرسطو عاش في بلاط الملوك ورعاية السلطة معظم حياته و هو سليل أسرة يمكن وصفها بالأرستقراطية , فوالده كان طبيبا في بلاط الملك أمينتاس الثالث جدّ الاسكندر المقدوني , و قد عمل معلما و مربّيا للإسكندر المقدوني ابن الملك فيليبيوس , و من ثمّ أصبح مستشارا و صديقا للإسكندر المقدوني الذي وضع تحت تصرّفه امكانات الامبراطورية و أنشأ مدرسة اللوقيون ! فكيف لأرسطو أن يكون مناصرا للثورات! و بعد وفاة الاسكندر 323 ق م انتقلتْ السلطة الى يد أعداء المقدونيين و اتّهم  أرسطو نفسهُ بالإلحاد كمقدّمة لمحاكمته و التخلص منه, حيث هرب الى مدينة خلسيس التي توفّي فيها.                                                    لقد عاش أرسطو عمليا الفترة الذهبية من حياته وثيق الصلة بالسلطة, و كاد أن يُقتل بناء على رغبات الجماهير و اتهامات مدبّرة له بالإلحاد, فلا غرابة أن ينحو أرسطو في آراءه السياسية هذا المنحى المحافظ !  و لكن بعد حوالي ثلاثة و عشرين قرنا على وفاة أرسطو, ما الذي تبقّى من أرسطو السياسي؟ أدعوكم و نفسي لإعادة قراءة كتابه : السياسة [7] الذي نقله الى العربية  ” أستاذ الأجيال”  أحمد لطفي السيد … لنكتشف أحد أهم  منابع و مراجع الفلسفة السياسية حيث يخصص الفصل الثامن من كتابه و المعنون ب “النظرية العامة للثورات” لمناقشة قضايا : الثورات وعللها ، في الأحوال والظروف المختلفة للثورات ، وأسبابها، وأساليب الحفاظ على سلامة الدول، ونقد نظرية أفلاطون في الثورات.. حيث نجد مقاربات مفيدة على الكثير من الأسئلة و التساؤلات التي نتداولها و نطرحها ذات الصلة بثورات الربيع / الخريف العربي.

الهوامش [1] قصة الفلسفة , ول ديورنت, بيروت , مكتبة المعارف ,ط 6,  1988,ص102 [2] قصة الفلسفة, ص102  [3] قصة الفلسفة , ص104 [4] قصة الفلسفة,  ص104 [5] قصة الفلسفة ,  ص100  [6] قصة الفلسفة , ص100  [7] السياسة لأرسطو طاليس , ترجمه عن الإغريقية جول بارتلمي – سانتهيلير , نقله الى العربية أحمد لطفي السيد, المركز العربي للأبحاث و دراسات السياسة, الدوحة , ط1, 2016