د. وليد البني: النصرة وأحرار الشام والاقتتال في ادلب

د. وليد البني: كلنا شركاء

تصاعدت الاشتباكات مؤخراً بين حركة أحرار الشام الإسلامية وهيئة تحرير الشام الإسلامية، التي تشكل جبهة النصرة عمودها الفقري، في جميع مناطق السيطرة المشتركة للطرفين في الشمال السوري وخاصة في محافظة ادلب وبالقرب من المعابر التي تسيطر عليها حركة أحرار الشام الإسلامية على الحدود التركية السورية.

لقد عمل نظام الأسد وحلفاءه في العامين الماضيين على ترحيل جميع مقاتلي المعارضة الذين رفضوا القتال في صفوفه بعد استسلام مدنهم واحيائهم المحاصرة والمدمرة، وعلى اختلاف فصائلهم الى إدلب وريفها أو ريف حلب الغربي الواقع تحت سيطرة النصرة واحرار الشام في الشمال السوري.

هذا الترحيل المنتظم والمنظم ذو الاتجاه الواحد (مُنع المهجرون من حمص وريف دمشق من التوجه الى الغوطة او ريف حمص الذي لا يزال خارج سيطرة النظام وايران وروسيا) اوجد الاف المقاتلين المسلحين في تلك المنطقة، مقاتلون لا يؤيدون بالضرورة قيادات هذين الفصيلين.  وبالتالي بدأ نوع من التنافس بين الفصيلين لكسب المقاتلين المهجرين من أحياء دمشق وريفها وبعض مناطق حمص ومحاولة ضم فصائلهم الصغيرة التي خسرت موارد دعمها وتحتاج الى ما يسد رمق مقاتليها وعائلاتهم ، هذا التنافس وما رافقه من اشتباكات متقطعة بين الفصيلين  وما مارسه كلا الفصيلين من ضغوط قاسية  أحياناً على هؤلاء المهجرين وعائلاتهم لدفعهم لمبايعة أحدهما دفعت بعض تلك العائلات  الى تفضيل العودة الى احيائهم المهدمة الواقعة تحت هيمنة نظام مافيا الأسد هروباً من الوضع المأساوي الذي خلقته  تلك الضغوط والمناوشات الدائمة بين الفصيلين.

هذا الوضع الذي نشأ عن عمليات التهجير القسري، إضافة إلى تطورات الوضع السياسي الخاص بسوريا بعد الإعلان عن مناطق خفض التوتر وما يحكى عن توافق امريكي-روسي، دفع الفصيلين الأقوى في المنطقة الى محاولة الهيمنة عليها بشكل منفرد تحضيرا لأي اتفاقات ممكنة.

السبب المباشر للقتال الأخير:

تخشى النصرة من الخطط الامريكية-الروسية-التركية لاستئصالها عبر دعم فصائل أخرى مناوئة لها والتي يشكل فصيل ما يسمى بأحرار الشام أكبرها، لذلك بادرت النصرة الى محاولة احتلال مواقعه وطرده من مناطق نفوذها خاصة بعد أن تلقى هذا الفصيل نصائح من تركيا وقطر وجماعة الاخوان المسلمين السورية بتغيير علمه الشبيه بأعلام النصرة وداعش واستبداله بعلم الاستقلال السوري،  وقد ظهر زعيمه علي العمر لأول مرة  وعلم الاستقلال السوري الى جانبه بدلا من الراية السوداء المعتادة  التي رفعتها احرار الشام والنصرة وجيش الإسلام والكثير من الفصائل الإسلامية المشابهة منذ تأسيسها الى ما قبل شهرين من الان، بينما تحاول الفصائل الاخوانية من خلال الدخول في هذه المعركة الإعلان انها البديل الوحيد المتوفر للحلول مكان النصرة المصنفة دوليا على قائمة المنظمات الإرهابية، وخاصة بعد أن باءت محاولات النصرة للخلاص من هذا التوصيف بالفشل رغم إعلانها فك ارتباطها بتنظيم القاعدة وتغيير اسمها عدة مرات.

هذه ليست المرة الأولى التي تحدث فيها مواجهات دموية بين تيارات الإسلام السياسي القاعدية والاخوانية في سوريا.  ولكن في الظروف الحالية القاسية التي تمر بها فصائل المعارضة: 1) خسرت أكثر من نصف المساحات التي كانت تسيطر عليها لصالح التحالف الروسي-الإيراني الداعم لمافيا الأسد؛ 2) وتم التضييق عليها مالياً من خلال الحملة التي تشن على داعميها ومحاولة تجفيف مصادر تمويلها وتسليحها، مما سيؤدي الى نتائج أشد وطأة عليها وعلى بقية المعارضة الإسلامية المسلحة بشكل عام من أهمها:

– انهيار سمعة هذه الفصائل وتقلص حاضنتها الشعبية الى أدنى مستوى منذ بداية الثورة السورية، حيث ثبت مع الأيام استعداد الفصائل لسفك دماء السوريين من أجل مناصب ومكاسب وهمية يعلم الجميع انها لن تغيّر شيئا في توازن القوى المختل لغير صالحها بينها وبين التحالف القائم بين الميليشيات الطائفية الإيرانية و روسيا الداعمة لبقاء مافيا الاسد في السلطة.

 – تأكيد ما حاول الأسد وحلفاءه ترويجه منذ بداية الثورة ان بديله هي تنظيمات متطرفة دموية ستودي بالبلاد إلى فوضى سلاح تحولها الى مأوى للتطرف والإرهاب.

 – إبراز ضرورة وجود جهة سورية خارج العصبيات الدينية والقومية قادرة على تقديم بديل لهذه التنظيمات بعد أن أصبح السوريون يرونها عبأً على حلمهم بالحرية والاستقرار.

رغم ان هذا القتال ونتائجه السلبية  لن تؤدي الى إعادة تعويم نظام مافيا الأسد والتسليم بالهيمنة الإيرانية على سوريا والمنطقة، الا أنها قد تؤخر كثيرا الجهود الدولية الخاصة بتسريع عملية انتقال سياسي في سوريا تنهي المأساة السورية المستمرة منذ أكثر من ستة سنوات وتضع حدا لحكم عائلة الأسد الدموي والفاسد.





Tags: سلايد