فواز تللو: رحل أوباما مُشعل الحرب العالمية الثالثة

فواز تللو: كلنا شركاء

قبل ثماني سنوات نظر العالم لباراك حسين أوباما الذي رحل اليوم باعتباره نقطة تحول رئيسية في مجمل العلاقات الدولية والمجتمع الأمريكي، فالرجل الخلاسي الذي ولد لأب شيعي كيني وأم أمريكية عمدته وبقي في حضانتها بعد انفصالها عن زوجها، كان حدثاً فريداً من نواحٍ عديدة داخلية وخارجية، قدم الآمال بعالمٍ جديد بعد مأساة التفجير الإرهابي لبرجي التجارة وما تبعها من احتلال أفغانستان والعراق، فقدم الوعود لكن الكثيرين قالوا بغياب الرؤية السياسية عن عهده نتيجة ما وصفوه “تردداً ورغبة في عدم التدخل”، لكننا سنكتشف أن ما فعله كان رؤيةً سياسيةٌ متماسكة مقصودةً “كارثية”.

فداخلياً وعد أوباما بإغلاق معتقل غوانتنامو القائم خارج إطار أي قانون دولي أو أمريكي، ووعد بقانون للرعاية الصحية، ووعد بترسيخ نموذج جديد لعلاقات غير عنصرية داخل المجتمع الأمريكي، لكن النتيجة كانت خطاب كراهية عنصري باتجاهات عديدة فاز على إثرها تيار يؤسس لتراجع كبير في الحقوق المدنية ناهيك عن بداية إلغاء لقانون أوباما للرعاية الصحية، وبقاء معتقل غوانتنامو.

أيضاً وعد أوباما بسحب قواته من العراق وترسيخ مصالحةٍ وطنية عراقية بعد أخطاء إدارة بوش هناك والتي حاول بوش قبل رحيله إصلاحها عندما تحالف مع سنن العراق في إطار الصحوات التي قضت على القاعدة مقابل إعادة إدماج السنة في مؤسسات العراق الجديدة، لكن أوباما ترك المالكي يغدر بسنة العراق (الصحوات) ليتم استبعادهم من المؤسسة العسكرية واضطهادهم وزج عشرات الآلاف في السجون ومن ثم قام باستبعادهم من العملية السياسية والمؤسسات المدنية بعد استبعاد كتلة علاوي العلمانية السنية التي فازت في الانتخابات عام 2010 ونزعت منها الأغلبية البرلمانية عبر اغتيال نوابها ولاحقاً ملاحقة نائب الرئيس طارق الهاشمي والوزير العيساوي بتهم الانتماء لداعش، ليتم أخيراً القمع الوحشي للانتفاضة السنية السلمية في الأنبار.

وهكذا نتيجة تغييب كل القوى السنية المعتدلة في العراق بتشجيع ودعم من أوباما عبر صمت الرضى لوأد محاولات بوش في إصلاح اخطائه، ونتيجة وغض النظر عن داعش، سيطرت الأخيرة على مناطق السنة في العراق وهو ما شكل فرصة لتعود القوات الأمريكية إلى العراق وتشارك حكومة بغداد الطائفية التي تديرها إيران في تهجير السنة بحجة قتال داعش عبر ميليشيات قدم لها أوباما الدعم المفتوح وقاتل الآلاف من قواته العائدين للعراق بعكس وعوده إلى جانب ملالي طهران وميليشياتها، ليفجر ذلك جذور صراع طائفي لا تُعلم نهايته هناك.

أيضاً وعد بعدم تدخل بلاده عسكرياً في العالم، وكان أول ما فعله في سوريا عام 2008 هو فك العزلة السياسية التي فرضها بوش على نظام الأسد الطائفي مما أنقذ الأخير من جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، ومن ثم بعد اندلاع الثورة السورية عمل على تعطيل أي ضغط سياسي حقيقي على النظام عندما لم يعترف قانونياً بالمعارضة السياسية فاحتفظ النظام بكل شرعيته الدولية، ومنع الناتو من أي تدخل طلبته تركيا لإقامة مناطق آمنة للمدنيين، كما فرض حظراً على تسليح المعارضة السورية التي تراجعت أمام داعش التي تم غض النظر عنها ما دامت تقاتل المعارضة، لكنه قام في تدخل مباشر بتأهيل ميليشيا حزب العمال الكردي الإرهابي بواجهتها السورية وتسليح هذه الميليشيا وتقديم كل الدعم العسكري الجوي والتقني التسليحي والتدريبي الممكن لتقوم بقتال المعارضة وتنشئ كانتونها الانفصالي بهدف عزل المعارضة السورية المسلحة عن تركيا وإيقاف القليل من التسليح التي كان يصلها، كما قام بعملية تخريب كبيرة في صفوف هذه المعارضة وتركها فريسة لأعداء كثر ولصراعاتها الداخلية التي غذاها ناهيك عن التأثير على بعضها لإخراجه من الصراع.

أيضاً غض أوباما النظر عن تدخل إيران المباشر في سوريا عبر قواتها أو ميليشياتها في المنطقة لإنقاذ النظام من الانهيار عام 2013 ليشرعن هذا الاحتلال الإيراني بعدها بترسيخ إيران كشريك كامل في الملف السوري عبر مؤتمر فيينا، كما تجاهل كل جرائم التهجير الطائفي للعرب السنة التي تمارسها إيران وميليشياتها والنظام الأسدي الطائفي مع عملية قصف وهدم ممنهج حول اثني عشر مليون عربي سني إلى لاجئين في جريمة تغيير ديموغرافي غير مسبوقة في تاريخ سوريا منذ وجدت قبل عشرة آلاف عام، ما يؤسس لصراع مذهبي لا تُعرف نهايته في المنطقة، وجاء الاتفاق النووي الغامض لينقذ إيران من ورطتها الاقتصادية لتمويل حروبها الطائفية في المنطقة على حساب الحلفاء التقليديين لأمريكا في عملية قلبت التحالفات رأساً على عقب ليعاد تأهيل نظام ملالي طهران دولياً دون أي تغيير في جوهره الذي فرض عليه العزلة، ليساعد أوباما المباشر وغير المباشر بذلك مشروع التمدد الطائفي الإيراني الشيعي/الفارسي في تناقض مع مصالح أمريكا فسره البعض بالتقية التي تخفي تعاطف أوباما مع أصوله الشيعية عبر والده الكيني حسين أوباما، وهو أمر يتم تداوله في الأوساط الأمريكية النخبوية لكن دون ضجيج.

وكما في العراق وسوريا، كذلك في لبنان دعم هذا المشروع الطائفي عبر شرعنة ضمنية لاحتلال حزب إيران للدولة اللبنانية وصمت “الشرعنة” لتدخله في سوريا مع ما أنتج من انفجار الطائفي في لبنان يتفاعل تحت السطح نتيجة قمع سنة لبنان، كما لا يمكن التغاضي عن غض نظر أوباما عن احتلال إيران لليمن عبر عملائها الحوثيين الانقلابيين ومن ثم عدم مساعدة بل إعاقة التدخل السعودي العسكري لإنقاذ الحكومة الشرعية ناهيك عن توجيه الأمم المتحدة ومبعوثها لشرعنة الانقلابيين وتوطيد سيطرتهم في اليمن، ويمكن سحب الأمر على ما يجري في البحرين وشرق السعودية وقريباً في الكويت.

ومن ثم ها هو يرسخ قواعد اشتباك جديدة قبيل رحيله باستهداف “فتح الشام” مباشرة، والتي هي وباقي التنظيمات الراديكالية ليست إلا نتاجاً للحروب الطائفية التي تشنها إيران وأذنابها والنظام الطائفي الاسدي في العراق وسوريا ولبنان، لتكون سياسات أوباما المنحازة طائفياً أكبر داعم ومنتج للإرهاب الذي بات يهدد المنطقة والعالم، كما باتت هذه السياسات تؤسس لانفجارات متسلسلة بدأت في المنطقة وتمتد للعالم، وما صعود التيارات اليمينية المتطرفة في أوروبا وأمريكا إلا نتاجاً لها، ليكون اليمين المتطرف في أوروبا وأمريكا الابن  غير الشرعي لسياسات أوباما في العالم، يمين متطرف يهدد بتفجير صدام عالمي بأشكال مختلفة ولو كانت غير مباشرة.

هنا لابد من الإشارة إلى منع أوباما تركيا من حرب داعش في العراق باستثناء قوات تدريب رمزية، كما منعها في سوريا من حرب داعش لسنوات وعندما بدأت عملية “درع الفرات” خلافاً لإرادته امتنع عن تقديم أي دعم لها بعد أن “ثقبت” الكانتون الكردي الذي خطط له بعد أن شرعن “حزب العمال الكردي الإرهابي” بواجهته السورية وقدم له كل الصمت والدعم لعملية تهجير واسعة للسنة العرب، ومن ثم دعمه للتسابق مع الأتراك لتمكينه من احتلال الرقة وسد الطبقة لترسيخ التهجير العرقي وسيطرته على موارد المياه والطاقة هناك، وهنا أيضاً لا يمكن التغاضي عن الدور المشبوه لإدارة أوباما في تأييد الانقلاب في تركيا والمساهمة به بأشكال عديدة.

أيضاً لا يمكن تجاهل صمت أوباما “التشجيعي” للتدخل الروسي السياسي والعسكري في سوريا عام 2015 لإنقاذ النظام الأسدي من الانهيار وإنقاذ حلفائه الإيرانيين من هزيمة عسكرية في سوريا كانت لتنهي مشروعهم في المنطقة وخلافة الملالي في إيران، ليتدخل الروس  ويصلوا إلى منطقة لم يحلموا بدخولها منذ وجدت روسيا عبر التاريخ، ويضعوا يدهم على سوريا عسكرياً وسياسياً لاستخدامها كورقة في صراعهم العالمي، وليتم بذلك استكمال حرب طائفية ضد العرب السنة ستمتد لاحقاً بجهود إيرانية إلى تركيا، تدخلٌ روسي غذى منابع التطرف التي كانت ولا زالت بشكل رئيسي مشكلة رد فعلٍ على ظلمٌ وفشلٍ سياسي،  كما شجع صمت أوباما بوتين لاحتلال نصف أوكرانيا وتهديد أوروبا العاجزة بدون “ناتو” يشله أوباما، ليؤسس ذلك إلى حربٍ باردة جديدة ستتحول إلى صدام مسلح بعد أن فُتحت شهية بوتين  على دول البلطيق وربما بولونيا، صدام مسلح يعزز احتماله الرئيس “ترامب” عبر حكومة محافظين جدد قد تتناقض في أمور كثيرةٍ عدا استعدادها للحرب، يعززها صعود تيارات يمينية أوروبية تنادي بتفكيك أوروبا ظهرت نتيجة تنامي ظاهرتي الإرهاب واللاجئين التي ساهم فيهما أوباما بشكل كبير مقصود مباشرٍ وغير مباشر.

ترى، أليس كل ما سبق تدخلاً مباشراً عسكرياً وسياسياً من قبل أوباما؟ أو ليس ذلك أيضاً تواطؤاً مع المشروع الإيراني الطائفي الشيعي/الفارسي عبر “الصمت التشجيعي” لأوباما عن تدخلات ملالي إيران في المنطقة، أو بالدعم التمويلي المباشر له عبر الاتفاق النووي الذي رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران، أو بالدعم المباشر للمشروع الإيراني عبر حصار الأطراف المناوئة له سياسياً عبر الأمم المتحدة ومبعوثيها في سوريا واليمن، أو عسكرياً بمنعها من التسلح، وماذا عن ترك الروسي يعربد في سوريا وأوروبا؟ وماذا عن شل الأمم المتحدة بما يذكرنا بوضع عصبة الأمم قبيل الحرب العالمية الثانية، تماماً كما أن كل فعله أو أشعل فتيله أوباما في فترته يذكرنا بمقدمات انفجار الحربين العالميتين الأولى والثانية عبر صعود التطرف النازي والفاشي والصمت عنهم، والصراع على المستعمرات وحوادث الإرهاب التي كانت شرارة تلك الحروب.

إن لم يكن كل ما ذُكر من “فعل” أو “امتناع عن فعل” أو “ودعم لفعل تفجيري” أو “منع لفعل مناوئ له”، إن لم يكن كل ذلك رؤيةً سياسيةٌ متماسكة مقصودةً “كارثية” وإشعالٌ لحرب عالمية ثالثة ودعم للإرهاب والتطرف والجرائم ضد الإنسانية فماذا يكون وماذا نسمي صاحبها “باراك حسين أوباما”؟

فواز تللو – سياسي وباحث سوري

برلين/ألمانيا 20/01/2017





Tags: سلايد