بهنان يامين: الميلاد الحزين في ارض سـورية

بهنان يامين: كلنا شركاء

    كانت حفيدتي الصغرى تُرتل باللغة العربية ترتيلة “ليلة الميلاد“، وهي من أروع التراتيل الميلادية، لانها تعبر فعلا عن رسالة المسيح المفترضة، والتي نقضت من قبل جميع البشرية.

    تقول الترتيلية: “ليلة الميلاد ينمحي البغض،” وفي الحقيقة يبشر رجال الدين بالبغض عوضاً عن ان يبشروا، كما اراد السيد المسيح في رسالته، بأن “ ليلة الميلاد تزهر الأرض” وفي ارض سورية الحبيبة الارض لا تزهر بل تنبت حقدا وبغضاء.

    وتكمل الترتيلة: ” ليلة الميلاد تدفن الحرب” وهذا الميلاد لم تدفن الحرب، بل على العكس قد ازدادت وحلب العزيزة مدمرة، بقسمها الشرقي بطريقة بربرية، من قبل مُستعمر روسي، يصب عليها حقده باغياً مصالحه.

   ليلة الميلاد هذا العام شهدت ذبح اهل حلب من قبل مُستعمر ايراني والمليشيات الملحقة به، حيث في ليلة الميلاد لم ينبت الحب، مع الأسف، بل نبت الحقد والكراهية والانتقام من شعب آمن كل جريمته انه طالب بالكرامة التي بشر بها السيد المسيح لبني البشر، ولكن منعها عنه حاكم ظالم، حيث أحضر كل شياطين البشر ليصبوا “انتقامهم” و ” حقدهم” على شعب كل جريمته بأنه من طائفة معينة.

    تحدد الترتيلة معنى الميلاد وليلته، حيث تقول : “عندما نسقى عطشاناً كأس ماء، عندما نكسى عرياناً ثوب حب،عندما نجفف الدموع من العيون،عندما نملأ القلوب بالرجاء، نكون في الميلاد” لو فكرنا بهذه الكلمات البسيطة التي  تختزل رسالة السيد المسيح وطبقناها على ارض الواقع، في ارض السلام سورية وقلبها المدمي حلب، لوجدناه واقعاً مؤلماً، حيث يكثر العطاشى والجياع والعراة، يمنعها عنهم حاكم مستبد، يبارك افعاله اناس لا يعرفون رحمة رسالة السيد المسيح، رغم انهم يرتلون ” ليلة الميلاد” بشكل ببغائي دون التمعن في كلماتها، وتنفيذ رسالتها التي هي رسالة ” تموت فيها روح الانتقام” و ” ويزول من كل قلب الجفاء“، ولكن على ارض الواقع تطبق هذه الرسالة بشكل مقلوب، حيث الانتقام الكامن منذ 14 قرناً، لا زال في قلوب البشر، لينفذوه باطفال وبشعب لا جريمة له الا انه طالب بحريته، فجيء بالحاقدين والباغين للانتقام وليذبحوهم بطريقة بربرية، فاين نكون من ليلة الميلاد ورسالتها.

  عندما ولد السيد المسيح، لم يولد في بيت دافئ، بل بمغارة رعاة، فقيرة، وذلك تنفيذاً لامر حاكم جائر، قتل كل الاطفال الذكور حتى يمنع رسالة المسيح، وها هو في ارض حلب يقوم “نجباء” قاسم سليماني، وحزب حسن نصرالله الالهي، وزينبيو الافغان، وفاطميو الباكستان، بذات الفعلة، حيث يذبحون اطفال حلب ذبحاً وجوعاً وعطشاً، انتقاماً لاولياء قتلوا منذ زمن طويل، وهم قطعاً لا يرضون عن أفعال اتباعهم البربرية وغير الانسانية.

   في ليلة الميلاد هذه واجبنا ان نتمعن برسالتها وننفذها ان كنا مسيحيين حقيقيين، واول هذه الرسالة هي ان نمسح الآلام اخينا في الانسانية، فنسقي العطشان، ونكسي العريان، ونأوي المشرد، عندها يحق لنا الاحتفال بليلة الميلاد.

مع الأسف ابتعد الكثيرون عن مغزى رسالة الفداء المسيحية، وهذا ما دفع الراحل المطران غريغوار حداد ان يطالب ” بتحرير المسيحية من المسيحيين” لانهم قد ابتعدوا عن رسالة المسيح، التي هي الاخيرة هي ايضاً بحاجة ان ” نحرر المسيح من المسيحية” التي تحولت الى مؤسسة سلطوية فاقدة بذلك مسيحيتها، ونسيت هذه السلطة رسالة السيد المسيح التي تطالب باحقاق الحق، والوقوف في وجه الحاكم الظالم، وهو ما يطالب به فرنسيس الاول، بابا رومية، حيث في رسالته الى الطاغية في دمشق، قد دعاه الى احترام الحقوق الانسانية للمواطنيين السورين، داعيا اياه والمجتمع الدولي ان يوقفوا العنف، اي يوقفوا القتل، الذي لن يولد الا ردة فعل متمثلة بالارهاب الذي يعمي بصيرة اتباعه.

   وانا استمتع بترتيل حفيدتي لـ ” ليلة الميلاد“، لم اغالب دمعتي التي نزلت حزناً وألماً على أطفال حلب الذين شردوا في ريفه، حيث يلتحفون السماء، ويرتجفون من البرد، الذي كان مُثلجاً هذا العام، ويتلقفون اللقمة التي منعها عنهم الحاقدمون، الذي استوردهم الطاغية لقتل شعبه وتشريده. فهذا العام تأتي ليلة الميلاد حزينة ومؤلمة.   





Tags: مميز