الجزيرة الإنجليزية: ماذا يمكن أن تكشف الحرب الأهلية الإسبانية عن مستقبل الصراع في سوريا؟

الجزيرة الإنجليزية: ترجمة صحيفة التقرير

قال إبراهيم المراشي، وهو أستاذ مساعد في قسم التاريخ، بجامعة ولاية كاليفورنيا، فى مقال منه إنه مع استمرار المعركة في حلب بلا هوادة، تتحول هذه الحلقة المكثفة من الحرب الأهلية السورية إلى  جزء من المعركة الشرسة، التي دارت في مدينة من مدن البحر المتوسط، برشلونة خلال الحرب الأهلية الإسبانية.

ويصادف يوليو 2016، ذكرى مرور 80 عاما من اندلاع الصراع في إسبانيا، الذي استمرمن 1936 إلى 1939، وفي يوليو عام 1936، قاد الجنرال فرانسيسكو فرانكو وحلفاؤه التمرد داخل الجيش الإسباني، والذين يشار إليهم مجتمعين بالقوميين، ضد الحكومة الجمورية المنخبة حديثا والتي تميل إلى اليسار.

وصعدت حكومة الجمهوريين قواتها العسكرية، بالإضافة إلى الأناركية والميليشيات الشيوعية، للدفاع عنها وبذلك نشبت الحرب الأهلية.

حلب ساحة المعركة الرئيسية في سوريا

وأنا امتنع عن التذرع بتلك العبارة النمطية، “التاريخ يعيد نفسه”، وبدلا من ذلك، فإن هذه تعتبر قطعة أو جزءًا من سلسلة من المقالات التي تقوم بمقارنة الماضي والحاضر الإسباني السوري، وستوضح ديناميات مماثلة للحروب الأهلية، وستوضح أيضًا كيف انتهوا؟، أو لماذا استمروا في تحملها؟.

التشابهات

وأجريت من قبل مقارنات بين اثنين من هذه الصراعات، فقال اثنان من العلماء السياسيين البارزين، أيا بلسيلز وستاثيس كاليفاس، “أصبحت الحرب الأهلية الإسبانية نزاع التنسيق في أوروبا، وساحة للمعركة الأيديولوجية والعسكرية حيث قامت القوات الفاشية والمناهضة للفاشية بالاشتباك، بينما فقط يحدق العالم بصمت، واليوم  أصبحت سوريا مفتاحا لساحة معركة للمنظرين والناشطين السنة والشيعة”.

الرأي: إسبانيا – البحث عن جارسيا لوركا

وبينما لا أوافق على  أنه يمكن اختصار الحرب الأهلية السورية في التوتر بين السنة والشيعة، فهناك شرح  لكيفية “تحديق العالم” على اعتبار أن انكشاف الحرب الأهلية الإسبانية ينطبق على معظم المجتمع الدولي وسوريا منذ اندلاع القتال في العام 2011.

ويقوم الموالون الجمهوريون  بالحراسة بالبنادق والرشاشات على قمم الجبال ضد المتمردين القوميين خلال القتال في الحرب الأهلية الإسبانية “جيتي”.

أولا، من حيث التشابه، فقد شمل النزاعان وجود قوى خارجية متنافسة، والتي رعت الحرب الأهلية الإسبانية، مثلما لعبت المملكة العربية السعودية وإيران دورًا في الحرب الأهلية السورية، على سبيل المثال لا الحصر.

ووقف الاتحاد السوفييتي إلى جانب ألمانيا النازية والجمهوريين، وقدمت إيطاليا الفاشية قواتها والمساعدات العسكرية للقوميين، ما عمل على ترجيح كفة الميزان لصالح فرانكو.

وكان فرانكو يقود تمردًا ضد الحكومة، ما قد يجعل قواته تماثل جبهة النصرة، ولكن من حيث المعدات العسكرية، من الممكن مقارنته ببشار الأسد في استخدامه لمعظم المعدات العسكرية الموروثة من الدولة لمكافحة خصومه.

وقد أثبتت هذه الأحزاب اعتمادها على القوة الجوية، والتي تطورت فيها التكنولوجيا الجوية بشكل ملحوظ وذلك على مدى الثمانين عام الماضية.

وسيطر فرانكو كاملا على الجو، نظرا لمشاركة القوات الجوية لألمانيا النازية وإيطاليا الفاشية، والذين قاموا بقصف بلدات موالية للجمهوريين، وتدخل سلاح الجو الروسي ليميل التوازن لصالح الأسد اعتبارًا من عام 2015.

وتورطت الحربين الأهليتين المعنيتين في القتال في مراكز المدن الرئيسية، والعواصم “مدريد ودمشق”، وفي اثنين من المراكز الحضرية المتمردة “برشلونة وحلب”، وعانى الجمهوريون، – مثل المتمردين السوريين -، من الاقتتال الداخلي، والذي عمل في نهاية المطاف على ضعف صفوفها.

وفي حالة الجانب الجمهوري، قامت المساعدات المقدمة من الاتحاد السوفييتي إلى الميليشيات الشيوعية الإسبانية، بهزيمة الميليشيات الفوضوية في برشلونة، ولعبت “داعش” دورًا مماثلًا في إضعاف المتمردين السوريين، ولا سيما تلك القوى التي تسيطر على حلب.

أوجه الاختلاف

وعلى الرغم من قوة قوات فرانكو، ففي ربيع عام 1938 بدت الحرب الأهلية الإسبانية في الوصول إلى طريق مسدود، وسجل القوميون النصر النهائي بعد احتلال مدريد وذلك في وقت لاحق من العام، وامتد هذا الصراع لمدة 3 سنوات، إذا لماذا عانى الصراع السوري لفترة أطول من ذلك؟.

هناك العديد من الأسباب في سبب استمرار الحرب الأهلية السورية، ووفرت الاختلافات من حيث الديناميكية العسكرية والجغرافية والاقتصادية للصراع بعض التفسيرات.

أولا، تم عكس الأدوار للجانب العسكري الأقوى، واستقرت الأسد في العاصمة، وكان على المتمردين مسؤولية الهجوم عليه.

أما فرانكو فقد غزا بلده من المغرب ليتمكن من احتلال مدريد، وقامت القوة العسكرية الأقوى في إسبانيا بالاستحواذ على رأس المال، والمقعد المزعوم للسلطة، في حين يفترض على القوة الأضعف في سوريا  تحقيق هذا الهدف، والذي ثبت أنه بعيد المنال.

ثانيا،  لا يحد إسبانيا سوى فرنسا والبرتغال، مع قيام فرنسا بتقديم المساعدات للجمهوريين، والبرتغال  بمساعدة القوميين.

الرأي: انضمام  اليساريين الإسبان لمكافحة “داعش”

ففي حالة سوريا،  فلديها عدد أكبر من الدول المجاورة، فتحدها تركيا، والعراق، ولبنان، والأردن، ما يجعل كل هذه الحدود تساهم في إدامة الصراع، من حيث تدفق الأسلحة والمقاتلين.

وتعتبر تلك الدول الحدودية، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وقطر، وإيران،  لهم مصلحة في الحرب الأهلية، فهم يسعون جميعًا للحرب التي تناسب مصالحهم  الأمنية الوطنية.

ثالثا، بسبب استمرار الصراع لفترة أطول في سوريا، فهناك ثمة فرق آخر وهو الاقتصاد السياسي للحرب الأهلية.

فمنذ استمرار الحرب السورية  لفترة طويلة، ظهر عدد من أمراء الحرب لا يعد ولا يحصى، واتخذ بعضهم  الجانب الحكومي وآخرون انضموا إلى صفوف المتمردين، ما جعلهم متجذرين في الصراع، وسمح لهم  باطلاق سمومهم في الاقتصادات الصغيرة.

ومن المشكوك فيه قيام هذه الأحزاب بدعم أي حل سياسي تفاوضي إذا كانت القاعدة المالية الخاصة بهم مهددة بوقف القتال.

ووضعت الميليشيات الفوضوية والشيوعية في إسبانيا الاقتصادات الصغيرة الخاصة بها، كما هو الحال في برشلونة، ولكن تم تفكيك هذه الاقتصادات  بعد انتصار القوميين هناك.

بروفة للحرب العالمية الثانية

ووفرت الحرب الأهلية الإسبانية ساحة لألمانيا وإيطاليا لاختبار المعدات العسكرية الجديدة، ولا سيما قاذفات القنابل التى تستهدف المراكز المدنية، وكان هذا التكتيك تمهيدًا لصراع أكبر من ذلك بكثير، وهو الحرب العالمية الثانية.

ويقول مراقبون للحرب الأهلية السورية، إن روسيا تستخدم هذا الصراع لمحاولة الخروج بالعتاد العسكري الجديد، بدءًا من صواريخ كروز طويلة المدى وشن الغارات الجوية من إيران؛ لإرسال رسالة إلى الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي عن قوتها العسكرية الجديدة.

وكمؤرخ، لم يعجبني عبارة “التاريخ يعيد نفسه”، لأنها حتمية أكثر من اللازم، وتنفي وكالة ممثلي الوقت الحاضر.

وتحتاج الولايات المتحدة وروسيا، والأطراف السورية في هذه الحالة إلى ضمان أن الحرب الأهلية الدامية، لن تصبح مقدمة لصراع أكبر من ذلك بكثير.

اقرا:

الجزيرة: الحرب السورية.. صراع واحد ومعارك متعددة