on
فواز تللو: معايدة للراحل صادق جلال العظم
فواز تللو: كلنا شركاء
“صادق جلال العظم” مسلم بالولادة، عربي بالهوية، علماني في المعتقد، وحر في الفكر، لكنه أثار بطروحاته أطرافاً متناقضة تعادي بعضها البعض بشكل استئصالي أحياناً.
أثار “صادق” غضب الإسلامي الأصولي والمؤدلج الذي يقحم مفهومه للإسلام في كل شيء بتفاصيله ويجتر الماضي ليلبس الحاضر بها قسراً، كما أثار غضب الإسلامي “المشيخي” الذي اعتاد شرعنة العادات والتقاليد الاجتماعية المتخلفة والسياسات الاستبدادية، لكن “صادق” لم يعادي الإسلام كدين وهوية ثقافية وممارسات عبادية وشخصية بل كان ضد أدلجته وإقحامه واستخدامه في السياسة، ولم يعادي يوماً “الاسلام الشامي الشعبي” (الشامي من بلاد الشام) ولا أتباعه الذين يشكلون عملياً الجمهور الواسع للمسلمين العرب السنة في سوريا والعالم، لكنه لم يوفر نقداً لواقع اجتماعي متخلف نشأ عن تغليف التخلف الاجتماعي بمفاهيمٍ إسلاميٍة تبتكر نسختها من فهمها الخاص بالإسلام لتصبغه بلونها وتحاول فرضها أو إقناع جمهورها بها لتبرر توجهاً سياسياً أو واقعاً اجتماعياً.
أيضاً أثار “صادق” غضب القوميين العرب حين حمل العروبة كهوية ثقافية وليس كإيديولوجيا تصادر الخيارات والهويات الأخرى للشعوب، لذلك لم تستطع أنظمة الاستبداد “القومية” استخدامه وجره إلى خنادقها ومعاركها العبثية أو التمويهية او التبريرية لقمعها وفسادها.
كما أثار “صادق” غضب “الأصوليين العلمانيين” وهم شيء مختلف تماما عن العلمانيين، “أصوليون علمانيون” وهم بشكل كبير مثقفون وناشطون من المشرق العربي ينتمون للأقليات (ولا يعني أن جميع مثقفي الأقليات كذلك)، ويخفون طائفيتهم وعدائهم الطائفي للإسلام “السني” الذي يشكل الأكثرية السكانية والهوية الثقافية الطاغية، يخفونها بستار العلمانية التي لووا عنقها لتصبح أداة تبرير قمع طائفي.
كما أثار “صادق” غضب خليط غريب من الليبراليين الذين يقولون بالحرية، والماركسيين الذين نشأ في مدرستهم الفكرية وصبغها بفهمه، ومثقفي الأقليات الذين ينادون بالمواطنة والعلمانية، أثار غضبهم لوقوفه مع الثورة السورية “تأسلمت أو تعلمنت” كما قال محدداً هدف الثورة الأساسي بإسقاط النظام الطائفي الأسدي الذي صادر سوريا، مؤمناً أن باقي الظواهر سيعالجها شعب الثورة السورية الذي يدرك في النهاية أهداف الثورة التي قامت من أجلها في دولة الحرية والكرامة والمواطنة المتساوية في ظل الديموقراطية واحترام كل المكونات وخصوصياتها الثقافية دون تقسيم لسوريا كما يحلم بعض الانفصاليين من الأقليات القومية خاصة.
كما أثار “صادق” غضب هؤلاء الليبراليين المزيفين والماركسيين المشوهين وبعض مثقفي الأقليات لابسي القنعة، لأنه حدد هوية النظام الاستبدادي الطائفي في سوريا بـ “العلوية السياسية”، والتي واكبته أنا شخصياً في وصفها بـ”العلوية العسكرية” والتي أرى أنهما وجهان لعملة واحدة ببعدها كنظام طائفي وطائفة منخرطة في المشروع بشكل شبه كامل بكل مكوناتها وتوجهاتها ومفاتيحها الاجتماعية.
نعم، لم يتفق الجميع على كل طروحاته، لكن الجميع كل من موقعه وجد ضالته في بعض من فكره، فقد كان السوري “صادق جلال العظم” اسماً على مسمى في كل ما عاش وعمل من أجله ثم مات عليه، كان “صادق” في إيمانه بـ “الحرية” التي رسمت مسيرة ثمانين عاماً ختمها بموقفه المشرف من الثورة السورية والربيع العربي الذي سينتهي بعالم عربي جديد بإذن الله، وقدم للثورة السورية درة ثورات الربيع العربي، قدم لها من موقعه الفكري العلماني التنويري المتميز دعماً يكافئ معارك عسكريةٍ وسياسيةٍ وإعلامية كبرى.
الصادق الحر “صادق جلال العظم”، لم أجد خيراً منك أعايده اليوم وفي كل عيد لأي طائفة أو قومية في سوريا والمنطقة والعالم، وفي كل عيد للحرية والتنوير ومع كل ثورة ربيع عربي، كل عام وأنت بفكرك ومواقفك باقٍ بإذن الله.
فواز تللو – سياسي وباحث سوري
برلين – ألمانيا 28/12/2016
Tags: مميز