العميد الركن أحمد رحال: الجبهات المشتعلة أحرقت بشار الأسد … هي رسالة أم نهاية؟؟؟

العميد الركن أحمد رحال: كلنا شركاء

لا أشد الشامتين باللانظام الأسدي ولا أشد المتفائلين من الثوار ولا حتى حلفاء “الأسد” كان يتصور هذا السقوط المريع والانهيارات المتسارعة في جبهات القتال بعد أن رسموا صورة لميليشيات الأسد أنها القوة التي لا تٌقهر وأن الثورة ذهبت في طريق التلاشي وأن مسألة استقرار النظام وعودة الأمور إلى نصابها أصبحت مسألة وقت وقليل من الإجراءات الروتينية.

الجبهات التي تفجرت فجأة ودون سابق إنذار وعكست فشلاً استخباراتياً لأجهزة نظام “الأسد” التي كانت تتحضر وتحشد وتدعم على جبهات أخرى في الغوطة الشرقية مع ميليشيات “حزب الله” ومشغلها الإيراني, ومن حيث لا يتوقع “الأسد” انطلقت معركة ثوار حي “جوبر” لتزلزل الأرض من تحت أقدام كل الميليشيات التي تدافع عنه بعد تلاشي ما يسمى “الجيش العربي السوري” وحلول مكانه عصابات إيرانية ولبنانية وعراقية وأفغانية وباكستانية تغطيها طائرات “بوتين” جواً, معركة دمشق التي استطاعت وبأقل من 24 ساعة من الوصول لأطراف ساحة العباسيين ومن وصل حي “جوبر” بحي “القابون” وإغلاق طريق الخروج من دمشق باتجاه حمص والداخل السوري ورصد شارع “فارس الخوري” وتشكيل هالة هلع بين دوائر القرار الحليفة للأسد استدعى معها قطع خدمات الاتصالات والإنترنت والكهرباء عن الكثير من أحياء دمشق مع إنزال الفرقة الرابعة التي يقودها العميد “ماهر الأسد” شقيق رأس العصابة الأسدية, ولتصبح شوارع دمشق مسرحاً للدبابات والعربات المحملة بالرشاشات, ولتزداد المساتر الترابية والتحصينات في قلب شوارع دمشق, وليٌفرض حظر للتجوال, ولتهتز قلوب الشبيحة ومفاصل اللانظام لأول مرة منذ الإجراءات التي رافقت تفجير خلية الأزمة عام 2012 التي هزت دمشق حينها, وليعيش “الأسد” وحلفائه في دمشق حالة من الرعب ترجمها على ساحات المعارك بأكثر من مائتي غارة جوية استخدمت فيها الصواريخ الفراغية والقنابل العنقودية في محاولة يائسة لوقف تقدم الثوار.

على المقلب الآخر تكمن قيمة ما قامت به الفصائل أنها تأتي بعد حصار خانق تعيشه المناطق المحررة منذ أكثر من أربع سنوات, وعمل عسكري بتلك الضخامة من قبل الثوار يعكس القدرة والتصميم والجبروت والتفوق على الذات التي تحلت بها الفصائل المسلحة للثورة السورية ومدى قدرتها على قلب الطاولة على “الأسد” وحلفائه حتى في قلب العاصمة “دمشق”.

وتأتي رمزية المعركة في قلب العاصمة لتزيد من أهمية تلك المعركة, أما أبعادها السياسية فلا شك أنها أوصلت رسالة واضحة وجلية حملتها كل الدوائر السياسية المتحضرة للذهاب إلى “جنيف5” من أن المفاوض السوري عسكرياً كان أم سياسياً لم يعد مجبراً على القبول بفتات الحلول التي يطرحها المجتمع الدولي ولم يعد مسموحاً بالعربدة التي يمارسها “بشار الجعفري” ومشغليه من إيرانيين وروس, وأن المفاوض السوري أصبح له ظهراً يحميه وجبهات مشتعلة تضرب بقوتها على طاولة المفاوضات وتغير من مفردات ومحتوى بنود التفاوض.

الضغط الجوي الذي أوجدته طائرات “الأسد” و”بوتين” قابلها تكتيك عسكري فائق الذكاء من قبل قادة ومقاتلي الفصائل في جبهات القتال, عندما انسحبت الفصائل وابتعدت عن المواقع التي سيطرت عليها في اليوم الأول وهو ما أدى لانفراج أسارير النظام ولتخرج أبواقه على فضائياته معلنة الانتصار, ولكن وقبل أن يستفيق هؤلاء من نشوة النصر الخلبية والوهمية التي عاشها, كانت قبضات وأقدام الثوار تعيد الكرة وتطبق عليهم وتعيد تلقينهم الدرس مرة أخرى, بل زادت عليه بالتقدم لمواقع إضافية لم تصلها بالجولة الأولى, وليعود الرجفان ليضرب فرائص اللانظام الأسدي.

مع مساء اليوم الرابع لمعارك دمشق وكما هو متأمل ومتوقع من أخوة الدم وأخوة الثورة, فجر أبطال “جيش النصر” و”جيش العزة” وبقية الفصائل العاملة في ريف حماه معركتان بآن واحد, كانت جبهتها بطول أكثر من (20)كم واخترقت (حتى الآن) لثماني كيلومترات, ووضعت هدفين استراتيجيين كأهداف مرحلية لهما يتمثلان بمطار “حماه العسكري” على المجنبة اليمينية وبجبل “زين العابدين” على مجنبة الجبهة اليسارية, تلك المعارك زلزلت الأرض وقلبت التوقعات وامتلأت السماء بغبار المعارك ولتنهار معها دفاعات كل الميليشيات التي تدعم “الأسد” في ريف حماه, ولتعلن كلاً من “صوران ومستودعات ورحبة خطاب وقريتها وحاجز غزال وقرية تسوبين وحاجز الصفوح والنقطة 50 ومداجن السباهي وحاجز كازية معردس وقرية معردس وحاجز وقرية الحجامة” وليصل تعداد المناطق المحررة لحوالي (34) نقطة وقرية وحاجز كلها أعلنت انضمامها للمناطق المحررة بعد طرد العصابات منها وبانهيار كامل لمعنويات وقدرات كل الشبيحة والميليشيات التي كانت تسيطر على تلك المناطق, ولتصبح أقدام الثوار على مسافة سبعة كيلومترات عن مطار حماه العسكري الذي أحرق الثوار طائراته وحواماته على مدرجاته, وليصلوا أيضاً لأقل من أربع كيلومترات عن جبل زين العابدين.

ومع ساعات المساء أعلن الثوار في الجبهة الجنوبية لحلب عن قصف مركز على مواقع ميليشيات إيران وحزب الله بحرب مشاغلة وإرباك في تلة المحروقات ومشروع (1070) شقة ومشروع (3000) شقة أيضاً وحققت أيضاً أهدافها, إضافة لمعركة “الموت ولا المذلة” التي أطلقها أبطال الجبهة الجنوبية وأبناء حوران والتي حصدت الكثير وحققت الكثير في جبهة “المنشية”.

وحدة الدم ووحدة الجبهات التي تجلت خلال الأيام المنصرمة أقلقت الراعي والمرعي, ودفعت بالجميع لإعادة حساباتهم ومراجعة أوراقهم العسكرية والسياسية, تلك الوحدة التي لطالما نادى بها الشعب السوري لما تعكسه من ضرورة عسكرية قادرة على تشتيت جهود اللانظام وتمنعه من المناورة بالقوات والنيران, وتشتت حتى تركيز طائراته وجهود حلفائه.

المعارك انطلقت … أين تتوقف؟ أين يمكن أن تصل؟ ما هي ارتداداتها؟ ما هي انعكاساتها؟

جميعها أسئلة تقلق بال كل متتبع للثورة السورية لكنها بالتأكيد أرعبت النظام وحلفائه وزرعت البسمة على وجوه كل الأحرار.

معارك دمشق وريف حماه ودرعا وحلب وجبهات أخرى قادمة, سواء استمرت أم توقفت أم تراجعت, لا يهم, لأنها أوصلت رسالتين مهمتين, رسالة سياسية أصبحت بمتناول المفاوض السوري تمنحه القوة على طاولة الحل, ورسالة عسكرية تقول: أن الجيش الحر رقم يصعب تجاوزه, وأن الثورة السورية وبحراكها المسلح قادرة على قلب الطاولة على الجميع, وقادرة على تغيير الخرائط, وقادرة أن تهدد حتى عمق حصون “الأسد” إن لم تتحقق الأهداف التي خرج من أجلها السوريين.

هل تصل تلك الرسائل غداً إلى جنيف؟؟؟

وهل تكون لها منعكسات تتساوى مع حجم الانتصارات التي تحققت؟؟؟

أم تستمر المعارك لتبشر بخيار عسكري ؟؟؟

الأيام القادمة حبلى بمعطيات جديدة … ولننتظر

العميد الركن أحمد رحال

محلل عسكري واستراتيجي





Tags: سلايد